العدد 308 - الخميس 10 يوليو 2003م الموافق 10 جمادى الأولى 1424هـ

الصحافة ومحكمة الضمير

سيد ضياء الموسوي comments [at] alwasatnews.com

فعلا بدأت أقتنع بأن الصحافة مهنة المتاعب. فالكاتب أو الصحافي يجد نفسه يوميا أمام أزمات كثيرة... ملفات المواطنين الغلابة في ازدياد وكل شكوى هي ملف لمشكلة وفصل من فصول أزمة، وما نطرحه في الصحافة هو قليل مما يصل من شكاوى المواطنين، الكثير منها موثق، وعلى رغم أن الصحافة تعمل جاهدة على تخفيض حرارة الشكاوى من 90 في المئة إلى 30 في المئة كي تتحملها الوزارات والمسئولون فإن ما يحدث عكس ذلك، فكل وزارة أصبحت تشكو بأنها مظلومة في أدائها وتتهم الصحافة بالإثارة واختلاق المشكلات والرغبة الجامحة في النقد. كل ذلك لا يهم، المهم في كل الأمر أن يجد المواطنون آذانا صاغية من الصحافة لتوصل صوتهم إلى المسئولين. لكن الأزمة تكمن في تكدس الملفات وازديادها، فالصحافي أصبح اليوم يسبح بين أوراق الشكاوى والأحزان والأوجاع ولو تم نشر كل ما يصل لأغلقت جميع الصحف، وعلى رغم كل هذه المحاسبة واللغة المتوازنة من الكتّاب والصحافيين فإنهم في مواقع التخوين والاتهام. ولكن الإيمان بنظرية «من راقب الوزارات مات هما» يهوّن الخطب، فالجميع مؤمن ـ ونحن في عالم شرقي ـ أنك لن تجد في ظل هذه الهوامش الضيقة من الحرية من يخرج عليك من الوزراء في الصحافة أو الإعلام ليقول لك: «سامحني أنا أخطأت في القرار الفلاني والمشروع العلاني». فطوال كل هذا القرن اعتقد الوزير دائما بأنه يعمل «صح» وانه لا يأتيه الباطل لا من خلفه ولا من أمامه وأنه لا يصاب بالزكام إلا المرضى!

لذلك أعتقد بأن المخلصين في الصحافة ولهذه المهنة يدركون جيدا أن الصحافي الملتزم بالوطنية والقيم والضمير لا يمكن أن يتراجع عن الهموم الوطنية لأجل ضغط وزارة هنا أو هناك.

قد تلفق له التهم، قد يضع في خانات التخوين أو التكفير أو المؤامرة أو... من آلاف التهم الجاهزة والحاضرة والمعلبة على الرف في معظم دولنا، وسيخرج عليه كتّاب ومثقفون، ولكن الإيمان بعدالة القضايا يجعله يسير على الشوك في سبيل الوطن.

كثير من المفكرين تعرضوا لجرجرة المحاكم وألقي عليهم الحبر الأسود وسبوا وشتموا لكن يبقى في قلب كل مخلص أن هؤلاء دفعوا ضريبة العدالة وضريبة الجأر بالحق وضريبة الدفاع عن الفقير أو المواطن المسكين.

كم مضى على موت جاليليو، لكنه إلى الآن باقٍ... كم من محكمة تفتيش عقدت وكم مشنقة إعدام نصبت لآلاف المثقفين والمفكرين ولكن على رغم ذلك لم يمت الفكر ولم يتلاش الضمير ولم يسقط العظماء الذين دافعوا عن أوطانهم وعن مبادئ إنسانية رفعوا من خلالها مسحوقين إلى ناصية السماء.

ويبقى بين أعيننا الحسين (ع) وبقية الأحرار من العصرين القديم والحديث: ناجي العلي بريشته، عمر المختار بعزيمته، هادي نصرالله وآخرون، ويبقى الوطنيون يرددون: «مسكينة أيتها الحرية، كم من الجرائم ترتكب باسمك»

إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"

العدد 308 - الخميس 10 يوليو 2003م الموافق 10 جمادى الأولى 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً