العدد 307 - الأربعاء 09 يوليو 2003م الموافق 09 جمادى الأولى 1424هـ

احذري المبالغة في المديح

منيرة العليوات comments [at] alwasatnews.com

تخطئ بعض الأمهات وحتى الآباء في اعتقادهم أن الوسيلة المثلى لجعل الأبناء يتجاوبون مع ما يفرض عليهم من أنظمة حياتية وتصرفات وسلوكيات هو مدحهم باستمرار والثناء عليهم... وهم بهذا يخلطون بين المبالغة في امتداح صفاتهم الشخصية وبين التوبيخ الفوري لأي عمل يقوم به الأبناء. إن الثناء ـ أيها الآباء والأمهات ـ قد يفسد الأبناء إذ انهم في قرارة أنفسهم يعلمون أنهم لا يستحقون هذا الثناء، وينظرون نظرات تتهمكم بعدم الذكاء بدرجة كافية وإلا ما فرطتم في مديحكم إلى درجة جعلتهم مقيدين أمامكم حتى لا يفقدون هذه الدرجة العالية في نظركم. إن عبارات المدح والثناء المبالغ فيها تشبه إلى حد كبير جرعة الدواء إذا زادت عن حدها قتلت، وإذا لم يتقيد المريض بدقة بتعليمات الدواء وتوقيته ومحظوراته أضر بصحته وقد يهلكه، كذلك امتداح الطفل يجب أن يكون منصبا على إنجازاته المفيدة وليس لصفاته الشخصية. إنكم بهذا تقدمون إليه جرعة قاتلة من الغرور والاندفاع والتباهي وتحولونه إلى طاووس مختال غير مكترث بمن حوله... وخصوصا الفتاة إذ نلاحظ أن معظم الأمهات ما ان تشب فتاتها وتبدأ في الاهتمام بجمالها ومظهرها، حتى تتحول الأم إلى عاشقة مبهورة بجمال ابنتها، وهنا يلتبس عليها الحب فتصف ابنتها بأنها رائعة الجمال، فاتنة القوام، وملائكية الحديث، عذبة الحوار، لا مثيل لها بين قريناتها، ووو... إلخ. جرعات كبيرة من السم القاتل.

إن هذه العبارات والألفاظ تجعلها قلقة باستمرار، دائمة النظر إلى نفسها، منصرفة عن أمور الحياة الأخرى، تنظر باستعلاء إلى الأخريات، تعتقد أن أي شخص تصادفه غبي وأعمى إن لم يمتدح جمالها وفتنتها، وهنا بداية الضياع والتخبط.

كذلك الأولاد، إذا كان مدحهم منصبا على أشكالهم وحركاتهم وتصرفاتهم، في الوقت الذي يثقون بأنهم غير جديرين بكل هذا الثناء ولا يمكنهم الارتفاع إلى هذا المستوى الذي يعتقده الآباء فيتحول الابن إلى (بالونة) مليئة بالهواء خفيفة الوزن لا تثبت على الأرض بعد أن انهالت عليه صفات المدح والثناء من والديه أو أحدهما. إن المديح المباشر أشبه بضوء الشمس القوي الساطع، يزعج العينين وقد يسبب العمى، ولكن أين أنتم من إنجازات الأبناء في أعمالهم المفيدة المثمرة من تمسكهم بالقيم والسلوكيات ولبقاتهم وحسن تصرفهم مع الآخرين... نعم يمتدح الأبناء ـ وكما قلت ـ بجرعات خفيفة وغير مباشرة إذا قاموا بواجبهم تجاه والديهم وأسرتهم ودراستهم وذويهم... نمتدح الأعمال المفيدة المنتجة التي يؤدونها، أما الصفات الشخصية فإن امتداحها يفسد، وقد يقود إلى المهالك، وقد تفاجأ الأمهات أو الآباء بعد عملية الثناء بقليل بعمل مخلٍّ خاطئ يفسد ما قدموه من عبارات وكلمات رائعة.

تصرف عكسي ناتج عن ردة فعله وشعوره بالزهو الافتخار فيسيء التصرف مع إنسان فاضل كبير الشأن مثلا فيحدثه بوقاحة امتدحها والده ذات يوم على أنها صراحة... كما يفعل بعض الآباء غالبا، عندما يقدم الأبناء على تصرف كهذا فإنهم بدلا من كلمة توبيخ تجعل الابن يتوقف عن التمادي في إهانة الكبير، فإن الأب يصف تصرف ولده المشين بأن ابنه صريح لا ينافق. إنها وقاحة يا سيدي وتجاسر على الآخرين وليست صراحة... كذلك الفتاة عندما تقدم الأم واثقة على امتداح ما تراه من استهتار ابنتها وعدم احترامها للعادات والتقاليد وتصفها بأنها متحضرة ومثقفة ومتتبعة لخطوط الموضة، إنها تحب التجديد باستمرار، هراء يا سيدتي. إنك تخدعين نفسك وتضلين ابنتك بما تقولين، قد تبدين محرجة من تصرفها ومظهرها غير اللائقين فتنطلقين مادحة لها قبل أن ينطق غيرك منتقدا تصرفاتها.

أيها الآباء والأمهات، لا تفسدوا تربيتكم بأسلوب المدح المبالغ فيه فإنه يضر كثيرا ويدفع الأبناء إلى الاستهتار لأنهم يعلمون ما يفعلون ويعرفون أنهم لا يستحقون المدح والإطراء. أرشدوهم إلى طريق الصواب، ساعدوهم على تصحيح الأخطاء، انتقدوا ما يقدمون عليه من تصرفات غير لائقة مخلة بالآداب، ساعدوهم على تصحيح مساراتهم، وإياكم ووصف الوقاحة بالصراحة والاستهتار بالتطور... اتبعوا معهم لغة الحوار المهذبة، فإن الحوار مع الطفل هو شكل من أشكال التفاهم وقد يكون إضافة كبيرة للطفل الذي يستهدف بناءه لكي يمضي على الطريق إنسانا سويا واثقا مهذبا يستحق المدح والثناء بجدارة ومن دون كلماتكم وعباراتكم

العدد 307 - الأربعاء 09 يوليو 2003م الموافق 09 جمادى الأولى 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً