العدد 317 - السبت 19 يوليو 2003م الموافق 19 جمادى الأولى 1424هـ

المتملقون... أو صناع الطواغيت

عادل مرزوق Adel.Marzooq [at] alwasatnews.com

-

يكتب البعض في أعمدتهم اليومية ـ ساعيا إلى المجد ـ عناوين من مثل (قراءة في منجزات...) (قراءة في فكر...) (تحليل لقراءة...)، (هنيئا لنا... أنت وفكرك...)، وغيرها من العناوين، وهم (الكتاب) ـ يعلمون أم لا يعلمون ـ لا يرمون بأنفسهم وأدبهم وفكرهم في زاوية التملق الممقوتة من قبل الجمهور وحسب، بل يسهمون في صناعة الطواغيت دون ان يعلموا.

حلل الكاتب والباحث عبدالله الغذامي في كتابه (النقد الثقافي... قراءة في الانساق الثقافية العربية) نسق الشعر العربي وكيف انه ارتبط بالشخصية العربية التي كانت الفصاحة والبلاغة احدى الانهار التي تتشكل منها، لقد حلل الغذامي صورا لكبار الشعراء العرب واتهمها بانها نسق غير ديمقراطي وغير انساني. وكما عبر الغذامي (ومن ثم كانت الثقافة - بما ان اهم ما فيها هو الشعر - وراء شعرنة الذات؟! وشعرنة القيم) وركز على اننا - وحق لنا - ان نهتم لقرون في الجماليات دون البحث فيما يحتوي الشعر العربي خلافا للجماليات البلاغية وابداع الكلمات.

عندما تولى الخلافة الإسلامية الخليفة عمر بن عبدالعزيز بادر الشعراء والمتكلمون بنثر دررهم البلاغية في مديح الخليفة الجديد. إلا أن الخليفة الجديد رفض استقبالهم لسماع هذه الدرر واكتفى باداء عمله كراع لشئون المسلمين. تحديدا رفض هذا الخليفة محاولة الشعراء والمتكلمين في صناعة الطاغية.

المتملقون وصناع الطغاة كما يعبر عنهم الغذامي تزخر بهم ارضنا العربية، تراهم في انتاجاتهم الادبية والفكرية متماشين مع السلطة، ولسنا نلومهم إذ انه نسق تاريخي للشعر والثقافة العربية اخذوه وحفظوه عبر ما تعلموه من مخرجات الحضارة الادبية العربية، فاشعار الادب العربي التي كنا ندرسها كانت تنقل لنا هذا النسق من دون بحث فيه وفي مضمونه الانساني بل نتدارس صوره البلاغية ومعاني كلماته، فهذا الفرزدق والمتنبي وابوتمام وغيرهم في مدح خلفاء الدولة الأموية والعباسية، كما ان كتابة التاريخ الاسلامي تأثرت بالنسق الخاص بالشعر العربي والادب العربي فأحضرت لنا تاريخا مشوها، نحتفل في الدول العربية بمنجزاتنا فنشاهد احتفالا كبيرا على شاشات التلفزة لمجرد افتتاح محطة جديدة لتوليد الكهرباء أو لبناء جسر أو انارة شارع أو حتى افتتاح مدرسة. نصورها على انها منجزات وطنية بل عالمية وحضارية وليست بنية تحتية تلتزم الدولة بانجازها وليس لها الفضل ولا الشكر في القيام بها. ما دامت أجهزة الاعلام سباقة للتفخيم والتعظيم فليست الصورة مستغربة.

ان النسق الادبي الذي يكتب به صديقنا كما مثلنا في مقدمة مقالنا يحول الصفات الحسنة التي تكتسب بالعمل إلى صفات تمنح للممدوح مقابل المصلحة المادية كأرض أو سيارة أو حتى منصب. وتتم هذه العملية بمباركة ثنائية بين الطرفين المادح والممدوح. ولا يخفى على احد ان الكتابة على ذلك النسق تعتمد على الكذب والمبالغة تعمل على ابتعاد المدلولات عن دلالاتها.

لابد ان للسياسة والتسييس الخطابي دوره في الصوغ الادبي سواء في الشعر أو الكتابة الصحافية وصولا إلى كتابة البينات والخطب الرسمية. فالسياسة لها اطرها وقواعدها المعروفة. غير ان استغفال القارئ والاستهزاء به محظور. ذلك اتجاه يفقد الكاتب أو الاديب أهم ما يحتاجه من لدن القراء (الصدقية) فحين يفقدها يصبح طائرا بلا سماء أو ملكا بلا مملكة. لقد تغير الحال فليس اليوم كالأمس ولم تعد أية كتابة تستهوي الجمهور. ذلك نتاج طبيعي لما تعود عليه الجمهور من استهزاء صارخ لفهمه وادراكه. لما أحس به من محاولة ساذجة بان يعامل كطفل صغير لا يعرف كيف يتصرف وأية الابواب يطرق. ان احترام الذات ومن ثم احترام القارئ من أهم شروط الكتابة الناجحة والمؤثرة. لابد ان يعي كتاب مؤسساتنا الاعلامية وصحافيوها انهم ليس كما يظنون بانهم الطبقة المثقفة المسيطرة على الرأي العام وان الثقافة تدار عبر مداد اقلامهم

إقرأ أيضا لـ "عادل مرزوق"

العدد 317 - السبت 19 يوليو 2003م الموافق 19 جمادى الأولى 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً