العدد 296 - السبت 28 يونيو 2003م الموافق 27 ربيع الثاني 1424هـ

تحرير الثقافة من قيود الإعلام... ووزارة الثقافة المأمولة

عادل مرزوق Adel.Marzooq [at] alwasatnews.com

-

الثقافة والتثاقف والبحث العلمي هي عناصر بناء وتطور الامم ورقيها عبر فترات التاريخ المتعاقبة، تلك حقيقة ليست بحاجة إلى نقاش جدلي او تحليل. كانت الثقافة بانتاجاتها وادواتها وصورها المتعددة هي السبب في انتقال البشرية من عصر الصيد البدائي إلى العصر الزراعي ومن ثم إلى العصر الصناعي والمعلوماتي الذي يصدمنا البعض بأن يعلن نهايته في حديث عن بداية عصر النهايات. إذ تتسارع الثقافة وصورها كما الحياة وصورها المتسارعة في وقتنا الحاضر.

والمشهد الثقافي هو دلالة على المشهد الاجتماعي والسياسي، وهو لا يقل اهمية عن الواقع الاقتصادي الذي اولاه ماركس اهمية كبرى في تحديد السياسات والاطر الاجتماعية. لربما يحسب البعض ان الثقافة والبحث العلمي امران انسيابيان ضمن الحركة الاجتماعية عموما وهذا الفهم خاطئ، الثقافة هي العنصر المحرك الحقيقي للمجتمعات، وليست تلك الحركات الشعبية في شتى ارجاء الوسيعة الا نتاج طبيعي للثقافة واطروحتها، او كما عبر احد الباحثين بأن الثقافة تستحق الانفاق الحكومي عليها، ذلك انه على سبيل المثال كم تنفق الحكومات من اموال طائلة في سبيل القضاء على بعض الثقافات العنفية كالارهاب، فالارهاب ما هو إلا نتاج ثقافة قبل ان يكون نتاج افراد اقنعتهم ثقافتهم ان لا فائدة في الحياة في ظل بعض الانظمة السياسية فاصبح هؤلاء انتحاريين.

في الوضع الثقافي الراهن ومستقبل البلاد خصوصا بعد الحركة الاصلاحية التي اطلقها عاهل البلاد لابد من الخوض في هذا الموضوع والنقاش في مفرداته باسهاب، استحداث وزارة للثقافة تنهي تبعية الشأن الثقافي لوزارة الاعلام كما هي حاليا والتي صيرت الثقافة عنصرا من عناصر التسويق للصورة الحكومية. وزارة الاعلام تحوم حولها ملابسات كثيرة كان آخرها وليس أخيرها قانون الصحافة والمطبوعات، واستطرد في الحديث عن وزارة الاعلام كونها بحاجة إلى قيصر كالذي دعا له منصور الجمري ليكون اليد الحديد في تنفيذ الاستراتيجيات الحكومية المستقبلية، وزارة الاعلام لم تعد قادرة على مجاراة الحركة الاصلاحية ذلك استنتاج شخصي نستنتجه من القراءات الميدانية لما تطرحه وزارة الاعلام عبر وسائل الاتصال الجماهيرية التي تتحكم بها او عبر السياسة التنظيمية التي تتبعها، لنعد إلى صلب موضوعنا وهو استحداث وزارة للثقافة ومهمتها ان ترعى الثقافة والفنون في جميع مجالاتها وصورها وان تهتم بالمثقفين وتهيأ لهم الادوات الضرورية كافة في سبيل تطورهم من مرحلة النقد او التحليل لما هو قادم من الثقافات الاخرى المواجهة او المقابلة إلى مستوى الاصدار والترويج الثقافي الحر. الثقافة الايديولوجية والحزبية هي المسيطرة على الواقع الثقافي في البحرين. لابد ان تكون عضوا في أيديولوجيا محددة حتى تنتمي إلى احدى دور الثقافة في البحرين التي تخدم مصالحها الايديولوجية اكثر من اهتماها بالثقافة بما هي اساس للتنمية البشرية ورقي الانسان وتطوره، ولابد ان يكون اشتغالك الثقافي معروفا او مستعملا لدى قادة الرأي والثقافة في البلاد حتى تستطيع ان تحصل على أي دعم من شأنه النهوض بك شخصيا وبالموضوع الذي انت بصدد بحثه. الكثير من العوائق تواجه الثقافة في البحرين وعلى الكثير من الاصعدة.

كما لنا ان نتساءل... كم تخصص الحكومة من موازنتها العامة في سبيل دعم الثقافة وترويجها او حتى في مجال دعم البحث العلمي الذي يعتبر ركيزة في العصر الحالي؟ كم نتوق للتثاقف في ساحة للحرية والبحث؟ ما ان ينتهي احدنا من عمله حتى يذهب إلى ذلك المركز الثقافي الحر ليعمل ويبحث ويعزز قراءاته بما هو متوافر من كتب ومراجع علمية متطورة وبما تفيض عليه شاشة الانترنت من احدث الموضوعات البحثية التي تطرح في منتديات الفكر والثقافة عموما، لا هوية لهذا المركز إذ يلتقي الايديولوجي جنبا إلى جنب مع الحداثي الرافض للايديولوجية الثقافية، اذ يجتمع صاحب الفكر القومي مع الاسلامي في ساحة البحث والحوار وعلى مدار العام، إذ تكون الثقافة والمعرفة بابا يدخله الجميع ويلقون كل دعم وتشجيع، تلك وزارة الثقافة التي نحلم بها. انها اشبه بالحلم الجميل الذي ينتظره كل مبدع. هناك الكثير من الصور المحزنة فعلا، المسرح التجريبي في البحرين ذلك المسرح الرائد في هذا المجال برجالاته الذين يعملون باقل الامكانات.

وبلغت انتاجاتهم وروائعهم الثقافية الاقطار العربية كافة بما شمل مهرجان قرطاج في تونس الذي يعتبر تظاهرة ثقافية ضخمة، لا يشارك فيها أيا كان ان لم يكن انتاجه محط احترام وتقدير شهد لهم بمكانتهم، هؤلاء لا يجدون هنا من يرعاهم او يتبناهم، بمعنى اما ان تكون انتاجاتهم تابعة لايديولوجيا سياسية فيلتحقون باحدى الدور الثقافية الأيديولوجية واما عليهم تحمل الأعباء كافة، ألا يسهم هؤلاء في الحركة الثقافية في البحرين؟ الا يستحقون الدعم الحكومي لترقى منتجاتهم العالمية بجودتها اذا ما اكتملت بالدعم الحكومي الوافي، الكتابة السياسية الساخرة. من يكتب في هذا الفن، أكاد أجزم ألا وجود لهذا الفن في صحافتنا، ما هي الا محاولات يائسة لا استمرارية لها، من هو المسئول عن تطوير هذا الفن الكتابي وأكدمته. اما المسرح الميت واعني المسرح البحريني الكلاسيكي فهو بحاجة لاعادة هيكله من اساسه، لن تكون الجهود الفردية او التي تقوم بها بعض المؤسسات الصغيرة قادرة على النهوض به مرة اخرى، فالدعم الحكومي المباشر ضروري، ولن يكون اي جهاز غير متخصص قادرا على ذلك وهنا تبرز اهمية ايجاد وزارة متكاملة تعمل على رعايته جنبا إلى جنب مع باقي الانشطة الثقافية بشتى صورها.

لابد ان تعي الحكومة ان قطاع الثقافة هو بأهمية قطاع النفط والتصنيع والكهرباء، فمثلما تهتم بايصال الكهرباء إلى كل منزل. فلا بد أن تكون مهمتها ان تصل بالثقافة والمعرفة إلى كل منزل. هي مسئولية وطنية في الدرجة الاولى. لم تعد المعلوماتية والمعرفة والثقافة شأنا فرديا يسعى اليه ويكتسبه كل فرد برغبته الشخصية، ان عصر الحداثة والتسارع غير المعادلة تماما، فتبدلت حياة المجتمعات... لم تعد الفروق الفردية ملاحظة كما هي في السابق، المسألة حضارية مهمة والتطرق لها وتحليلها هو في غاية الاهمية.

اركز على اهمية الثقافة التي هي المحرك الحقيقي للامة ايا كانت هذه الامة، الثقافات وما تبثه الصور الثقافية عموما هو محور الانطلاق لتحركات الشعوب عموما، ان ردة الفعل الاجتماعية ايا كانت وفي اي مجتمع ما هي الا صورة من صور الثقافة الحية، فهل تعي القيادة السياسية ما لهذا الكلام من مغزى.

لابد من التحقيق في هذا الموضوع، ولابد للمثقفين والمبدعين من ان يعبروا عن تشجيع هذه الفكرة التي لست أول من طرحها فالكثير من الكتاب والمهتمين تناولوها وان اختلفت طرق الطرح واهدافها. لا ننكر ما تقوم به بعض المراكز الثقافية من دور مهم وارتباطها بالاجهزة الحكومية، لكننا ونحن نعيش في عصر التخصص لا نملك سوى الاقتناع بضرورة ايجاد هذه الوزارة

إقرأ أيضا لـ "عادل مرزوق"

العدد 296 - السبت 28 يونيو 2003م الموافق 27 ربيع الثاني 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً