العدد 293 - الأربعاء 25 يونيو 2003م الموافق 24 ربيع الثاني 1424هـ

هل تكون أميركا أول المنقلبين على الديمقراطية؟

مقارنة بين خطابين في العراق

طراد حمادة comments [at] alwasatnews.com

المقارنة البسيطة بين تصريحات وزير الدفاع الأميركي رونالد رامسفيلد، ورئيس المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق محمد باقر الحكيم، تأخذ في الاعتبار ما يشغله ويمثله الرجلان ، كفيلة بكشف الحال السياسية للأوضاع في العراق، بعد أكثر من شهرين على سقوط النظام العراقي السابق. وهذه المقارنة عينة ناطقة لدارسة الوضع العراقي وتلمس مستقبله القريب.

وفيها يبدو وزير الدفاع الأميركي مندفعا إلى ممارسة سياسته على ثلاثة مرتكزات:

1- احتلال العراق، وإدارته بالقوة العسكرية، والتراجع عن قيام حكم ديمقراطي في هذا البلد الذي عانى من الاستبداد معاناة طويلة، والانقلاب على الديمقراطية لصالح الاحتلال العسكري الدائم، بل الدعوة الصريحة إلى نفي الديمقراطية وحق الشعب العراقي، في تقرير مصيره وحكم نفسه بنفسه وتجاوز الخطاب الأميركي الذي سبق فترة الحرب ورافقها، وإسقاط كل الأقنعة التي لبسها هذا الخطاب، دفعة واحدة وبطريقة، تلغي كل ركون إلى وعود أميركا، واحترام كلامها كدولة عظمى، معنيّة بالحفاظ على بقية ضئيلة من الصدقية الدولية.

2- الاعتراف الضمني بفشل الخطة الأميركيّة لإدارة الوضع في العراق، وتحفظها في حلقة ارتباك سياسي وأمني واجتماعي، وتوجيه الإتهامات والتهديدات لجيران العراق، عن طريق إلقاء اللوم، على تدخل مزعوم أو غير دقيق ومحسوب، في شئون العراق الداخلية.

3- التصرف بالنيابة عن الشعب العراقي وقواه الحية، وكأنه غير موجود، أو كأنه آخر المعنيين بتقرير مصيره، وشكل الحكم الذي يختار. إن أميركا - في تصريحات رامسفيلد - تفكر بالنيابة عن العراق وتتصرف بمقدراته، وتدير الظهر لقواه الحيّة، وتأخذه ذريعة مكشوفة الأغراض، للاعتداء على جيرانه القريبين، وفي مقدمتهم إيران. وهو تصرف ينفي أية رغبة في الحوار، مع العراقيين أنفسهم، ومع جيرانهم الأقربين. إنها سياسة ممارسة القوة في شكلها الأكثر رعونة، من دون حسبان مخاطر هذا الخطاب، على وضع العراق وأوضاع المنطقة وكذلك على المصالح الأميركيّة البعيدة المدى، كدولة عظمى معنية بنشر حال من الحوار والاستقرار، في منطقة، شديدة الأهمية وشديدة الحساسية على السواء.

في الجهة المقابلة، تبدو تصريحات رئيس المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق الحكيم تستند إلى مرتكزات مغايرة تقوم على ما يأتي:

- ضرورة التخلص من الاحتلال في أقرب وقت ممكن، وتسليم قيادة العراق إلى شعب العراق، عن طريق حكومة انتقالية صحيحة التمثيل يليها إجراء انتخابات ديمقراطية، لقيام سلطة وطنيّة متعددة ومستقلة، تقوم بإعمار العراق، وإعادة دوره الفاعل.

- استمرار الحوار مع الولايات المتحدة والقوى الدولية والإقليمية الأخرى، لمساعدة الشعب العراقي سياسيا واجتماعيا، واقتصاديا، على الخروج من محنته الطويلة، مع الإصرار على استقلاله وسيادته الوطنية، وإدارة شئونه بنفسه، من دون تدخل من أية قوة خارجية أخرى.

- الانفتاح على جيران العراق الأقربين، من موقع الاستقلال والسيادة الوطنية، وبناء علاقات حسن جوار وتعاون وثيق يكون العراق فيه مصدر استقرار وأمان ودعم وتعاون لجيرانه، ولا يكون ساحة لصراعات دموية دفع العراق من حياة شعبه وحريته، ثمنا غاليا لها في السابق من خلال ممارسة النظام الاستبدادي.

- التمسك بالنظام الديمقراطي والانفتاح على الآخرين، وقيام علاقات الحوار والتعاون وعدم القبول، بتحويل العراق إلى ذريعة لأعمال عدوانية تهدد هذا الاستقرار من أيّة جهة كانت.

- اعتبار النظام الديمقراطي الصادر عن انتخابات عامة نزيهة وحده، ضمانة مستقبل العراق، ومستقبل الاستقرار وإعادة البناء، والحفاظ على تراث العراق، وهويته الوطنية، وقبول التعددية الحزبية، وكل ما يختاره الشعب العراقي في الانتخابات الحرة والنزيهة لاستعادة السلطة وحق تقرير المصير، وحكم الشعب نفسه بنفسه، والخلاص من فترة الاحتلال والوصاية الأميركية الراهنة.

- احترام المواثيق الدولية والقرارات ذات الشأن، وتطويرها لمصلحة العراق وإعادة بنائه، ومطالبة هذه القوى باحترام وعودها حيال الشعب العراقي، وخطابها متعدد الجهات، باحترام وحدة العراق وحق شعبه في قيام نظام ديمقراطي متعدد، يمثل كل قوى وتيارات الشعب العراقي على اختلاف إثنياتها وميولها، مع التمسك بهويتها الإسلامية - العربية، ذات الخصوصية المعروفة.

إن مقارنة بسيطة بين خطابين لرجلين كل من موقعه في المشهد العراقي الراهن، يكشف عن عمق الأزمة، وصعوبة الوضع، بين خطاب يبشر بالحرب والاضطرابات والفوضى، والدكتاتورية العسكرية، والاحتلال البغيض، وبين خطاب يبشر بالسلام والبناء، واستعادة القرار الوطني، والسيادة والاستقلال والتعاون على المستوى الإقليمي والدولي.

إن مستقبل العراق مرهون بموقع الغلبة لهذين الخطابين فهل تصغي أميركا إلى صوت الشعب العراقي، أم تكون أوّل المنقلبين على الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان، وحق الشعوب في تقرير المصير، وهي شعارات وقيم يجب أن تنتقل من الأقوال إلى الأفعال، وليس الانتقال في هذا الموضع محجوز لتهديد الشعوب بكرة النار التي تتدحرج من حرب إلى أخرى. وإلى تجارة رخيصة بالقيم الإنسانية التي تعني، في المجال الأساسي لها، أنها ساحة فعل حقيقي وليست مجرد شعارات ينقلب أصحابها عليها ساعة يشاؤون، وإذا فعلوا تراهم يندمون. ولات ساعة مندم..

العدد 293 - الأربعاء 25 يونيو 2003م الموافق 24 ربيع الثاني 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً