العدد 2580 - الإثنين 28 سبتمبر 2009م الموافق 09 شوال 1430هـ

مقترحات القذافي: حقيقة أم خيال؟

محمد علي الهرفي comments [at] alwasatnews.com

كاتب سعودي

أختلف مع العقيد القذافي في كثير من أطروحاته السياسية، كما أختلف معه في تقييمه لطريقة حكمه لبلده وفي إشارته للديمقراطية التي يتيحها لأبناء بلده، وأختلف معه في طريقة حديثه عن كتابه الأخضر والأبيض، ومع كل هذه الاختلافات وغيرها إلا أنني أتفق معه في كثير مما قاله في خطابه أمام الأمم المتحدة في الأسبوع الماضي.

كان القذافي واضحا وجريئا في معظم ما قاله عن تلك المنظمة الدولية التي كان يتحدث فيها، وكان تقييمه لمعظم مؤسساتها صحيحا لا غبار عليه... ولأول مرة - فيما أعلم- يتحدث رئيس دولة بمثل هذا الموضوع عن المنظمة الدولية، فيعريها وبصورة صحيحة... وربما لأن العقيد القذافي يتحدث لأول مرة منذ أربعين عاما في هذه المنظمة كان وراء كل تلك الصراحة التي تحدث فيها ولساعة ونصف تقريبا.

تحدث القذافي طويلا عن مجلس الأمن ومنظماته، وشرح بالتفصيل مخالفات تلك المؤسسات وأورد مجموعة من الشواهد على ما تطرق إليه.

انتقد بشدة حق الفيتو الذي تتمتع به بعض الدول الكبرى، وأكد أن هذا الحق لا يستخدم بصورة صحيحة، وأن هذه الدول تجعله سيفا مصلتا على رؤوس الدول الضعيفة.

ولعلي هنا أذكر أن الولايات المتحدة استخدمت هذا الحق عشرات المرات في إجهاض أي قرار قد يصدر ضد الصهاينة مهما كانت الجرائم التي ارتكبوها.

جرائم حرب ارتكبتها «إسرائيل» أكثر من مرة، في لبنان، وفلسطين، ومات بسببها آلاف الناس.

لم يستطيع مجلس الأمن أن يفعل شيئا ضد كل تلك الجرائم، حتى الاستنكار من خلال قرار واحد يصدر من مجلس الأمن لم يتم بسبب الفيتو الأميركي الذي كان يرفع دائما ضد فلسطين ولصالح الصهاينة.

في الجانب الآخر كان هذا المجلس وعلى رأسه أميركا يبادر بإدانة كل عمل مهما كان ضئيلا إذا قام به الفلسطينيون... وهذا يؤكد تحيز المجلس مع القوي ضد الضعيف، وهذا يجعلنا نتفاعل مع ما قاله القذافي عن الفيتو، ومطالبته بإلغائة لأنه غير عادل.

إنني أعتقد أن من حق كل دول العالم أن ترفض حق الفيتو الذي تتمتع به الخمس الكبار لأنه سيف مصلت على رقابها وآن الأوان لأن تتحرر منه وإلى الأبد.

هذه الدول «الكبيرة» وعلى رأسها أميركا تتحدث الآن وبقوة عما يجب أن تتخذه من عقوبات ضد إيران بسبب برنامجها النووي، وتلمح أميركا أن خيار الحرب مازال قائما ضد إيران إذا امتنعت عن التوقف عن برنامجها النووي!!

هذا التهديد دليل آخر على تحيز هذه القوى وعدم عدالتها، وبطبيعة الحال ولأنها -أي تلك الدول- تتحكم في مجلس الأمن فبإمكانها أن تمر من خلاله ما تريد.

لو كانت هناك عدالة لكان من واجبها أن تعامل «إسرائيل» بمثل ما تعامل به إيران، بل إن العدالة تقتضي منها أن تبدأ ببرامجها النووية المعروفة فتوقفها فررا ثم تطالب الآخرين أن يقوموا بالدور نفسه.

لقد تحدثت الدول العربية كثيرا عن أهمية القضاء على السلاح النووي العسكري الإسرائيلي لكن هذه الدول تتعامى عن كل ذلك وتكتفي بملاقعة إيران وحدها... وهذا يؤكد أن مبدأ العدالة مفقود، وأن حديث القذافي صحيح لا غبار عليه.

أميركا احتلت بلدين عضوين في الأمم المتحدة، ولازالت تحتلها، وقتلت مئات الآلاف، وشردت أكثر من ذلك، ولكن الأمم المتحدة أغمضت عينيها وأصمت أذنيها وكان كل ما يراه العالم لا يستحق منها ولو استنكار لا قيمة له. وعندما خلع مواطنوا هندورأس زعيمهم ثارت ثائرة هذه الأمم، وأرعدت وأزبدت وطالبت بإعادته فورا لأن ما حصل له يتنافي مع قواعدها وأخلاقها!! ولست أدري أين كانت هذه الأخلاق عندما احتلت العراق وشنق رئيسها!!

«إسرائيل» تمارس حرب أبادة جماعية منظمة للفلسطينيين وتحت سمع المنظمة العالمية وبصرها.

قتلت الآلاف في غزة، واستخدمت سلاحا تحرمه المنظمة ومؤسساتها، واعترف المختصون بهذه الإبادة، وأقرتها لجنة من هذه الأمم... لكن الصهاينة ضربوا عرض الحائط لكل ما قيل عنهم، وحملوا بعنف على التقرير الذي كتب عنهم... وأجزم أن المنظمة لن تفعل شيئا يسيء إليهم!! لقد ضربت مقراتها في أكثر من دولة ولم تجرؤ أن تفعل شيئا... هل تطلب المنظمة من دول العالم أن تحترم قراراتها؟! ألا يثبت كل ذلك أن هذه القرارات لا تطبق إلا على الضعفاء!!

«إسرائيل» تحاصر غزة، ويموت مئات بسبب هذا الحصار، و»إسرائيل» تريد أن تطرد كل الفلسطينيين أصحاب الأرض الذين يعشون فيها بحجة أن «إسرائيل» يجب أن تكون يهودية. ماذا فعلت المنظمة الدولية لإيقاف هذه الجرائم؟! لا شيء... لأنها تعجز عن «إسرائيل»، ولأنها تدرك أن أميركا تحميها وأن الفيتو جاهز عند الطلب!!

العقيد القذافي حرك المياه الراكدة وبشدة، وهذه ميزة خطابه، تحدث عن المسكوت عنه، وهذا الحديث لعله يحرك الدول المظلومة لكي تبدأ الدفاع عن مصالحها ولا تبقى دائما تحت رحمة الدول الكبيرة التي لا تعرف ولا تدافع إلا عن مصالحها.

أعرف أن خطاب القذافي قد لا يحقق الكثير، بل قد لا يحقق حتى القليل، لكني أعرف أن الصمت على الظلم لا يجوز، وأن المطالبة بالحقوق واجبة حتى وإن تحققت بعد سنوات طوال.

إقرأ أيضا لـ "محمد علي الهرفي"

العدد 2580 - الإثنين 28 سبتمبر 2009م الموافق 09 شوال 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 1:18 ص

      خبرك عتيق

      راجع الإرشيف وشوف منهو أول من قال هالكلام.

اقرأ ايضاً