العدد 316 - الجمعة 18 يوليو 2003م الموافق 18 جمادى الأولى 1424هـ

الازدواجية في التعامل الرسمي بين القول والفعل

عبدالله جناحي comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

لقد نشر لي مقال في «الوسط» يوم الاربعاء الموافق 9 يوليو/تموز 2003م تحت عنوان «حق التشكيل النقابي في القطاع الحكومي بدولة الكويت... هل التاريخ يعيد نفسه في البحرين؟».

إذ اشتمل المقال على رأي عن قيام حكومة الكويت بتعديل مادة من قانون العمل تضمن السماح للعاملين من العمال والموظفين في القطاعين الحكومي والنفطي بدولة الكويت بتشكيل نقاباتهم العمالية، وذلك بعد ان كانت غير مسموح للعمال والموظفين في القطاع الحكومي بتشكيل النقابات حسب تفسير تعسفي للمادة القانونية المشار اليها إذ فسرت بان المقصود بالعمال في المادة القانونية العمال فقط ولا يندرج معهم الموظفون، ثم تطرق المقال إلى التفسير التعسفي لديوان الخدمة المدنية للمادة العاشرة من مرسوم بقانون رقم (33) لسنة 2002م بشأن النقابات العمالية في البحرين، والذي صدر في ضوء ذلك التعميم الإداري رقم (1) لسنة 2003م من ديوان الخدمة المدنية بالبحرين والمتضمن منع العاملين في القطاع الحكومي بتشكيل نقاباتهم.

وكان المقال في مجمله تفنيدا لهذين التفسيرين الرسميين لقانون النقابات والتأكيد على حق العاملين في القطاع الحكومي بتشكيل نقاباتهم، وان الحركة العمالية والنقابية الكويتية ناضلت وبضغط من المنظمات النقابية العربية والدولية إلى حين تراجعت حكومة الكويت عن تفسيرها المذكور وأصدرت تعديلا يسمح بحرية التنظيم النقابي في القطاعين الحكومي والنفطي، وعلى حكومة البحرين عدم تكرار الخطأ نفسه إذ ان الحركة العمالية والنقابية البحرينية وبالتضامن والتأييد والضغط العربي والدولي من قبل المنظمات النقابية سيستمر إلى حين الغاء أي تعميم أو تفسير أو حتى قانون يخلق تمييزا بين العمال حسب قطاعاتهم أو انتماءاتهم أو جنسياتهم أو غيرها.

فتعميم ديوان الخدمة المدنية لم يلغ، واذا صدر أمر ملكي - وهو ما لم يحصل - فالمطلوب أولا اصدار هذا الأمر رسميا وثانيا ان يقوم ديوان الخدمة المدنية باصدار تعميم إداري جديد يتضمن تراجعه عن مضمون التعميم السابق ويعلن صراحة بإلغاء ذلك التعميم، ولقد اثبتت الوقائع بان حكومة البحرين غير ملزمة بتوجهات صاحب الجلالة الملك، على رغم تصريح جلالته اثناء اللقاء الذي عقد مع قيادة الاتحاد العام لعمال البحرين وأكد فيه رفضه للتمييز بين العاملين في القطاعين الحكومي والرسمي، وهو التوجيه الذي نشرته «الوسط» فقط، وامتنعت الصحف الأخرى بنشرها وانما نشر هذا التوضيح الملكي على لسان رئيس الاتحاد عبدالفغار عبدالحسين فقط.

ويتجلى عدم التزام حكومة البحرين بتوجيهات جلالة الملك في ان إدارة البريد قد أصدرت تنبيها كتابيا بتاريخ 8 يوليو/تموز 2003م لجميع النقابيين الذين شكلوا نقابتهم العمالية في البريد، من مجلس إدارة النقابة إلى الذين شاركوا في تأسيسها، وتضمن الانذار تذكير النقابيين بمضمون التعميم نفسه (الذي اعتقد انه سيبصم بتعميم سيئ الذكر كما بصم قانون أمن الدولة بذلك)، وانهم لم يلتزموا به وعليهم ان يمتنعوا عن اتخاذ اي اعمال تتعارض مع نظام الخدمة المدنية، وهو ما قد يعرضهم للمساءلة حسب المادة (173) من قانون العقوبات الذي يحرم مثل هذه التصرفات الذي من شأنه الازدراء بالسلطات والمساس بسير العمل والاخلال بانتظامه.

ان الازدواجية ذاتها مارستها حكومة البحرين مع قانون الصحافة والنشر، فأمام احتجاج الصحافيين ومؤسساتهم وكذلك الجمعيات السياسية ورفضهم للقيود الموضوعة على حرية الصحافة والرأي في القانون، أعلن سمو رئيس الوزراء تجميد القانون وتشكيل لجنة إعادة صوغ القانون من جديد، وعلى رغم ان التجميد بحد ذاته يعتبر شكليا إذ لا يحق تجميد القانون الا بصدور قانون ينص على ذلك، الا ان وامام المحطات الاعلامية قام وزير الاعلام بالإعلان على ان القانون غير مجمد وسيطبق على من يخالف نصوصه، وفعلا تم تطبيقه على كل من رئيس تحرير «الوسط» و«اخبار الخليج»، الأمر الذي يكشف عن ازدواجية فاضحة في ممارسات وتصريحات وتوجيهات الحكومة وممارسة سياسة الهروب إلى الأمام.

إننا نطمح - بل نعمل - من أجل دولة قوامها القانون واحترام القانون وبناء دولة قوامها المؤسسات وأهمها المؤسسة التشريعية التي تصدر القوانين وتعدلها، وان على الحكومة قبل غيرها ان تلتزم بالقوانين التي اصدرتها، وان بروز اية قناعة تمس صلاحية اي قانون أو نصوص منه أو صدور تعاميم تتعارض مع القوانين فالمطلوب ان يكون التراجع قانونيا ايضا وليس عبر تصريحات صحيفة لتهدئة الأمر مؤقتا واستخدام القانون فيما بعد سلاحا في يد السلطة التنفيذية في اللحظة التي تريدها.

إن مثل هذه الممارسات تخلق قناعات اخذت تترسخ في المجتمع بان ا لحكومة عبر هذه التصريحات تخذع مؤسسات المجتمع المدني بدلا من ان تنسجم قوانينها وتعاميمها مع مصالح هذه الفئات والمؤسسات.

والأمر ذاته حدث مع التعامل مع الجمعيات السياسية، إذ برزت مقولات الاشتغال والانشغال، ثم تراجعت الحكومة وأقرت شفويا بوجودها وتم إلغاء مادة من قانون مجلس الشورى والنواب حتى تتمكن الجمعيات السياسية من دعم مترشحيها، ولكنها مازالت تتهرب إلى الأمام بشأن الاعتراف الرسمي بالتنظيمات السياسية واصدار قانون خاص بها، إذ مازالت الحكومة تستخدم عصا قانون الجمعيات في اية لحظة مناسبة لها لتطبقها على تنظيمات سياسية، ويتجلى التناقض في هذا المقام في ان قوانينها الخاصة بقوة الدفاع والأمن العام تنص صراحة وبالاسم للجمعيات السياسية وحظر منتسبي الداخلية والدفاع الانضمام اليها، غير ان الحكومة من طرف آخر لا تريد ان تنظم قانونا لهذه الجمعيات السياسية، وهناك كثرة من المواقف تكشف مثل هذه الازدواجية في التعامل الرسمي بين القول الاعلامي المبهرج والجميل والفعل المتناقض له، الأمر الذي يفرض ضرورة مراجعة الذات الرسمية وإلغاء مثل هذه الازدواجية في التعامل مع المجتمع ولتساهم في تعزيز حقيقي لبناء مجتمع قوامه احترام القانون والاعتراف بالمؤسسات القائمة فيه

إقرأ أيضا لـ "عبدالله جناحي"

العدد 316 - الجمعة 18 يوليو 2003م الموافق 18 جمادى الأولى 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً