العدد 2591 - الجمعة 09 أكتوبر 2009م الموافق 20 شوال 1430هـ

قضيّة في المزاد بسعر بخس!

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

قبل أيام أعادت تل أبيب ثلاثة إخوة (يافعين) لبنانيين بعد موت والدتهم المريضة، وهجران أبيهم لهم والذي كان قد فرّ إلى داخل فلسطين المحتلّة مع اللحديين بُعيد انسحاب الجيش الصهيوني من جنوب لبنان وسقوط جيش أنطوان لحد العميل قبل تسعة أعوام.

أصل الحكاية في ذلك هي أن النائب اليميني الصهيوني المتطرف زئيف هيرتمان يقود مؤسسة تحمل هذا الشعار: «تنازل عن بطاقة هويتك تحصل منا على كل مساعدة ودعم»! هدفها الأول والأخير هو تطهير الكيان الصهيوني من العرب وإنشاء وطن يهودي خالص.

يقوم هيرتمان بتقديم مُحفّزات مالية ولوجستية لتشجيع العرب على الهجرة من داخل فلسطين المحتلّة والتنازل عن الهوية الصهيونية. لذا فإن موضوع إعادة الأشقّاء اللبنانيين لم يكن يحمل أيّ طابع إنساني من الرجل بقدر ما هو عمل سياسي عنصري مُمنهج.

قال هيرتمان بعد إعادة اللبنانيين الثلاثة: «لقد نجحنا في تقليل عدد حاملي البطاقة «الإسرائيلية»، وهذا إنجاز لخطتنا التي تهدف إلى جعل «إسرائيل» دولة يهودية نقية من العرب، وستكون خطوة أولى في مساعدة ودعم عدد آخر من اللبنانيين حاملي الهوية «الإسرائيلية» لضمان عودتهم إلى لبنان والتنازل عن هويتهم».

هنا يتوقّف المرء ليكتشف جانبا آخر من الصراع، فهيرتمان نَجَحَ قبل ذلك في تشجيع عددٍ من فلسطينيي الداخل (عرب الخط الأزرق أو الـ 48) في الهجرة من الكيان الصهيوني إلى دولة أوروبية استطاع أن يُوفّر لهم فيها قبولا في إحدى الجامعات وهوية دائمة.

بالتأكيد أن ذلك عملٌ مُستَنكر ومُدان من مُحتل ضد مستحل، وهو ينطوي على مشاكل وانتهاكات حقوقية يجب أن تُنظر. لكن المشكلة ليست في ذلك فقط، بل هي أيضا مع خيارات العرب (الإراديّة) التي تكاد تكون جافّة ومُهلهلة فضلا عن خياراتهم (اللا إرادية).

هم حَصَرُوا تعاطيهم مع المشكلة الفلسطينية داخل «عملية السلام» والمسار التفاوضي وجمّدوا ما دون ذلك. أفقدوا أنفسهم ومَنْ معهم كلّ وسيلة قد تُتَوخّى لممارسة نوع ولو بسيط من الضغوط على الخصم وداعميه.

باتت الحقيقة المُرّة هي أن أحدا لا يُريد من هذه الأنظمة أن تُجيّش قواتها للحرب، لكن أحدا أيضا لا يقبل بأن لا تكترث هذه الأنظمة حتى بسياسات مدنية وناعمة وقانونية في التعاطي مع هكذا صراع، تُتيحها حتى عملية السلام هذه التي هم متورّطون فيها.

حتى الدول الحليفة المتقابلة (أنغلوساكسونية/ فرانكفونية) عندما تضيق بها المصالح ترى أن تفترق حينا وتلتقي حينا آخر فتمارس نوعا من الضغوط على بعضها البعض.

قد يكون ذلك في السياسة أو الاقتصاد أو حتى الثقافة كما رأينا في السابق بين فرنسا شيراك والولايات المتحدة زمن بوش الابن، واليوم نراه جليا داخل منظومة الاتحاد الأوروبي فيما يتعلّق الأمر بمعاهدة لشبونة.

هل تعجز الأنظمة العربية في تدعيم البنية التحتية (الاقتصادية) لعرب الداخل لكي يُواجهوا بها معركتهم في الهوية والانتماء أمام سطوة عدوّ يُسخّر سنويا ما قيمته مليار ومائتا مليون دولار (فقط) لتهويد القدس على سبيل المثال!

اليوم يُدفَع عرب الداخل عنوة نحو البطالة والتمييز في الخدمات المدنية من قِبَل حكومات العدو المتعاقبة (العمل/ الليكود/ كاديما) لكي تضيق خياراتهم وسُبلهم، فيلجأون إلى ما يسعى عادة إليه المضطر.

لقد صار لِزاما على هذا المحيط العربي والإسلامي الممتد والواسع أن يُوفّر للداخل الفلسطيني كل ما يقيه من سياسات آثمة تُمارس ضده وضد تاريخه وهويته وجذوره وحياته الكريمة.

لقد أصبح العرب والمسلمون يتخفّفون من أيّ مسئولية تجاه القضية الفلسطينية. الجميع يُريد أن يُقدّم المقدار الذي يُنهي له هذا الكابوس. زعامات كثيرة أصبحت مستعدة لتقديم أيّ شيء في سبيل رؤية دولة فلسطينية حتى ولو كانت خرساء.

لقد أصبح السقف الذي يعلو ذلك انتحارا وتهلكة بنظر أؤلئك. حتى المقاومات والمواقف المتصلّبة أصبحت مستنكرة! «حماس» و «الجهاد» وسورية باتت عقبة أمام منهج التخفّف الذي صار كطوق النجاة لهم.

لكن الحال لا يُبشّر بأكثر من تنازلات بحجم فضحية غولدستون، حينما تنازل المتسيّدون على شئون الضحايا عن حقّ من قضوا ظلما وعدوانا. بالتأكيد فإن هؤلاء لا يريدون تعويضا بحجم لوكربي (10 ملايين لكل ضحية) لكنهم يريدون إنصافا ولو باللسان.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 2591 - الجمعة 09 أكتوبر 2009م الموافق 20 شوال 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 4:11 م

      لا حياة لمن تنادي

      وقد أسمعت لو ناديت حيا, ولكن لا حياة لمن تنادي , وتقرير غولدستون خير شاهد على الحالة المتردية التي وصل إليها الضمير والشرف العربي , ولكن عجبي يا أستاذ محمد للتكفيريين الذين يعيبون على حماس تعاونها مع إيران وهل وجدت حماس عند العرب ذرة من الأمل تمنعها عن الاعتماد على إيران .ليلى علي

اقرأ ايضاً