العدد 2593 - الأحد 11 أكتوبر 2009م الموافق 22 شوال 1430هـ

البرلمان في الميزان

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

افتتح عاهل البلاد جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، أمس، دور الانعقاد الرابع من الفصل التشريعي الثاني للبرلمان، بخطاب - لم نطلع عليه حتى لحظة كتابة هذا المقال - من المتوقع أن يكون غنيا بموضوعات تمس القضايا الوطنية الداخلية نظرا لكونه الفصل الأخير من هذه الدورة، التي ستسبق انتخابات الدورة التشريعية الثالثة في سبتمبر/ أيلول 2010، من جهة، ولسيادة تلك القضايا على الحوارات التي عرفتها قبة البرلمان وأروقته خلال هذه الدورة من جهة ثانية.

ومن الطبيعي أن يتخلل هذه الدورة وقفة تقويمية تمارسها، إلى جانب المواطن - الناخب، القوى السياسية الممثلة بكتلها النيابية في البرلمان، من أجل تحديد عناصر معادلة الربح والخسارة خلال تلك الدورة، وبالتالي انعكاساتها على الدورة المقبلة.

ومحاولة القيام بجردة سريعة لعناصر الربح والخسارة، لدى تلك القوى السياسية ذات العلاقة بالعمل البرلماني، المباشر وغير المباشر، تضعنا مباشرة أمام الصورة التالية:

1. جلالة الملك، من الناحية السياسية والدستورية يفترض أن يكون عاهل البلاد بعيدا عن البرلمان وفعالياته، لكن للملك حمد بن عيسى آل خليفة علاقة شخصية مباشرة بهذا البرلمان، حيث يقبع البرلمان في القلب من المشروع الإصلاحي الذي قاده عند وصوله إلى سدة الحكم.

ويمكننا القول إن الملك، بغض النظر عن كل ما أثير من ملاحظات حول المشروع الإصلاحي، لايزال هو المستفيد الأكبر من الفصلين التشريعيين، إذ نجح الملك في إقناع الجميع، مشاركين ومقاطعين، وباستثناء فئة سياسية ذات حجم سياسي محدود، بأن الحالة السياسية القائمة، والتي يقود البرلمان مسيرتها، هي أفضل الصيغ الملائمة للعمل السياسي فوق الساحة البحرينية.

هذه القناعة تضع البلاط الملكي بعيدا عن الخلافات اليومية داخل أروقة البرلمان، وتضعه في موقع يبيح له التدخل عند الضرورة لضبط إيقاع تلك الخلافات بما يخدم الإطار العام لمشروع جلالته الإصلاحي.

ومن الأهمية بمكان لفت نظر القارئ الكريم، أن الحديث عن البرلمان هنا، وفي نطاق علاقته مع جلالة الملك، يتناول الإطار الاستراتيجي العام، دون الغوص في التفاصيل الإجرائية اليومية.

2. الكتل السياسية غير «الوفاقية»، والمقصود بها هنا تلك الكتل السياسية الدينية التي ميزت نفسها عن «الكتلة الوفاقية»، والتي لا شك أنها حققت الكثير من النجاحات، ليس من حيث قدرتها على التصدي للسلطة التنفيذية، ومناقشة برامجها وتسليط الضوء على نواقصها، لكن على مستوى سعيها من أجل بناء علاقة وثيقة مع الشارع يضمن لها مقاعدها في الدورات الانتخابية المقبلة في المستقبل المنظور. ويعود السبب في ذلك إلى «موضوعية» و»تواضع» برامج تلك القوى التي لم ترفع سقف توقعات المواطن بشأن النتائج المتوخى انتزاعها عبر البرلمان الحالي، وتحاشيها الصدام، إلا في حالات استثنائية، مع السلطة التنفيذية من جهة ثانية.

لقد تناسب أداء تلك القوى مع برامجها الانتخابية، الأمر الذي وفر لها هامشا واسعا من المناورة السياسية، في علاقاتها مع ناخبيها أو مع السلطة التنفيذية، على حد سواء، دون أن يفقدها ذلك المرونة التي تحتاجها لبناء تحالفاتها البرلمانية.

3. الكتلة الوفاقية، وأعتقد أنها أكثر القوى خسارة من هذه الدورة، حيث انعكست مغادرة «الوفاق» مقاعد المقاطعة، ونجاحها في الدخول ككتلة برلمانية، والحيز الضيق الذي حصرت آليات البرلمان برامج «الوفاق» تحت سقفه، تركت آثارها السلبية على أوضاع «الوفاق» التنظيمية الداخلية من جهة، وعلى علاقتها مع جماهير»الوفاق» العريضة من ناحية ثانية.

وللانصاف والحق، فإن ذلك لا يعود إلى تقاعص نواب «الوفاق»، بقدر ما تسببت فيه الحملة الدعائية التي أوصلت أعضاء الكتلة إلى الكراسي البرلمانية والتي رفعت كثيرا، وبشكل مبالغ فيه من سقف الإنجازات التي بوسع الكتلة الوفاقية أن تحققه تحت القبة البرلمانية.

4. السلطة التنفيذية، وهي الأخرى من القوى الرابحة، بالمعيار النسبي، وليس المطلق، من هذه الدورة، فقد نفذت السلطة التنفيدية بجلدها وجلد وزرائها من الكثير من المساءلات التي لاتزال الغالبية منها معلقا وبحاجة إلى المزيد من التوضيح. تكفي الإشارة إلى جلسات مناقشات الموازنة العامة للتدليل على أن السلطة التنفيذية لاتزال تحصد أفضل الجوائز في مارثون العلاقات السياسية تحت القبة البرلمانية.

5. المستقلون والإصلاحيون، وعددهم محدود للغاية، والذين وجدوا أنفسهم محصورين بين سندان «الكتلة الوفاقية»، ومطرقة الكتل الأخرى، وسياط السلطة التنفيذية، فجاء دورهم هامشيا، باستثناء بعض مهام التهدئة، عند تلاطم الأمواج، أو التوسط بين الكتل عند اشتداد الأزمات بينها.

6. التيار الوطني الديمقراطي، والذي فشل في إيصال أي من ممثليه إلى مقاعد الدورة التشريعية الثانية، وذلك لأسباب كثيرة ليس هنا مجال الخوض فيها.

هذا التيار يمكن تلخيص نتائج الدورة بالنسبة له بالمثل الدارج الذي يقول «لا حظت برجيلها ولاخذت سيد علي». فهذا التيار لم يوفق في رص صفوفه أبان الحملة الانتخابية، ولم يظهر على السطح في خريطة علاقات الكتل البرلمانية خلال هذا الفصل التشريعي. وبالتالي يمكن الخروج باستنتاج، أنه ثاني أكبر القوى السياسية الخاسرة، بعد «الوفاق»، وخاصة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن الموقف من البرلمان، بمعنى جدوى المقاطعة او المشاركة، لاتزال تثقل كاهله، وتشكل عقبة أمام أي تحالف حقيقي مؤثر بين قواه المختلفة. هذا بعيدا عن كل ما يشاع، من مظاهر التنسيق بين قوى هذا التيار، التي لم يعد هناك ما يبرر تشرذمها أكثر من الخلافات الذاتية ذات الأفق المحدود التي لاتزال تسود سلوك قياداتها.

بهذه الجردة السريعة، يكتشف المرء أن المعارضة بأجنحتها المختلفة، لاتزال هي الخاسر الأكبر من نتائج هذه الدورة.

ولابد من الإشارة هنا إلى انتشار ما يشبه، إلى حد بعيد، من فقدان الثقة في نسبة عالية من النواب في صفوف الناخبين، الأمر الذي ينبغي أن يؤخذ في الحسبان عند الإعداد للمراحل النهائية من حملات الترشيح المقبلة.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2593 - الأحد 11 أكتوبر 2009م الموافق 22 شوال 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً