العدد 302 - الجمعة 04 يوليو 2003م الموافق 04 جمادى الأولى 1424هـ

«سايدوايندر» بعد «الإسبرطي» تفعل المقاومة العراقية

عصام فاهم العامري comments [at] alwasatnews.com

.

بالتدريج، بدأت القناعة غير المعلنة، تتسلل الى الأميركيين بأن ترحيب بعض العراقيين بالاحتلال الذي خلصهم من النظام السابق، تلاشى بعد أسبوعين فقط، ثم تحول الى عداء راح معه العراقيون يوجهون الضربات الى الجنود الأميركيين الذين ارتكبوا أخطاء فادحة خلال تعاملهم مع شعب يحمل ثقافة يجهلونها. وبدأت ما تسميها القوات الاميركية «شبكات» مرتبطة بنظام الرئيس المخلوع صدام حسين، بشن حرب عصابات على أمل اخراج القوات الاميركية من البلاد تكبد خلالها الجيش الأميركي بحسب المصادر الأميركية اكثر من 55 قتيلا. وباتت تتعرض القوات الأميركية في العراق لهجوم شبه يومي في الاسابيع الاخيرة براجمات صواريخ وقنابل يدوية وبنادق آلية.

وبدل الاعتراف بالخطأ ومحاولة معالجة الامور، جاء الرد الاميركي على هذه المحاولات قويا؛ فالآلاف من الجنود الذين كان مقررا ان يتركوا العراق تم زجهم في عمليات اجتياح منظمة فيما بات يعرف بمنطقة «المثلث السني» (شمال وغرب بغداد) من اجل اجتثاث المقاومة المتصاعدة فيها. فتواصلت عمليات الجيش الأميركي من ضربة شبه الجزيرة الى عملية العقرب الإسبرطي التي بُدئ بتنفيذها في 15 يونيو/ حزيران وصولا الى العملية المسماة سايدوايندر (الأفعى ذات الجرس) التي تمت المباشرة بها 29 يونيو، والتي اعتقلت خلالها القوات الأميركية في العراق وفي يوم واحد فقط ما لا يقل عن 60 شخصا. كما صادر الجنود الأميركيون الكثير من الأسلحة والوثائق خلال أكثر من 20 غارة منفصلة استهدفت الكثير من القادة العسكريين العراقيين السابقين وأنصار حزب البعث المنحل. وشاركت في الغارات الأميركية الأخيرة طائرات حربية ومدرعات وعناصر من المشاة في المنطقة الواقعة شمالي العاصمة بغداد على ضفاف نهر دجلة. بينما اعتقلت قوات من الفرقة الاولى المدرعة الأميركية 148 في بغداد وحدها في اطار عملية عقرب الصحراء. وفي إطار عملية الافعى ذات الاجراس اعتقل في بغداد 32 شخصا وصودرت اسلحة بينها 10 بنادق آلية من طراز (ايه كيه 47) ومدفع هاون.

غير ان هذه العمليات المتواصلة من جانب الجيش الأميركي بدت وكأنها تستحث المقاومة على شن المزيد من الهجمات، فبعد شهر على تواصل الاجتياحات الأميركية بدأ يتبين ان المشكلة تزداد سوءا بالنسبة إلى القوات الاميركية. فخلال الاسبوع الاخير من الشهر الماضي ارتفع معدل الهجمات التي تتعرض لها القوات الأميركية الى 12 هجوما في اليوم، كما اتخذت الكمائن التي ينصبها العراقيون منحى متناميا من حيث الفعالية والحجم.

وبدأت القوات الاميركية تدرك انها امام مقاومة لا تنحصر في بقايا الموالين للنظام السابق، وانما تتسع لتشمل جماعات راحت تعلن عن نفسها عبر بيانات تتبنى الهجمات التي يتعرض لها الجنود الاميركيون. اذ صدرت بيانات عن جماعات اسلامية تتبنى عمليات ضد القوات الاميركية. ويبدو ان الفظائع التي يرتكبها الجنود الأميركيون في اطار هذه الاجتياحات والعشوائية في الاعتقالات واطلاق النيران باتت بدورها تحفز المزيد من الناس على حمل السلاح ضد القوات المحتلة. ولكن القوات الأميركية رفضت الاعتراف بهذا النسق من تطور المقاومة، وما تزال تصر على ان من يقاومونها ليسوا العراقيين الذين تصر على انهم رحبوا بقواتها لدى دخولها الى بلادهم، وانما «فلول» النظام المخلوع او متطوعين قدموا من دول آخر. ويقول الحاكم الأميركي في العراق بول بريمر: «إن هذه الهجمات يشنها أنصار حزب البعث السابق في العراق الذي كان يتزعمه صدام حسين». لكنه اكد انه «لم تتوافر لديه بعد معلومات تؤكد ان مصدرا واحدا يأمر بشن هذه الهجمات»، واضاف «لا نستطيع استبعاد هذا الامكان، لكن يبدو حتى الآن انها عمليات ينفذها بشكل منفصل مؤيدون لصدام حسين. ولم نرَ بعد أي دليل يؤكد وجود قيادة مركزية» لهذه العمليات. وتعليقا على عمليات المقاومة المستمرة، ذهب وزير الخارجية الاميركي كولن باول الى المنحى نفسه عندما اعتبر الهجمات ضد القوات الاميركية في العراق غير منسقة، وان عناصر من نظام صدام حسين السابق و«مجرمين» يقفون وراءها. غير ان القومندان ريك هال من الكتيبة الاولى في الفيلق السابع التابع لفرقة المارينز الاولى المتمركزة في النجف يرى غير ما يراه رؤسائه، ويقول: «كان بودي القول ان الأمور على مايرام في النجف بفضل جهودنا غير ان ذلك ليس صحيحا. واذا كانت المدينة هادئة فذلك بفضل آية الله السيستاني». واعتبر القومندان هال ان الجيش الاميركي وقع في مشكلة في غرب بغداد، واضاف «للاسف الامر بدأ بمواجهة وردت قواتنا الفعل بالانغلاق في حين انه كان من الاجدى الحضور بين الناس والتحدث اليهم».

وما لم يقال بات معلوما وواضحا ان المقاومة آخذة نحو المزيد من التنظيم والاتساع. فالتنظيم جلي في الهجمات التي شنت على أنابيب النفط وفي محاولات الاغتيال الأربع التي تعرض لها بريمر، وكذلك عملية اطلاق النار على موكب دونالد رامسفيلد خلال تنقله من مطار بغداد الدولي الى قصر الفارس اثناء زيارته السريعة لبغداد في مايو/ ايار الماضي، وكذلك في استهداف مطارات بغداد وتكريت والموصل باطلاق النار على الطائرات الأميركية اثناء هبوطها واقلاعها آخرها استخدام صاروخ من طراز سام - 7 يوم 13 يونيو الماضي في محاولة لاسقاط طائرة نقل اميركية كانت تهبط في مطار بغداد الدولي، ما حدا بالقوات الأميركية الى تطويق منطقة قرية المكاسب وتفتيشها بدقة بحثا عن الفاعلين، وكان الصاروح قد انفجر عند ذيل الطائرة. واسقاط سرايا المقاومة في منطقة راوة طائرة من طراز إف 16 باستخدام صاروخ سام - 7 المحمول على الكتف. أما فيما يتعلق بالاتساع فقد سجلت نحو 60 عملية استهدفت القوات الأميركية خلال شهر يونيو الماضي، فيما بلغت مثل هذه العمليات خلال شهر مايو الماضي نحو 25 عملية.

ويتوقع الكثير من المراقبين ان العمليات يمكن ان تتصاعد خلال الاسابيع المقبلة وخصوصا بعد فتوى المرجع الشيعي الاعلى آية الله العظمى السيدعلي الحسيني السيستاني التي حرّم فيها القبول بأي دستور عراقي تتولى سلطات الاحتلال الأميركية الإشراف على إعداده. ودعا الشعب العراقي الى المطالبة بأن يتم انتخاب «الهيئة العراقية» التي تتولى إعداد الدستور والتصويت عليه. الامر الذي يضع العصي امام خطط بريمر لتعيين مجلس دستوري للاعداد لوضع دستور جديد للبلاد يمهد لانتخابات عامة، وآخر سياسي استشاري كبديل للحكومة الانتقالية، ومعنى مضيّ بريمر في هذا الاتجاه هو تحول معظم الشيعة الى مناوئين لهذه الخطط. الامر الذي قد ينعكس نحو المزيد من العنف والعنف المضاد، لاسيما اذا توصل الناس الى قناعة بأن المقاومة السياسية لا تجدي نفعا في مواجهة التدابير الأميركية بهذا الشأن. وفضلا عن ذلك فإن النجاح الذي يحققه المقاومون وتعاظم الثقة بالنفس من المؤكد ان تؤدي الى شن المزيد من عمليات المقاومة

العدد 302 - الجمعة 04 يوليو 2003م الموافق 04 جمادى الأولى 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً