العدد 270 - الإثنين 02 يونيو 2003م الموافق 01 ربيع الثاني 1424هـ

هل يبدأ عصر الوشايات التطوعية بعد انتهاء عصر المخبرين المأجورين ؟

متى يقتنع المهووس بأنّه ليس «حبّة قمح»؟

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

هل من المصادفة أن يشتق اسم المثقف في لغتنا العربية الجميلة من تعديل وتقويم الرماح؟ ولكن ماذا لو اعوجّت اليد التي تقوّم الرماح، هل نستغرب حينئذٍ إذا طاشت الرمية فأصبح القلم مجنونا مثل المدفع الدوار؟

«أنا حبّة قمح»!

رحم الله الطبيب الفيلسوف ابن سينا، فكم لقي من معاصريه، مرضى أجساد وعقول ونفوس.

جيء له بمريض نفسي كان يخاف من الدجاج والطيور، فكلما اقتربت منه دجاجة أو مرّ على ديك في الطريق، أو لمح عصفورا على الشباك أو شاهد حمامة تطير في الجو، صاح وبكا، ودعا بالويل والثبور وعظائم الأمور. وكانت أمنيته الكبرى أن توضع الطيور كلها في أقفاص حديد ليشعر هو بالأمان!

ولما جلس معه ابن سينا أخذ يسأله ليقف على سبب علّته و«فوبياه»، فاكتشف أنه يعيش حالا من الوهم، إذ يتصور نفسه «حبّة قمح»، ولذلك يرهب الدجاج والديكة والطيور والحمام. كلها في قرارة نفسه تتآمر عليه وتهدد حياته وتحاول ابتلاعه في طرفة عين! وجلس معه ابن سينا طويلا، صبر على هلوسته وتحمل بذاءاته، حتى أقنعه في الأخير وبعد جهدٍ جهيدٍ، بأنه بشر وليس حبة قمح. فلما همّ بأن يغادره استوقفه المريض من جديد ليقول: «أنا اقتنعت بكلامك الآن، ولكن كيف تقنع الدجاج والطيور بأنني لست حبة قمح؟»

وهكذا الحال، بعد كل الذي جرى من تغيرات بالبلد، وبعد عودة الطيور المهاجرة وخروج الطيور من الأقفاص، نعود لنقرأ من جديد تلك الكتابات السوداء ذاتها التي ما أمرت في عمرها قط بمعروف وما نهت قط عن منكر، على كثرة ما ينوء به الوطن من مشكلات وصعاب وآلام تذوب لها القلوب. عادت لتمارس هوايتها القديمة في الملاحقة والمطاردة وتوزيع الاتهامات. وإذا كان تهمنا الوحدة الوطنية ونحوطها بقلوبنا فذلك موقف صدق وحق، لم نتسلم عليه رشوة ولم تدفعنا إليه يد في الخفاء.

من بين هذه الكتابات التي انتهت صلاحيتها وما عاد يصدّقها أحد، هناك «أجندة خفية»، يعزف أحدهم على هذا الوتر المقطوع، ظنا منه انه سيغرّر بأحد من المسئولين، ولا أعتقد ان هناك من يصدّقه، فاللعبة باتت مكشوفة، ومن العار أن يكذب المرء ثم يكذب ثم يكذب حتي وإن كان يأمل في أن يصدّقه الناس.

بضاعة من سوق المقاصيص!

وآخر الأمثلة التي نسوقها كيف يمكن للموقف النفسي المشحون والمتحامل أن يضرب يمينا وشمالا، ويستهدف أبرياء وأناسا غير متهمين، فيصيبهم برصاصه الطائش، تماما كما وصفه أحد كبار المسئولين في الدولة بأنه مثل المدفع الدوار! فأنْ تعرض قناة المنار في مستشفى عام من شأنه أن يستفزه ويثير حفيظته، حتي يلجأ إلى استعداء أجهزة الأمن على إدارة المستشفى ومن ورائها وزارة الصحة، ويصوّرها كأنها مؤامرة شرسة تستهدف الدولة وتقويض نظام الحكم، وان المستشفى دولة داخل الدولة، فانتبهوا يا أولي الألباب!

لو كنا نعيش قبل خمسة أو ستة أعوام لوجد من يصدّقه فعلا وينساق وراء وشايته، ولكن الأمور تغيّرت، وهذه البضاعة المزجاة لا تجد من يشتريها في سوق «المقاصيص»، وإذا وجد من تأثر بهذه الزوبعة المفتعلة في الفنجان في وزارة الصحة، بفعل جوّ الإرهاب والرعب الذي ذكّر الناس بالأيام السالفة، فلأيام معدودة بسبب نبرة التخويف الفاقعة التي تستمد روحها من مخلّفات «أمن الدولة»، وسرعان ما عادت الأمور إلى مجاريها. ولو كان منصفا متزنا لبحث عن الأسباب، ولا يكون الحل بفرض التلفزيون الرسمي على المشاهدين، مع احترامنا للوطن وحبنا لترابه. والجميع يعلم أن الأكثرية من الناس لا تجد ما يجذبها إلى التلفزيون الرسمي العصيّ على التغيير. وتلك قصة أخرى تحتاج إلى وقفة محاسبة ومكاشفة، فالمحكُّ ليس بفرض القناة الرسمية على المشاهدين بل بتغيير هذه الأنماط السائدة في التعامل مع المشاهد البحريني، قبل أن نرتدي شعارات أكبر من مقاساتنا ونصف أنفسنا بأننا «قناة العائلة العربية»، في الوقت الذي يهرب منها مواطنوها إلى الجزيرة والمنار والعربية والـ mbc وlbc ... والحبل على الجرار!

هل بدأ عصر الوشاة؟

إذن، النَفَسُ الذي يعصف بهذا الشكل من الأقلام المهووسة، تراه لا يفارقها في يقظة أو منام، حتى لجأت إلى محاولة الاستعداء والتحشيد، فالاستشهاد بقصة مشهورة ومذكورة في كتب التاريخ يعتبره محاولة لزلزلة أركان الأمة! واستشهاد بقول مأثور يفتت الجماعة! عقلية ترى كل شيء بدعة، وكل من يخالفها في النار. تفتعل الخصومات وتتفنن في إثارة النزاعات والحروب الورقية، في وقت تجثم قوات الاحتلال الغربي على مدننا وقرانا العربية، ولا يشكل ذلك خطرا على الإطلاق، على طريقة من يخاف دبيب النملة ولا ينتبه إلى الرجفة والزلزال!

على أن لنا كلمة نقولها من القلب في الخليفة العادل عمر (رض)، ليس دفاعا عن عمر الخليفة العادل الكبير، وإنما لفتا لتلك النزعة العدائية المتوجسة دائما، المتهمة للآخرين أبدا، على غير هدي من دين ولا بصيرة من فكر نيّر.

نقول: عمر ذلك الذي يتمنى المسلم اليوم لو يعود ليمسك بأزمّة هذه القبائل العربية المتناحرة من الخليج إلى المحيط، ليقودها تحت راية لا إله إلا الله من جديد، ولتعرف معنى المجد تحت ظلال السيوف. وتوهّم من توهّم ان في الكلام تعريضا بعمر الكبير، وما درى انه ما رفع الحد عن والي الكوفة أيام خلافته إلا بعد ان تلجلج الشاهد الرابع في الشهادة، وذلك يكفي لرفع الحد عن المتهم، وذلك حكم القرآن الذي لا يختلف عليه اثنان من القضاة. ولكن النفسية التي تتربص وتتوجس دائما تقع ضحية الأوهام.

وما كان لنا ان نستطرد لولا منطق المؤامرة الذي نلقاه يتربص بنا عند كل زاوية وزقاق! في محاولة نستشعرها لتكبيل الأفواه في هذه الفترة الحرجة، مع سوق اثنين من رؤساء تحرير الصحف الثلاث، ومحاولة فرض قانون على الصحافيين، كثير الثغرات والمآخذ. ويأتي كل ذلك في سياق يتعلق بمعركة حرية القول والتعبير التي يحسدنا عليها ويستكثرها علينا من اعتاد العيش في العتمة حتى استهوته الحياة في الظلام.

وإذا كان من فائدة كشفت عنها مثل هذه الواقعة فهي ان هناك مساعٍ و«أجندة خفية»، تصب فعلا في اتجاه عودة «أمن الدولة»، ابتداء برفع الشكاوى واستعداء النائب العام، بعد ان انتهى عهد الوشايات والمخبرين إلى الأبد إن شاء الله. والمحزن المفرح ان ذلك تم و«ياغافل لك الله» ... وسرّنا جدا أن يكشف عن «السر المخبوء» فنعرف أن «المساعي الخيرة الطيبة الهادفة لخدمة الإنسان البحريني على هذه الأرض» بدأت من أيام موسم عاشوراء، تيمّنا مع ذكرى مذبحة كربلاء! فهل ذلك إيذان ببدء عصر الوشايات التطوعية بعد انتهاء عصر المخبرين المأجورين؟

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 270 - الإثنين 02 يونيو 2003م الموافق 01 ربيع الثاني 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً