العدد 2577 - الجمعة 25 سبتمبر 2009م الموافق 06 شوال 1430هـ

التقارب الأميركي - الإيراني حاجة دولية

حيدر محمد haidar.mohammed [at] alwasatnews.com

سيكون من قبيل السذاجة التصور أن تقاربا نوعيا سيحدث في العلاقات الملبدة بغيوم الثلاثين عاما بين الولايات المتحدة الأميركية والجمهورية الإسلامية الإيرانية، ولكن الحكمة وحاجة المجتمع الدولي لمثل هذا التقارب تجعلاه أمرا حتميا حتى لو لم يستسيغه الإيرانيون والأميركيون الآن.

من المهم جدا بالنسبة إلى طهران وواشنطن أن تجلسا معا على طاولة حوار شفافة وبناءة، ولكن مع توقع حدوث مطبات هوائية كبيرة في هذا الحوار في سبيل التوصل لتوافق يراعي مصالح الطرفين وحاجة المجتمع الدولي عموما ومنطقتنا إلى تقارب من هذا النوع.

كل الأزمات الدولية قد يكون منشؤها انعدام الجرأة على الحوار، وعدم تقبل كل الأطراف للإصغاء لبعضها، والصراع الدولي ناجم عن الأحادية في فرض الرؤى واحتكار القوة وتجاهل متطلبات النظام الدولي الجديد الذي يجب بلوغه.

الجليد الكبير ما بين واشنطن وطهران لن يذوب سريعا، وخصوصا إذا ما أخذنا في الاعتبار وجود أطراف إقليمية ودولية ليست راغبة في الوفاق الإيراني الأميركي، وليس من مصلحتها حدوث هذا الأمر عاجلا أم آجلا.

أخشى أن يكون الرئيس الأميركي باراك أوباما قد استجاب للضغوط الكبيرة التي يمارسها اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة وكذلك الحكومة اليمينية المتطرفة في تل أبيب التي لم تُخفِ قلقها من أي تقارب أميركي إيراني مُزمَع.

باراك أوباما يحب أن يحافظ على غصن الزيتون الذي رفعه للإيرانيين، والإيرانيون لا أعتقد أن من مصلحتهم مقابلة الغصن الأميركي بالصدود. نحن الآن في مرحلة من يبدأ في مصافحة الآخر والتقدم بخطوة أخرى نحو الأمام بعد التصريحات الإيجابية المتبادلة.

الولايات المتحدة بدأت تدرك أن التفاهمات مع طهران طريق حتمي لمواجهة التحديات في المنطقة المتخمة بالملفات، ولا أرى أن بمقدور واشنطن تحقيق أي تقدم فعلي في صراع الشرق الأوسط والعراق وأفغانستان من دون التفاهم مع طهران.

كثيرة هي نقاط الخلاف بين إيران والولايات المتحدة، وهذه الخلافات ثنائية المنشأ: فبعض هذه الخلافات أيدلوجية الطابع، وهي التقاطع المنطقي بين رؤيتين مختلفتين، وهذا الخلاف يجب أن يؤجل، ولا يصح السماح له بتعليق أية إمكانية للتقارب في القضايا ذات المنشأ المصلحي والبراغماتي. فبعيدا عن منطق الأيدلوجيات لدى واشنطن وطهران الكثير من القضايا التي يمكن لهما التوافق على حلها تدريجيا ولتترك للزمن معالجة القضايا الأخرى.

اليوم لدى الإيرانيين فرصة وجود رئيس يحمل رؤية منطقية على رأس البيت الأبيض لمعالجة الخلافات مع واشنطن بعقلانية. وإن هذه الفرصة قد لا تتكرر قريبا. وفي المقابل على واشنطن السير قدما للأمام في طريق إنهاء الطلاق مع طهران وفتح صفحة جديدة ليس بالضرورة أن تصل إلى حد الغرام والاقتران ولكن التفاهم طويل المدى.

طهران مؤثرة جدا في أمن الخليج، وفي صادرات النفط العالمية، وفي إقناع الفلسطينيين واللبنانيين بأية تهدئة غير مهينة في الشرق الأوسط، ولها دور بالغ الأهمية في العراق، ولها تأثير شديد على الوضع الأفغاني، لذا فإنه ليس من المنطقي التصرف بفوقية معها، ومن الحكمة إدماجها في المنظومة الدولية ليس من موقع التبعية والأمنيات، وإنما من وحي القوة والحيوية والدور الذي يمكن أن تسهم به طهران في بسط نفوذ الاستقرار في أكثر جبهات العالم اشتعالا.

لعلَّ من المناسب أن يتم استثمار الحضور المتزامن للرئيس الأميركي باراك حسين أوباما والإيراني محمود أحمدي نجاد في القمة السنوية للجمعية العامة للأمم المتحدة لانطلاقة شجاعة وجريئة في دفة العلاقات الإيرانية - الأميركية، والاستفادة من اللغة الهادئة التي يجب أن يتحلى بها البلدان في بناء توافق منطقي في الحوار الوشيك بين طهران ومجموعة 5 + 1 (الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن وألمانيا).

إن ثمة حاجة حقيقية الآن إلى تحقيق اختراق في ردم الهوة العميقة بين واشنطن وطهران من أجل تغليب مقاربة شجاعة تعتمد على الحوار كسبيل في تحقيق المكاسب، والمرء يدرك أن أي تقارب بين الإيرانيين والأميركيين قد يكون أحد المفاتيح المهمة للاستقرار في الساحة الدولية ولبناء نظام دولي جديد له قابلية كبيرة لفهم عميق ومن ثم للاستجابة بفاعلية للحاجات والتحديات الدولية.

إقرأ أيضا لـ "حيدر محمد"

العدد 2577 - الجمعة 25 سبتمبر 2009م الموافق 06 شوال 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • عبد الإله يوسف | 7:06 ص

      إيران ترفض التقارب مع أمريكا

      لابوادر في الأفق لمثل هذا التقارب ، فأحمدي نجاد في الجمعيّة العامّة للأمم المتحدة لم يتخلّى عن نبرته المتشدّدة لإسرائيل الحليف الإستراتيجي لأمريكا ، واتهم أمريكا بالسيطرة على السياسة العالمية كي تحقق طموحاتها العنصرية.
      وزاد الطين بلّة خبر الكشف عن مفاعل إيراني آخر لتخصيب اليورانيوم . إيران تمعن في تحدّي الولايات المتحدة والعالم ، لذلك فأي حديث عن تقارب في ظلّ هذه السياسة لايعدو كونه حبرا على ورق

    • زائر 1 | 3:12 ص

      الله العالم !!!

      ربما ايران تخلط اوراقها مع اوراق فلسطين ولبنان از ربما لها شروط؟؟؟؟

اقرأ ايضاً