كانت الساعة تشير الى 9,40 صباحا يوم 15 ابريل/ نيسان 1974 (يوم دفع الضرائب)، وكان العملاء متجهين الى «بنك هبيرنيا» في منطقة سن ست في مدينة سان فرانسيسكو. وفجأة دخل رجل اسود وأربع نساء بيض الى داخل المصرف وصرخوا جميعا قائلين: «انها عملية سطو»، «انبطحوا على الأرض على وجوهكم أيها الأوغاد»، وفي أقل من أربع دقائق قاموا بسرقة أكثر من عشرة آلاف دولار من المصرف وجرح اثنان من المشاهدين للحادث ثم الهرب في سيارة كانت بانتظارهم.
وعند اعادة عرض شريط الفيديو بعد الحادث اصيبت الشرطة بالدهشة. كان من بين افراد العصابة وجه امراة تبلغ التاسعة عشرة من العمر كانت قد اختفت منذ اكثر من شهرين: باتريشيا كامبل هيرست. لقد ظهرت في الصورة وهي تلوح ببندقية قصيرة وكان يبدو عليها الاثارة وكأنها عضو في هذه العصابة.
كان هذا الحادث من اغرب الحوادث في تلك الفترة ومازالت الحقيقة بشأنها مثار جدل.
ان باتي هي حفيدة الناشر الصحافي المشهور وليام راندولف هيرست. لقد قام رجلان اسودان وامرأة بيضاء بخطفها تحت تهديد السلاح من شقتها في بيركلين واخذوها اسيرة. وقد عرف الخاطفون انفسهم كأعضاء في جيش التحرير السمبيوني (SLA).
وبقي الحادث - الخطف السياسي لوريثه من عائلة بارزة - طي الكتمان لمدة 12 ساعة ثم بدأ يثير تغطية اعلامية مثيرة بشأن العالم، وعلى رغم الاضطرابات القديمة بين طلاب الجامعة فإن هذه الامرأة الشابة لم تكن ابدا ناشطة سياسية كما انها لم تتبن قضية عنف. إذا ما العلاقة التي كانت تربطها بتلك العصابة؟
واطلق القائد البارز لجيش التحرير السمبيوني دونالددي فريز على نفسه اسم المارشال سنك متيوم. لقد اراد - كما فعل سلفه تشالز مانسون من قبل - القيام «بثورة الفقراء» وعزم على ان يفعل ذلك باعلان الحرب على الاشخاص الاثرياء ذوي المراكز العالية.
وكان يريد من اتباعه اطاعته طاعة عمياء واحترام اوامره. وطبقا لما ترويه باتريشيا (باتي) فقد بقيت معصوبة العينين لمدة شهرين في حجرة صغيرة في مقر المجموعة ولم يسمح لها حتى باستخدام الحمام بخصوصية. وقد ادرك دي فريز ان النظر الى باتي كشخصية اجتماعية كسبت تعاطف الشعب قد يبرز قضيته، لذلك عمل على تحويلها الى ثائرة غاضبة.
ومن التقرير الذي قدمته باتي عند حالتها اثناء الحجز اعتمد فريز على الوسائل السيكولوجية المؤلمة الآتية:
أ - كانت منعزلة وتشعر بأن احدا لن يقوم بانقاذها.
ب - تم الاعتداء عليها جسديا وجنسيا من قبل عدة أعضاء من العصابة.
ج - اخبرت بأنها ستموت.
د - تم سرد اكاذيب لها عن كيف كانت العصابة مضطهدة من قبل المؤسسة.
هـ - اجبرت على تسجيل رسائل تهاجم فيها الاشخاص الذين تحبهم.
وفي مطلع ابريل/ نيسان اصبحت لها شخصية جديدة وساد الاعتقاد بانها كانت مستعدة لمصاحبة العصابة في هجومها الجريء المقبل.
واستجاب والد باتي راندولف هيرست الذي كان يحبها كثيرا، استجاب في البداية لمطالب SLA (التي تم تسجيلها وتوزيعها على رسائل الاعلام) وقام بتوزيع اغذية بملايين الدولارات على الفقراء ولكن هذه العملية اعطت نتائج عكسية. فقد استغلت مجموعات من المسلمين السود الفرصة وملئت خزائنها الخاصة بالنقود كما اختطف الآخرون الأغدية المجانية وقاموا ببيعها باسعار باهظة.
وطلبت SLA كذلك بنشر دعايتها وانصاع هيرست لهذا الطلب. قالت المجموعة انها قد قامت بعملية خطف وان باتي كانت في أمان تحت رعايتهم.
ثم اصرت المجموعة على توزيع المزيد من الاغذية وعند ذلك وضع هيرست شرطا وهو عودة باتي سالمة. ثم توقفت المفاوضات بشكل فجائي.
وعندما مرت اسابيع من دون العثور على باتي وعدم وجود مطالب اخرى للخاطفين خشى هيرست وزوجته من وقوع الاسوأ، وخلال فترة الانتظار تم نشر عدة تسجيلات بصوت باتي وبدأت محتويات هذه البيانات تميل الى تأييد برنامج SLA. واعتقدت عائلتها ان باتي كانت مرغمة على قول هذه الاشياء ولكنهم تسلموا صورة لها وهي تحمل بندقية قصيرة بين ذراعيها وتقف بجوار الكوبرا ذات الرؤوس السبعة التي كانت رمزا لـ (SLA). وكشف تسجيل على الشريط ان اسمها قد اصبح الآن «تانيا» على اسم خليله تشي جيفارا، الناشط الرئيسي الذي كان يعمل على نشر الاشتراكية في كوبا والارجنتين. لقد اوضحت باتي أنها قد انضمت الى القضية (ثورة الفقراء) ومع ان باتي تحدت ذات مرة والديها وعاشت مع رجل كان مدرسها فإنها لم تعبر قط عن مثل هذه المشاعر. لقد بدا الامر كله متضاربا.
وبعد فترة قصيرة من الصورة والشريط شارك باتي في حملة لجمع التبرعات في «بنك هبيرنيا» وعندما شاهد النائب العام شريط الفيديو كوّن رأيا بان باتي قد اصبحت شريكا تعمل برغبتها مع العصابة فأصدر امرا بالقبض عليها كشاهد رئيسي. ولكن استمرار اشتراكها مع العصابة غير من وضعها في نظر القانون الى شيء اكثر خطورة
العدد 309 - الجمعة 11 يوليو 2003م الموافق 11 جمادى الأولى 1424هـ