العدد 301 - الخميس 03 يوليو 2003م الموافق 03 جمادى الأولى 1424هـ

اكتشاف أقدم جماجم إنسانية في إثيوبيا

تستطيع قليل من الاشياء النمو في التربة الرملية الجافة لاقليم عواش الأوسط في اثيوبيا. ومع ذلك، بالنسبة إلى تيم وايت Tim White بدأت الأرض مرة أخرى تنتج مجموعة غنية من الاكتشافات التي يمكن ان تفسر أكثر الأصول المعقدة للإنسانية.

فقد كشف أحد أشهر علماء الانثروبولوجيا في العالم البروفيسور وايت، أخيرا النقاب عن ثمار بحثه الأخير - ثلاث جماجم بدائية نسبيا تنتمي الى الأعضاء القدماء لجنسنا البشري، هومو سابينز Homo Sapiens.

عاش الأفراد الثلاثة - اثنان كبار وطفل - منذ ما يقارب 160 ألف عام ماضي، ما يجعل جماجمهم أقدم بنحو 600 ألف عام من الأحافير القديمة السابقة للإنسان «الحديث» تشريحيا.

وقال وايت - من جامعة كاليفورنيا بيركلي - إن هؤلاء الاشخاص ينتمون على الارجح إلى مجموعة البشر القدماء الذين ينحدر منهم كل انسان حي اليوم. وأضاف «مع وجود هذه الجماجم الجديدة نستطيع مشاهدة الهيئة التي كان عليها اسلافنا المباشرين». وقد نشرت دراسة وايت هذه في مجلة الطبيعة الأميركية.

ويعتبر تاريخ هذه المتحجرات مهما ايضا لأنه ينسجم بالضبط مع العصر الذي يفترض ان هومو سابينز تشعب من نسله السلفي كما يسحب من التحليل الجيني للحامض النووي للانسان.

وقال وايت «نحن نعتقد ان المتحجرات الوسطى بين الانسان القديم والانسان الحديث، ما بين 100000 و300000 سنة ماضية، وهذا ما توفره لنا هذه الجماجم»، واستطرد قائلا «الآن ينسجم السجل الأحفوري مع الشاهد الجزيئي».

وقد جاب وايت وفريقه الدولي من العلماء لعقود عدة اقليم عواش الاوسط بحثا عن متحجرات ومصنوعات يدوية يمكن ان تلقي ضوءا على تطور الانسان الأول.

وكانت استراتيجيتهم تقوم على مسح المواقع الغنية بالأحافير في فترات زمنية منتظمة، وفحص كل حجر وحصاة في حال ظهور جزء من عظم، سن، أو أداة حجرية من الأرض اثناء تآكل التربة.

في يوم من أيام شهر نوفمبر/تشرين الثاني 1997، كان العلماء في مسح مماثل لوادي مقفر جاف يحاذي نهر عواش الأوسط بالقرب من قرية هيرتو في اثيوبيا عندما حدد وايت بعض الأدوات الحجرية وجمجمة متحجرة لفرس نهر مقتول. بعد احد عشر يوما من ذلك، رجع وايت بفريق مجهز جيدا لحفر الموقع بدقة أكثر. خارج بقعة الأرض نفسها التي تعرت أكثر الآن بواسطة أمطار ثقيلة، ظهرت جماجم الكبار مكتملة أكثر.

جميع الجماجم الثلاث محشورة بين طبقتين صخريتين، يمكن ان تؤرخ بالضبط الى حوالي 160000 ق.م ويجعل عصر هذه العظام وحالتها المحافظة الجديرة بالملاحظة الاكتشاف غير مسبوق على الاطلاق.

وقال رئيس شعبة أصول الانسان في متحف التاريخ الطبيعي في لندن ومؤيد بارز لفكرة «أصول الانسان خارج افريقيا» كريس سترينغر: «إنه اكتشاف عظيم، يمكن ان يكون هؤلاء هم اسلافنا الأوائل، فالجماجم تقع في التاريخ الصحيح والمكان الملائم وتعتبر دليلا قويا ان هومو سابينز نشأ في افريقيا». وقال عضو فريق وايت كلارك هاويل «تعتبر مجموعة هذه المتحجرات مذهلة. هذا بحق اكتشاف علمي تطوري». وأضاف هاويل «المميزة التشريحية الرئيسية للجماجم هي تماثلها مع جماجم الانسان الحديث والفرق الجلي من الانواع الاخرى الشبيهة بالانسان (هومينيدات) مثل الانسان النياندرتالي (منسوب لوادي النياندرتال قرب دوسيلدورف بألمانيا اذ وجدت بقايا انسان قديم).

وأضاف هاويل «جماجم هيرتو هذه المؤرخة جيدا والمتميزة تشريحيا تختلف عن الانسان النياندرتالي بجلاء، اذ تظهر ان الانسان القريب تطور في افريقيا منذ فترة طويلة قبل ان يختفي النياندرتاليون الأوروبيون. لذلك توضح المتحجرات على نحو قاطع انه ليس هناك فترة نياندرتالية في تطور الانسان».

ويناقش العلماء الانروبولوجيون منذ عقود ما اذا كان النياندرتاليون هم اسلاف مباشرون للانسان الحديث، او ما اذا كانوا ابناء عموم بعيدين انقرض نسلهم منذ أكثر من 30000 سنة ماضية.

وقال برهان أسفاو من قسم بحوث وادي الاخدود في اديس ابابا وعضو آخر في فريق وايت ان جماجم هيرتو الثلاث أجابت أخيرا عن المسألة. «تظهر هذه الجماجم المتحجرة من هيرتو ان الانسان الحديث عاش حوالي 160 ألف عام ماضي بجميع ميزات هومو سابينز. وأضاف اسفاو: «لقد تم فحص فرضية (أصول الانسان خارج افريقيا) الآن ونستطيع القول - على نحو حاسم - انه ليس للنياندرتاليين صلة بالإنسان الحديث. لقد انقرض نسبهم».

على رغم الجماجم الثلاث تظهر شبها صريحا بالانسان الحديث تشريحيا، فهي تمتلك ايضا آثارا في خلفية الجمجمة تشترك مع «انسان روديسيا» الذي عاش حوالي 500000 سنة ماضية. وبسبب هذا، وضع الباحثون المتحجرات في فئة تصنيف نويعي منفصل اطلق عليها هومو سابينز الاقدم.

وتوحي جمجمة الطفل انه مات في سن السادسة او السابعة وتوحي علامات قطع دقيقة على العظم انه اخضع لطقوس دفنية مثل نزع البشرة، ويدل وجود سطوح ملمعة بوضوح على الجمجمة انها مست مرارا بعد الموت. وقال وايت ان سكان هيرتو آنذاك كانو يمارسون على الارجح طقوس مآتم معقدة، ربما تتطلب الاحتفاظ وعبادة جماجم المقربين. وأشار وايت إلى ان «عدم اكتشاف عظام انسان آخر في الموقع يوحي بان الجماجم أخذت ونقلت حول المكان. ربما قاموا بقطع العضلات وكسر قواعد الجمجمة لبعض الجماجم لاستخلاص المخ. ولكن لماذا؟، هل كان ذلك جزءا من طقوس أكل لحم البشر، ليس لدينا إلمام بذلك». لا تطابق علامات قطع نزع البشرة على الجماجم البشرية لنوع علامات الذبح العميقة على عظام فرس النهر، والتي يبدو ان اولئك البشر يرغبون فيها، اما بواسطة صيدها او البحث عن جثثها. وأضاف وايت «هؤلاء بشر يستخدمون تكنولوجيا حجرية معقدة، يستخدمون فؤوسا يدوية مكسرة وأدوات حجرية أخرى، انهم يقطعون جثث حيوانات كبيرة مثل أفراس نهر وجاموس وبلاشك يعرفون كيف يستغلون النباتات».

(خدمة الاندبندنت - خاص بـ« الوسط»

العدد 301 - الخميس 03 يوليو 2003م الموافق 03 جمادى الأولى 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً