العدد 2556 - الجمعة 04 سبتمبر 2009م الموافق 14 رمضان 1430هـ

الأزمة الإيرانية في الأسبوع الثالث عشر

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

دخلت تداعيات أزمة الانتخابات الرئاسية الإيرانية أسبوعها الثالث عشر في طور جديد من التسوية القلقة بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية. والتسوية المؤقتة التي عقدت في البرلمان جرت على قاعدة التوازن بين التيارين المتشدد (المحافظون الجدد) والمعتدل (المحافظون التقليديون) ما أدى إلى الموافقة على 18 وزيراَ من 21 اقترحهم رئيس الأمر الواقع محمود أحمدي نجاد.

التصويت على غالبية وزراء أحمدي نجاد عزز قوة نفوذ السلطة التنفيذية (الحكومة) من جانب وأعطى من جانب آخر السلطة التشريعية و(القضائية) صلاحيات جديدة للمحاسبة والمراقبة وملاحقة التجاوزات والانتهاكات التي ظهرت خلال فترة مطاردة المظاهرات وكسر شوكة الشارع ومحاكمة المعتقلين. فقبل أن تبدأ مناقشة لائحة الأسماء التي تقدم بها أحمدي نجاد لأعضاء البرلمان أقدم رئيس السلطة القضائية آية الله صادق لاريجاني على إقالة مدعي عام طهران سعيد مرتضوي المتهم بالتشدد وملاحقة المعارضين والصحافيين وتوقيع بيانات اعتقال مئات المتظاهرين والمحتجين على نتائج انتخابات الرئاسة.

إقالة مدعي عام طهران قبل البدء في مناقشة سجلات وسير الأسماء المترشحة لمنصب الوزارة وجه رسالة قاسية من السلطة القضائية ضد تجاوزات مراكز القوى (أجهزة المخابرات والمنظومة العسكرية) تحذرها من التمادي في سياسة المطاردة والقمع وتشويه سمعة الجمهورية الإسلامية بتلك المحاكمات الصورية والاعترافات المفبركة. وأهمية قرار رئيس السلطة القضائية تتأتى من كون أن صادق لاريجاني عينه مباشرة مرشد الثورة بهدف تحييد القضاء عن السلطة التنفيذية المتهمة بالولاء لرئيس الأمر الواقع وإطاعة أوامره من دون اضطرار للعودة إلى المراجع العليا.

تحييد القضاء وجه ضربة قاسية للثنائي أحمدي نجاد- مشائي وتلك الحلقة الضيقة (الطفيليات) المحيطة بالرئيس (وزير الداخلية مثلا). والرد على أحمدي نجاد جاء بعد أن أقال «الرئيس المنتخب» وزير الاستخبارات بسبب رفض الأخير التجاوب مع تعيين مشائي نائبا ثم مديرا لمكتب الرئاسة.

المعركة بدأت قبل أسبوع من بدء السلطة التشريعية مناقشة أسماء أعضاء الحكومة وجدول أعمالها. وجاءت المعركة الدستورية لترسم حدود الانقطاع و التواصل بين قوة تنفيذية صاعدة وتيار تقليدي يطمح إلى المحافظة على تراث جمهورية تأسست على حيوية المجتمع وشوكة الشارع السياسية. ويبدو أن الرسالة القاسية أدت وظيفتها الدستورية حين اكتشف رئيس الأمر الواقع قوة التيار التقليدي في مجلس الشورى وقدرته على تعديل الكثير من التوجهات المتشددة في التعامل مع قوى الاعتراض في الشارع. فالبرلمان الذي يتألف من 290 نائبا يعتمد على كتلة من المحافظين تتشكل من 197 نائبا وهي في المجموع العام غير موحدة وليست متفقة على دعم توجهات الرئيس من دون رقابة ومحاسبة.

النائب علي مطهري مثلا انتقد حكومة الرئيس قبل يوم من بدء المناقشات واتهمه بأنه يريد السيطرة على الوزارات الحساسة مثل التعليم والثقافة والنفط والخارجية. وأشار إلى أن أحمدي نجاد اختار أشخاصا سمتهم الرئيسية الخضوع له لكونه «الرئيس المنتخب من الشعب» وليس العمل لمصلحة البلاد.

النائب أحمد توكلي أيضا ركز على عدم وجود انسجام في الفريق الاقتصادي ورفض الموافقة على تعيين وزير الدفاع السابق في منصب وزير الداخلية، خوفا على الحد من الحريات (عسكرة السياسة). وتحدث توكلي في مطالعته عن سمعة النظام وصورته الخارجية، ودعا إلى ردم الفجوة في المجتمع. كذلك اعترض على تسمية كمران دانيشجو (نائب وزير الداخلية المتهم بتدوير الانتخابات) وزيرا للعلوم والبحث والتكنولوجيا. كذلك انتقد النائب محمد رضا باهونار الرئيس واتهمه بعدم استشارة النواب وتجاهلهم في اختيار الحكومة.

كل هذه الملاحظات والقرارات التي جرت علنا قبل بدء مناقشات مجلس الشورى شكلت في مجموعها نقاط اعتراض من طرف السلطتين التشريعية والقضائية تحذر من مبالغة الرئيس في تطوير نفوذه الفردي اعتمادا على السلطة التنفيذية (الحكومة) التي تدين بالولاء لأوامره من دون احترام للتقاليد الدستورية أو العودة إلى المراجع العليا.


تسوية قلقة ومؤقتة

هذه الاعتراضات المعلنة أشارت إلى وجود انقسام في كتلة المحافظين بين التيار الجديد (اقتصاد الدولة) والتيار التقليدي (اقتصاد السوق) أخذ يتأسس سياسيا ويتركز دستوريا على مجموعة نقاط تتصل بحدود الصلاحيات. فالاعتراضات تطرقت إلى انفراد الرئيس بالقرارات وعدم احترامه للسلطة التشريعية والمرجعية القضائية، واختياره أسماء موالية لشخصه ولا تتمتع بالخبرة والكفاءة، ومحاولته السيطرة على الوزارات السيادية (الدفاع، الداخلية، الخارجية، النفط، المخابرات، الثقافة والإعلام) وأخيرا احتكار حرية التصرف بمصادر دخل الدولة من النفط والغاز (اقتصاد الدولة الريعي) وإنفاقه بطرق عشوائية تغذي سلطته ولا تلبي حاجات المجتمع وتطوير البنى التحتية.

جاءت الانتقادات في سياق إشارات تستهدف التسوية واحتواء العنف السياسي في المجتمع. فالمرشد مثلا أمر بإغلاق سجن كهريزاك مؤكدا أن النظام سيتحرك لمعاقبة قوات الأمن في حال ارتكبت جرائم ضد المتظاهرين. ورئيس مجلس الشورى (المقرب من المرشد) علي لاريجاني كلف لجنة لمراقبة الملفات المرتبطة بحركة الاحتجاج وتعرض مساكن الطلبة للهجوم والموقوفين لأعمال تعذيب وانتزاع اعترافات بالقوة.

توقيت القرارات والتعيينات والتصريحات عشية بدء مجلس الشورى مناقشاته لأعضاء الحكومة أعطى إشارة واضحة وغاضبة تحذر السلطة التنفيذية من التمادي في استخدام صلاحياتها لمصلحة شخص الرئيس. فالخوف من تطاول رئيس الأمر الواقع على المراجع العليا شكل الهاجس الذي أخذ يقلق كتلة المحافظين من تطرف بعض الشرائح (الطفيليات) مستفيدة من نمو «طبقة جديدة» في بنية علاقات الدولة ومصادر ثروتها ما يؤدي إلى تفكيك التوازن التقليدي الذي تأسست عليه الجمهورية. إلا أن المخاوف لم تذهب بعيدا في تقليم صلاحيات الرئيس (السلطة التنفيذية) حتى لا تضعف شوكة الدولة المتجهة في الشهور المقبلة إلى خوض معركة دبلوماسية كبرى للدفاع عن مشروعها النووي. وبسبب تلك الظروف الدولية اتجهت المعادلة الداخلية نحو ضبط التوازن تحت سقف الدستور حتى لا تعطى الدول الكبرى فرصة للاستقواء واستخدام المشكلات المحلية أدوات ضغط لمحاصرة الجمهورية من دون تمييز بين محافظ متشدد أو معتدل أو إصلاحي ومعارض.

المخاوف من تطاول الخارج على الداخل أملت شروطها على مجلس الشورى وساهمت في تشكيل تسوية قلقة (منح الثقة لـ 18 وزيرا من أصل 21 مترشحا من أحمدي نجاد) تضبط إيقاع الجمهورية بين سلطة تنفيذية تطمح إلى صوغ هيبة دستورية لشخص الرئيس ونفوذه الفردي وبين سلطة قضائية (شورية) تريد الحد من التسلط والعسكرة. ولكن التسوية لا يمكن أن تكون دائمة باعتبار وجود متغيرات أحدثت تعديلات في بنية الدولة ولم يعد بالإمكان تجاهلها أو تجاوزها من دون ملاحظة طموح الرئيس نحو تكريس مفهوم الطاعة وعدم المخالفة بذريعة أنه الشخص المنتخب من الشعب وليس ذاك المسئول المعين من المرشد مباشرة.

طموح رئيس الأمر الواقع ونزوعه نحو التفرد والعسكرة لا يعتمدان على قوة شخصه وإنما على نمو نفوذ شريحة مستفيدة من النظام تريد الهيمنة واستبعاد القوى التقليدية الأخرى المشاركة أو الضامنة للتوازن. فالتسوية التي عقدت تحت قبة البرلمان قلقة ومؤقتة وهي غير قادرة على ضبط ذاك التعارض الذي بدأت معالمه ترتسم بين المراجع التقليدية، واختلاف توجهات طهران عن قم. فالتعارض واضح في خطوطه بين تيار متشدد في العاصمة يقوده آية الله جنتي وآية الله مصباح يزدي (يعتمد على الحرس الثوري ويدعم بالمطلق أحمدي نجاد) وبين تيار معتدل في المدينة المقدسة يقوده آية الله أميني وآية الله العظمى الصنيعي وآية الله منتظري. فالتيار الأول (المحافظون الجدد) يطالب بمطاردة المعارضة ومحاكمة المعتقلين واتهام الخارج بالتآمر مع رموز الإصلاح لتقويض الجمهورية. والتيار الثاني (المحافظون التقليديون) يعارض الاعتقالات ويطالب بوقف المحاكمات الصورية ويرى أن الأزمة من نتاج تجاوزات الداخل واستخدام الصلاحيات الدستورية والمال العام لمصالح شخصية.

الأزمة إذا تراجعت حدتها في الأسبوع الثالث عشر ولكنها لم تتبخر عناصرها التي كانت السبب وراء تفجرها العنيف في الشارع. والتسوية القلقة التي تم إخراجها سياسيا في إطار مجلس الشورى مؤقتة في اعتبار أن العوامل التي ساهمت في صنعها تغلغلت إلى بنية الدولة ومراكز القوى في النظام وتلك الشريحة الاجتماعية من الطفيليات التي تطمح بدفع السلطة نحو مزيد من التحكم والتفرد والعسكرة.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2556 - الجمعة 04 سبتمبر 2009م الموافق 14 رمضان 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 7 | 2:38 م

      الي ماعنده شغلة ؟؟؟؟؟؟؟ السنانير

      بتتعب روحك وما بتستقيد شي عمرك بيخلص والاسابيع مابتخلص انت كاتب مقثدر شوف لينا مواضيع اضمد جروح المواطن احنه ويش لينا بايران اسبوعها الاول ولا المائة

اقرأ ايضاً