العدد 303 - السبت 05 يوليو 2003م الموافق 05 جمادى الأولى 1424هـ

مصير صدام حسين في الصحافة العربية يثير شفقة الإعلام العربي

قراءات في الصورة الإعلامية المعاصرة لما بعد الحرب على العراق

حسين دعسه comments [at] alwasatnews.com

على رغم بث شريط فيديو لخطاب قيل انه لصدام حسين فان هناك مقالات نشرت تثير الشفقة، تسعى الى البحث عن مصير صدام حسين بعد انهيار العراق... وقراءة مثل هذه الكتابات... يجلي الصورة الاعلامية المعاصرة في عصر العولمة والقطب الواحد... وخصوصا لما بعد الحرب على العراق فتقول ايلين باري من صحيفة «بوسطن غلوب» بطريقة ساخرة:

فيما يتعلق بأنباء بغداد فإنه لم يتغير أي شيء، فصدام حسين مازال في بيلاروسيا أو هاواي او في بيت آمن تملكه الـ «سي اي ايه» أو الـ «كي جي بي» أو ربما يكون ميتا منذ العام 1998 وحل محله شخص شبيه به.

وتضيف باري : تدور في بغداد نكتة تقول: ان صدام حسين كان يرتدي ملابس امرأة وعباءة بحجمه، ويقترب من امرأة عجوز اخرى ليشحد منها سجائر، فقالت المرأة الثانية: امرك سيدي، وكانت المرأة الثانية هي نائب الرئيس صدام. كثير من الاميركيين يترقبون بفارغ الصبر نتائج فحوص المادة الوراثية (دي ان ايه) من جثث الذين قتلوا قبل اسبوع عندما هاجمت القوات الاميركية قافلة عراقية قرب الحدود السورية لكن القصة بالكاد احدثت فقاعة بين سكان هذه العاصمة القائظة.

قال جمال السامرائي، (40 سنة)، من حي صدامية الكرخ التي انشأها صدام للموالين المخلصين له: ان الاميركيين حاذقون في صنع الافلام وانا لن اصدق ان صدام حسين حتى لو دفنته بيدي قد مات وحتى عندئذ فإن شبحه سيظل بيننا. الاشاعات ليست جديدة في بغداد، إذ تنشر الصحف مقالات بشكل منتظم مع صور على الصفحات الاولى ليهود ارثوذكس ذوي لحى بيضاء، عن مؤامرة صهيونية لشراء افضل العقارات في المدينة لكن بالنسبة إلى صدام حسين فإن فجوة الصدقية يمكن ان تضر بالجهود الاميركية الرامية الى اعادة بناء البلاد.

هنالك اعتقاد شائع بأن صدام عقد صفقة مع الـ «سي اي ايه»، وهو محتجز لدى الاميركيين بسلام. وقالت شاعرة فرح، 52 سنة، التي كانت تأكل البوظة في حي المنصور الضخم انها تعرف عراقيين يعتقدون ان كل ما جرى نوع من اللعبة رتبها الاميركيون وصدام.

وقالت: حتى اننا نعتقد انه لم تقع اي حرب، واضافت: ان من الصعب على ابناء جيلها ان يعتبروا صدام انسانا عاديا. وقالت: لا نعتقد انه سيموت كأي شخص عادي، وحتى لو رأينا ذلك فإننا لا نصدق... اعتقد انه يعيش سعيدا في هاواي. في محل للملابس الرجالية قال زياد ابراهيم، 72، وقد ومضت عينه، انه يتخيل صدام حسين يسير بحرية بين الناس. وقال زياد: انه رجل جريء جدا وذكي جدا وهو ذو عقلية عسكرية.

هنالك اعتقاد شائع آخر تغذيه مذكرات احد بدلاء صدام التي نشرت حديثا، بأن الرئيس مات منذ عدة سنوات وانه استبدل بأحد اشباهه. يخرج العراقيون من عقود كانت كل المعلومات تستخدم فيها كآلية للسيطرة وفي ضوء المصادر الاخبارية الرسمية التي كان ابن صدام يديرها بشكل محكم، كانت المخابرات او الشرطة السرية، تراقب وتبث النكات والاشاعات باستخدام عملاء من طابورها الخامس، لكن العراقيين الذين كثرت لديهم المصادر الاعلامية يقولون ان التلفزيون الاميركي المتوافر على الفضائيات والصحف العراقية غير موثوق، مع ان الفضائيات العربية مثل «الجزيرة» و«العربية» موثوقة اكثر.

وتقول باري مرة اخرى ان عدة عراقيين اكدوا ان الطريق الوحيدة لاقناعهم بأن صدام ميت او محتجز تتمثل في بث حي لمقابلة معه او لاعدامه. وتساءلوا لماذا لم يتم عرض حمود، اكبر مساعدي صدام، والذي قبض عليه، وقالوا ان هذا جعلهم يشكون فيما يقوله الاميركيون. وذلك الموضوع، مثل جميع المواضيع في هذه الايام اعادهم الى اكبر شكوى: الكهرباء. وتعتبر الكاتبة مورين داوود من صحيفة «نيويورك تايمز» ان الكاتب عندما يريد العودة ببصره إلى الوراء تنتابه الحيرة فيما إذا كان رامي (رامسفيلد) وصدام يلعبان دور البطولة في فيلمين مختلفين جدا. إذ يقوم رامي ببطولة بانوراما حربية مثل (رمال أيوا جيما)، بينما يقوم صدام ببطولة فيلم على غرار (قراصنة المحيط)، تصاحبه موسيقى تصويرية من ضمنها الأغنية المفضلة لصدام حسين (غرباء في الليل) بصوت فرانك سيناترا.

فقبل يومين من بداية الحرب كان قصي وأزلامه مشغولين بنهب مليار دولار من المصرف المركزي العراقي. وعندما كانت القوات الأميركية تجتاح أراضي العراق، ولا تلقى سوى مقاومة اسمية من الفدائيين، ربما كان صدام مشغولا بتدمير الوثائق الدالة على تورطه في صناعة اسلحة الدمار الشامل وإقامة العلاقات مع الإرهابيين. وربما يكون قد أخفى أو دمر كل ما لديه في الوقت الذي كان فيه بوش يثرثر عن تدميره.

ربما كان صدام قد قرر ألا يهاجم اميركا بالأسلحة الجرثومية، بل قرر أن يشن ضدها حربا نفسية، تجردها وحلفاءها من صدقيتهم عن طريق سرقة مساحيقه للجمرة الخبيثة وإفراغ حاوياته من كل الاسلحة! وهل كان الطاغية يرسل اشباهه لمقابلة الناس، بينما يخطط هو في منتهى الهدوء لهروبه الكبير؟ أم أنه أمر أتباعه المقربين بنقل المعلومات المضللة إلى «سي آي إيه» عن مكان اختفاء الآس الاسود، حتى تقوم بتدمير الأماكن الخطأ؟

كان صدام يعرف الصعوبات التي ستواجه الولايات المتحدة الأميركية في الاعتماد على التفاهم والثقة في جزء من العالم لا تفهمه ولا يثق بها. وقد توافرت له 12 سنة كاملة، بين بوش الاب وبوش الابن، ليضع خططه الخادعة. وقد قال أكبر مساعديه إنه هرب مع ولديه عدي وقصي، إلى الحدود السورية، بعد الحرب، وان ثلاثتهم ردوا على أعقابهم، وأن صدام مازال مختفيا داخل العراق. ربما كان صدام واقفا على الرصيف، يضحك ملء شدقيه، بينما يقوم فدائيوه بقتل مزيد من الجنود الأميركيين الى ان تشعر أميركا الجبارة بالدوار والغثيان. وربما يستطيع تأليب وتعبئة كل العراقيين، وإشعال الثورة العراقية في ظل هذه الظروف المضطربة، ويتمكن بالتالي من طرد المحتلين الذين جاؤوا إلى بلاده من دون أن تكون لديهم خطة لاحتلالها.

أما إذا احتفظ صدام بطبيب تجميل معه، فربما يتمكن من الظهور كشخصية جديدة، كمترشح واسع الشعبية في أول انتخابات ديمقراطية يجريها بريمر في العراق! وليس ذلك ببعيد فحزبه نفسه يسمى (البعث) وهو الظهور من جديد بعد أن تعد في الأموات! من المضحك أن «البوشيين» لم يتعرفوا على فيلم النهب والقرصنة الذي يدور أمام أعينهم، وخصوصا أنهم مارسوا القرصنة عندما كسروا خزانة السياسة الخارجية الأميركية وسرقوا جبالا من المقاومة للضربات الاستباقية والهجمات المنفردة.

ظهر الصقور بسقوط صدام، ثم رجعوا إلى الوراء. وكما أوردت مجلة «نيو ريبوبلك» في موضوع غلافها بعنوان «الخداع والديمقراطية»، فإن نائب الرئيس ديك تشيني قام بعدة زيارات في صيف العام 2002، إلى رئاسة «سي آي إيه» بلانغلي، في محاولة واضحة للتأثير على الخبراء في المراتب الدنيا، في كيفية تفسيرهم للمعلومات الاستخبارية الطازجة. قال موظف سابق بـ «سي آي إيه»: مثل هذه الزيارات يمكن أن تعرض الناس للابتزاز والمضايقة. من المفروض أن يكون هذا المبنى (برجا من العاج). وهذه الأعمال تضع على عاتق هؤلاء العاملين أعباء ثقيلة جدا. وهذا صحيح. فمن المخيف جدا أن تحس أنفاس ديك تشيني الحارة تتخلل ملفاتك قبل تحليلها.

وفي افتتاحية صحيفة «وول ستريت جورنال» مفارقة اعلامية قاسية فقد كان يوم 24 يونيو/ حزيران الذي نشرت فيه الافتتاحية مؤشرا على ما في العراق من تحديات بشأن مصير صدام... ومع ذلك تقول الـ «وول ستريت»: احدى مفارقات الانتصار في العراق تتمثل في ان العراقيين يتمتعون الآن بحريات اكثر من بقية العالم العربي الذي ساند التحرير الاميركي، وهذه الدول تشمل الكويت، التي انطلقت منها القوات الاميركية، إذ تم اعتقال الصحافي داعية الاصلاح السياسي محمد جاسم الاسبوع الماضي بتهمة انتقاد افراد الأسرة الأميرية الكويتية.

منظمة فريدم هاوس (دار الحرية) لمراقبة حقوق الانسان قيّمت الكويت في العام الماضي على انها حرة جزئيا فقط، ومع ان الدستور ينص، اسميا، على حرية الصحافة فإن الصحافة مقيدة بشدة بقانون النشر والمطبوعات، فهذا القانون - الذي ينص على عقوبة سجن تصل الى خمس سنوات - يحظر انتقاد الامير أو العائلة الحاكمة.

كل هذا يتناقض مع الوضع في العراق، إذ تزدهر الصحافة حاليا، إذ ان مارك غوردون جيمس - وهو صحافي اصدر صحيفة ناطقة بالانجليزية في بغداد - يخبرنا عن حوالي 100 صحيفة جديدة انطلقت في العراق. وهو يقول ان الناس في حال نشوة لاننا موجودون، وان المواطنين العراقيين العاديين يقدمون كثيرا من الدعم، وهو يصف العراق بانه «البلد الحر في الوقت الحاضر» ومع ان بعض تلك الصحف تسيء استخدام حريتها في التحريض على العنف، فإن هذه الانتهاكات يمكن احتواؤها. ان أحد الأسباب وراء قلق المتسلطين العرب من تحرير العراق، هو القوة التي يمكن ان يشكلها مثال العراقيين الاحرار على حكمهم... وربما على عودة «سندباديه» لصدام حسين ومصيره

العدد 303 - السبت 05 يوليو 2003م الموافق 05 جمادى الأولى 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً