العدد 2558 - الأحد 06 سبتمبر 2009م الموافق 16 رمضان 1430هـ

«الوسط»... ومعركة الدفاع عن الهوية

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

مضت سبع سنوات على انطلاق «الوسط» في 7 سبتمبر/ أيلول 2002. والسنوات السبع التي مرت كانت مشبعة بالتجربة ما عزز التفاؤل بنجاح مشروع صحافي تميز بالوسطية والاستقلال.

تحديات «الوسط» كانت كثيرة وكبيرة منذ اليوم الأول. فالصحيفة حاولت قدر الإمكان أن تلبي آليات السوق من دون أن تسقط في الأوهام. كذلك أرادت أن ترسل إشارة تؤكد حاجة القارئ إلى صحيفة تقارب همومه وطموحاته من دون الانزلاق نحو الابتذال. وبين آليات السوق وتوقعات القارئ مرت «الوسط» في مراحل بدأت من محطة إثبات الوجود فنيا وتقنيا والدفاع عن حق القارئ أن يمتلك صحيفة تخاطب رؤيته لتدخل لاحقا في محطة أصعب وهي ترسيم هوية خاصة بعيدة عن التوصيف الأيديولوجي والتصنيف الأهلي.

المحطة الثانية كانت الأصعب لأنها تركزت على مهمة شاقة تقوم على سياسة كسر التصورات المسبقة وتجاوز الأطر النمطية المتعارف عليها في تحديد الهوية وتعريف الشخصية. وصعوبة المحطة الثانية جاءت انطلاقا من الحرص على التمسك بقاعدة استقلال الصحيفة وحقها في تأكيد هامشها السياسي وتميزها عن المألوف وتلك الشعارات الجاهزة أو الأفكار المنجرة سواء تلك المتصلة بالقضايا الداخلية أو تلك الموصولة بالمتغيرات الإقليمية والدولية.

معركة كسر القوالب النمطية كانت أصعب ولكنها استحقت المغامرة باعتبار أن الفوز في تخطي هذه المحطة يعطي دفعة معنوية ترفع من نسبة النجاح في تجاوز كل الاستحقاقات المتوقعة.

حتى الآن يمكن القول إن «الوسط» قطعت منطقة الخطر حين استطاعت الالتفاف حول الإسقاطات الأيديولوجية التي تصنف الأفكار في خانة محكومة بالتجاذبات الأهلية والانحياز العاطفي إلى فئة من دون انتباه لسلبيات التوصيف الذي يعطل طموح الاستقلال والإخلاص لتميز الهوية.

نجاح «الوسط» في هذه المهمة الشاقة يشكل خطوة نوعية في إطار الدفاع عن هوية صحيفة تطمح أن تحافظ على نمو يجمع بين التطور المهني - التقني وبين الانفتاح على مختلف وجهات النظر التي تقرأ قضية واحدة من زوايا متخالفة.

مسألة الاستقلال أو الاختلاف والتنوع ضمن الوحدة تشكل هاجس «الوسط» الرئيس إلى جانب الحرص على التطور المهني واستيعاب المستجدات التقنية في عالم الصحافة. الجانب المهني - التقني مهم لمواكبة التقدم ولكنه أسهل من مهمة الدفاع عن هوية صحيفة تحرص دائما على تميزها وعدم سقوطها في مصيدة التوصيف الأيديولوجي والتصنيف الأهلي. وسبب الاختلاف بين المهمتين يعود إلى سهولة الحصول على التقنيات المعاصرة لتطوير الأدوات الحرفية للمهنة الصعبة. بينما حماية هوية الصحيفة مسألة مرتبطة بشروط إنسانية يصعب ضبط انفعالاتها وهواجسها ومخاوفها في دائرة محكمة لأنها تخضع في النهاية لرغبات القارئ.

التعامل مع قارئ يُعتبر مهمة شاقة وتتعرض دائما للهبوط والصعود ولا يمكن أن تتكيف ضمن قوالب جاهزة وذلك لاعتبارات إنسانية تتصل بعدم القدرة على حشر أمزجة الناس في نمط واحد من القراءة والتفكير والتحليل والرؤية. وصعوبة التعامل مع القارئ تتأتى من مجموعة عوامل تبدأ من نقطة أن المكان والعنوان والاسم مجهول أو على الأقل غير واضح؛ الأمر الذي يشوش في لحظات الثقة المتبادلة وتنتهي في نقطة أن توقعات القارئ غير موحدة وأحيانا تصل إلى حد التعارض التناحري في رؤية القضايا والمشكلات.


فضاء مفتوح

كسب مشاعر القارئ في كل الحالات مسألة مستحيلة؛ لأن الانفعالات الإنسانية تلعب دورها في توضيح الرؤية وخصوصا حين تكون التصورات محكومة بالإسقاطات الأيديولوجية أو هي ضحية معلومات ناقصة أو خاطئة. لذلك لا بد من الاختيار بين سياسة الإرضاء والمناورة أو التمسك بحق الاختلاف والخسارة. الخسارة صعبة ولكنها تبقى هي الإطار المفضل لضمان الحرية والاستقلال والتمايز وإعطاء فرصة للنقاش والتعارض. فالخلاف في النهاية رحمة؛ لأنه يعطي الإنسان حق الاختيار وتحمل المسئولية الفردية لوجهة نظره.

الاختلاف حق مشروع. ومشروعيته تبدأ من القدرة على تحمل الرأي المضاد وتنتهي في الاستعداد للمراجعة وإعادة القراءة والقبول بالمحاسبة. وهذه المهمة فعلا صعبة لأنها متصلة بالناس والانفعالات الإنسانية المجهولة العنوان والمصدر والبعيدة عن التعريف والتوصيف والتصنيف.

مهمة الإحاطة بالقارئ أصعب من التعايش مع السلطة أو أصحاب القرار أو الأطراف المتابعة لتضاد الآراء. فالقارئ يختلف عن مراكز القوى المعنية بالصحافة أو المهتمة بـ «الوسط»؛ لأن مشاعره عفوية وصادقة ومنفعلة وإنسانية وغير سلطوية. وبسبب هذه الفضاءات التي تحيط بالقارئ تصبح مهمة التواصل شاقة وتتطلب الكثير من التقنيات للتقارب والانفتاح وكسر حاجز الاتصال الحر من دون قيود أو رقابة.

المشاعر البشرية متشعبة الأهواء والولاءات وهي تختلف في بساطتها عن القوالب السلطوية. فالأخيرة واضحة المعالم ومحددة العنوان أو الهاتف ومحكومة بالقانون بينما الانفعالات الإنسانية لا هوية واضحة لها وهي غير محددة بالعناوين والهواتف وتخضع أمزجتها لقوانين بشرية غير موحدة أو مضبوطة تحت سقف نهائي للعقل أو التفكير أو الرؤية.

فضاء القارئ مفتوح على الاحتمالات والتداعيات وردود الفعل. وبسبب هذه الخصوصية الإنسانية للمشاعر تظهر مهمة التعامل مع شبكة واسعة من القراء صعبة لأنها تخضع للصعود والهبوط من دون قصد أو انتباه. عفوية القارئ جميلة وشاقة في آن. ولكن مستقبل الصحافة الحرة والمستقلة موقوف في النهاية على عفوية القارئ وتدخله اليومي الإيجابي والسلبي؛ لأنه يقدم معرفة لا تقدر بثمن تسهم من دون انتباه في تطوير المهنة وتعديلها حتى تنسجم مع معادلة مفتوحة على الآفاق الواسعة في طموحاتها والبعيدة في رؤيتها.

«الوسط» دخلت اليوم عامها الثامن، وهي في تجربتها اجتازت الكثير من العقبات وتجاوزت حواجز كثيرة حتى استطاعت أن تنتقل من محطة إثبات الخصوصية المهنية والحرفية إلى محطة الدفاع عن الهوية المستقلة التي ترسم شخصية مميزة بعيدة عن التوصيف الأيديولوجي والتصنيف الأهلي.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2558 - الأحد 06 سبتمبر 2009م الموافق 16 رمضان 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 3:15 ص

      الوسط اسم على مسمى

      كسبتم الرهان ياسيدي العزيز
      رغم كل المستنقعات
      التي أريد لكم أن تغرقوا في وحلها
      لكنكم أثبتهم وبرهنتم أنكم للجميع بدون إستثناء
      ويشهد لكم بذلك كل من لديه (ذرة ) من الضمير
      نبارك لكم ونتمنى لكم التوفيق

اقرأ ايضاً