العدد 2588 - الثلثاء 06 أكتوبر 2009م الموافق 17 شوال 1430هـ

الاتحاد الأوروبي وتحوّل تركيا

Common Ground comments [at] alwasatnews.com

خدمة Common Ground الإخبارية

عندما أعلنت المفوضية الأوروبية في أكتوبر/ تشرين الأول 2004 أن تركيا حققت شروط مباشرة مفاوضات الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، شكّل ذلك خبرا للصفحات الأولى حول العالم. اجتذبت تركيا الاهتمام العالمي بسبب أهميتها الجغرافية الاستراتيجية، ولأنها أول دولة ذات غالبية إسلامية مرشّحة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.

أحرزت تركيا خلال السنوات الخمس الأخيرة تقدما مثيرا نحو تقوية مؤسساتها الديمقراطية، ففصلت بشكل بارز الجيش عن السياسة ورفعت القيود عن حقوق الأقليات وألغت محاكم الطوارئ. ما كان يمكن للعديد من هذه الإصلاحات أن يتصورها أحد، دعك من تطبيقها قبل بضع سنوات. وكما قالت أستاذة العلاقات الدولية بجامعة كوتش باسطنبول ضيا أونيس: «جرى إطلاق مدّ من الإصلاحات، وجده التحالف المعارض للاتحاد الأوروبي في تركيا أنه يصعب مقاومته وبشكل متزايد».

امتدت الإصلاحات في العديد من الاتجاهات. يعامل قانون جزائي جديد جرى إنشاؤه العام 2004 القضايا الجنسية للمرأة وللمرة الأولى على أنها قضايا حقوق فردية، وليس شرف العائلة. تُجبر إصلاحات في الدستور التركي الدولة التركية على اتخاذ جميع الإجراءات الضرورية لتشجيع المساواة في النوع الاجتماعي. جرى تأسيس محاكم الأسرة وتعديل قوانين العمالة، وتم استحداث برامج جديدة للتعامل مع العنف الأسري وتحسين سبل وصول الفتيات إلى التعليم. هذه هي التغييرات الأكثر جذرية للوضع القانوني للمرأة منذ أكثر من ثمانين سنة.

يصعب أن نتذكر، إذا نظرنا إلى الوراء، حجم الفجوة المعيارية التي كانت تفصل تركيا عن الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي حتى العام 1999. أشارت المفوضية الأوروبية في تقرير لها العام 1999 حول تركيا: «هناك عيوب خطيرة من حيث حقوق الإنسان وحماية الأقليات. ليس التعذيب منهجيا، ولكنه ما زال واسع النطاق. كما يتم كبت حرية التعبير بشكل منتظم من قبل السلطات».

كانت هناك بين العامين 1991 و1994 ادعاءات واسعة بالتعذيب رُفِعَت إلى منظمات حقوق الإنسان، وآلاف حالات القتل الغامضة. ومع حلول العام 1996 كانت 3000 قرية قد مُحِيَت عن وجه الأرض في جنوب شرقي الأناضول بينما قاتلت الدولة حزب العمال الكردستاني. كانت السياسة الوطنية وإلى حد كبير قد اختطفتها «دولة عميقة» غير شفافة وغير قابلة للمساءلة، بررت أعمالها حاجة ظاهرية لمحاربة أعداء تركيا، وخاصة حزب العمال الكردي.

ورغم القلق المتعلق باحتمالات تباطؤ الإصلاحات، شهد العام 2009 سلسلة جديدة من المبادرات، بما فيها انفتاح سياسي تجاه أقلية تركيا الكردية، وتحديد لسلطات المحاكم العسكرية، وأبرزت جميعها السؤال: «لماذا ما زال هذا العدد الكبير من الدول الأوروبية، في ضوء نجاح قوة الاتحاد الأوروبي الناعمة، يعربون عن القلق فيما يتعلق بانضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي؟».

ليست هناك إجابة سهلة. ذكر 69 في المئة من المستَطلعين في ألمانيا في استطلاع الباروميتر الأوروبي نصف السنوي في ربيع العام 2006، وهو الاستطلاع الذي يوفر تقريرا عن الرأي العام في جميع أرجاء أوروبا حول قضايا تتعلق بالسوق الأوروبية، ذكروا أنهم يعارضون انضمام تركيا إلى السوق الأوروبية. وضع ذلك ألمانيا في نفس مستوى لوكسمبورغ وثانية بعد النمسا (81 في المئة معارضون). في هذه الأثناء وفي فرنسا، تخاف غالبية النخب السياسية من حجم تركيا ومن الأثر الذي يمكن أن يكون لها على الآلية المؤسسية للاتحاد الأوروبي.

إلا أنه رغم هذه الدولة المتشائمة، تدعم غالبية واضحة من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي انضمام تركيا في نهاية المطاف إلى الاتحاد الأوروبي. فرغم كل المشاكل والخطوات البطيئة، لم يحاول أحد حتى الآن إفشال العملية بشكل واضح. ويشكّل هذا بحد ذاته مؤشرا مثيرا للاهتمام، إذا أخذنا بالاعتبار المقاومة الشعبية للانضمام التركي، وخاصة في ألمانيا وفرنسا والنمسا وقبرص.

ناقش الرئيس الأميركي باراك أوباما، عند مخاطبته البرلمان التركي يوم 6 نيسان/ أبريل، قائلا: «تكمن عظمة تركيا في قدرتها على التواجد في مركز الأمور. ليس هذا هو المكان الذي ينفصل فيه الشرق عن الغرب، إنه المكان الذي يلتقيان فيه». وبينما تستمر تركيا في متابعة الإصلاحات فسوف تستمر في إفشال قضية هؤلاء الذين يؤمنون أنها لا تستطيع فعليا أن تتغير.

من السهل أن يغمرنا التشاؤم، إلا أن نظرة إلى المدى الذي وصلت إليه تركيا منذ العام 1999 يشجع على الأقل على بعض التفاؤل الحذر بأن قصة «تحويل تركيا إلى الأوروبية» العظيمة سوف تستمر.

الرئيس المؤسس لمبادرة الاستقرار الأوروبي وزميل بمركز كار لسياسة حقوق الإنسان بكلية كينيدي بجامعة هارفرد، والمقال يُنشر بالتعاون مع «كومن غراوند»

إقرأ أيضا لـ "Common Ground"

العدد 2588 - الثلثاء 06 أكتوبر 2009م الموافق 17 شوال 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً