العدد 2605 - الجمعة 23 أكتوبر 2009م الموافق 05 ذي القعدة 1430هـ

سمير أمين يستحق جائزة ابن رشد (1)

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

تناقلت أجهزة الإعلام نبأ فوز الاقتصادي المصري سمير أمين بجائزة ابن رشد للفكر الحر للعام 2009، التي تمنحها سنويا «مؤسسة ابن رشد للفكر الحر»، الألمانية. وكشف بيان صادر عن المؤسسة التي تأخذ اسم الفيلسوف الإسلامي ذي الفكر المتفتح ابن رشد (1126 - 1198)، سبب فوز أمين، على أنه يعود أساسا، إلى وقوفه، من خلال أبحاثه وكتاباته الرصينة، «دائما إلى جانب استقلالية قرار الدول النامية في اختيار الطريق للتنمية، وخاصة في العالم العربي، ودعوته باستمرار إلى تضامن أممي جديد، لا لتجاوز الأزمة الرأسمالية فحسب بل للخلاص من النظام الرأسمالي المأزوم». يضيف بيان المؤسسة في سرد الأسباب التي تقف وراء استحقاق أمين الجائزة بالقول ان «الأزمة المالية التي بدأت منذ سبتمبر/ أيلول 2008 سبق لسمير أمين أن تنبأ بها بكونها وليدة للنظام، وبالتالي هي جزء من أزمة النظام الرأسمالي المتقدم والتي برزت بداياتها في العام 1970».

وللأجيال العربية الشابة، ممن لم تسمح لهم الظروف الفكرية السائدة اليوم بالاطلاع على إنتاج هذا المفكر الاقتصادي العربي المخضرم، والتي نرى ضرورة اطلاعها على كتاباته القيمة، وعلى وجه الخصوص تلك التي أثارت جدلا حادا في صفوف الحركة الفكرية العربية ذات الخلفية السياسية، على اختلاف مشاربها، في عقود الستينيات والسبعينيات، نرى ضرورة اطلاعها على سيرته الذاتية، وعودتها إلى إسهاماته الفكرية.

من أم فرنسية وأب مصري، كانا طبيبين يعملان في مصر ولد سمير في العام 1931، في مدينة بورسعيد، حيث قضى طفولته فيها وحصل على شهادة الثانوية العامة العام 1947 من مدرسة فرنسية، غادر بعدها إلى باريس كي يحصل في الفترة بين 1947 و1957 على دبلوم في العلوم السياسية، وأخرى في الإحصاء يتوجها بدكتوراه في الاقتصاد، من جامعة السوربون، يحملها في العام 1957 عائدا بها إلى مصر، الذي لم يستطع أن يقيم بها أكثر من خمس سنوات، حيث تجبره لأفكاره السياسية، وانتماءاته التنظيمية إلى الهرب إلى فرنسا، بمساعدة والده، كي يتنقل في وظيفة مستشار اقتصادي بين دول إفريقية عديدة مثل مالي والكونغو برازافيل ومدغشقر، قبل أن يستقر به الحال في منصب مدير معهد التنمية الاقتصادية والتخطيط التابع للأمم المتحدة في العاصمة السنغالية (داكار) لفترة عشر سنوات (1970 - 1980). يشغل أمين بعد ذلك، ومنذ العام 1980 مدير منتدى العالم الثالث، وهو منظمة عالمية غير حكومية للبحوث والمناقشات. أما اليوم فهو يترأس، أيضا منظمة المنتدى العالمي للبدائل.

أما على صعيد الإنتاج الفكري، والذي كان مزيجا من الإنتاج العربي المباشر، أو ذلك الذي نشره بالفرنسية، قبل أن يعرف طريقه إلى القارئ العربي في نسخته المترجمة. من أهم كتبه التي ترجمت في السبعينيات من القرن الماضي، وفي الميدان الاقتصادي كانت: 1 - التراكم على الصعيد العالمى، ترجمة، دار ابن خلدون، بيروت 1973. 2 - التبادل غير المتكافئ وقانون القيمة، (ترجمة عادل عبد المهدي - دار الحقيقة - بيروت 1974).

3 - التطور اللامتكافئ، (ترجمة برهان غليون - دار الطليعة، بيروت 1974).

أما في هذا القرن فقد كانت أبرز مؤلفاته: 1 - ثقافة العولمة وعولمة الثقافة، عمل مشترك بين برهان غليون وسمير أمين، 2000، دار الفكر المعاصر للطباعة والنشر والتوزيع. 2 - مناهضة العولمة حركة المنظمات الشعبية في العالم، ترجمة: سعد الطويل، 2003، مكتبة مدبولي. 3 - الفيروس الليبرالي الحرب الدائمة وأمركة العالم، دار الفارابي، 2004.

وقبل الانتقال إلى عرض أبرز مميزات وسمات فكر أمين التي أهلته لنيل الجائزة، لابد من الإشارة إلى خصلة مميزة في علاقاته الفكرية مع من كان يشاطرهم الكثير من القواسم المشتركة فيما يتعلق بنظرتهم للعلاقات الاقتصادية والثقافية في عصر اتفق معهم على تصنيفه بـ «عصر العولمة». فمن أقرب رفاق فكره هو برهان غليون والذي ترجم له بعض أهم مؤلفاته، نجد أمين يخوض معه حوارا فكريا عميقا عكس جوهر الخلاف بينهما على المستوى الأيديولوجي. فقد كان أمين يختلف مع غليون كما يقول عبدالرزاق السويراوي بشأن أطروحة غليون التي يذهب فيها إلى «أن الأديان السماوية حققت نقلة وتقدما في تطور الفكر الديني، وأن الشعوب المنتمية إلى أديان سماوية، كانت حضارتها أكثر تقدما من الشعوب غير المنتمية إلى أديان سماوية». ويدعم أمين رفضه لأطروحة غليون، كما يقول السويراوي بإيراده مثالين، «الأول: عن البوذية، إذ يقول، إن بوذا لم يدّعِ النبوة ولا الألوهية وإنما كان يدّعي أنه تمكن من الوصول إلى اكتشاف قيم إنسانية عُليا، وأنه بالإمكان إدراك ما تفعله قوى الطبيعة من دون الاستعانة بالإلهام الخارجي كما هو شأن الأديان السماوية، وأن هذه القدرة كما يدّعي بوذا، هي موجودة لدى جميع البشر، إذا ما أحسنوا استخدامها، ثم يخلص إلى القول إن البوذية هي ليست شكلا بدائيا من الدين بقدر ما هي أقرب إلى الفلسفة المثالية منها إلى الدين. أما المثال الثاني: هو مذهب كونفوشيوس، حيث يقول سمير، إن كونفوشيوس لم يدّعِ هو الآخر الإلهام الإلهي، وإنما هو فقط إنسان حكيم توصل عن طريق التأمل والملاحظة لسير المجتمع، إلى اكتشاف مجموعة من القواعد يمكن أن تؤدي إلى الكمال الاجتماعي وأن اتباع هذه القواعد يلغي الحاجة إلى الالتجاء إلى (قوى فوق الطبيعة)».

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2605 - الجمعة 23 أكتوبر 2009م الموافق 05 ذي القعدة 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً