العدد 2610 - الأربعاء 28 أكتوبر 2009م الموافق 10 ذي القعدة 1430هـ

لفتة نظر تستحق الاستدراك والتمعن

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

كما توقعت، تلقيت العديد من المكالمات الهاتفية، حول مقالة «حريق المقاطعة»، وجميعها اتفقت، وبشكل مستقل، على مسألتين:

1. الأولى، أن المقالة خاطبت المعارضة، سواء باللوم أو بالتأييد، وتحاشت، بوعي أو بدون وعي، الإشارة إلى دور ومسئولية الجهات ذات العلاقة بصلاحيات السلطات التشريعية، وهي، شئنا أم أبينا، عنصر هام في تطور، أو تقهقر، الحياة السياسية في البحرين في السنوات القليلة المقبلة.

2. قفزت المقالة، دون أي مبرر، على محدودية الصلاحيات التي تتمتع بها السلطات التشريعية في البحرين، كما وردت في ميثاق العمل الوطني، والدستور المنبثق عنه على حد سواء، الأمر الذي قلص من صلاحياتها، وحصر قراراتها، كما تقول تلك المكالمات في «إطارات شكلية» أفرغت تلك القرارات والتوصيات من محتواها السياسي.

وبعيدا عن أي شكل من أشكال المماحكات السياسية، أو أية محاولة للاستعانة بأدوات التبريرات غير المنطقية، أعتقد أن المقالة كانت ينقصها كلاهما، لكن معالجة الأمر تتطلب أولا وقبل أي شيء، رسم صورة سريعة عامة نستعيد من خلالها معالم الأجواء السياسية التي انبثقت من بين ثناياها السلطة التشريعية القائمة حاليا.

أفواج القيادات السياسية تعود من المنافي... المعتقلون يضعون أقدامهم خارج الزنزانات... الجماهير تتطلع مبهورة بما يحدث... أركان قانون أمن الدولة تهتز... فئران الأجهزة القمعية القديمة تبحث عن جحور آمنة... القيادات السياسية ومنظمات المجتمع تعقد الندوات وورش العمل تناقش ما جاء به الميثاق ومن بعده الدستور... جلالة الملك يبشر بمشروعه الإصلاحي ويلقي المزيد من الأضواء على جوانبه المختلفة... نقاشات محتدمة حول تقييم ذلك المشروع.

ينتهي كل ذلك إلى ما آلت إليه كل تلك التفاعلات: ذات ملكية، وسلطة تشريعية بغرفتين مازال الخلاف قائما حول دورها المناط بها، وسلطة تنفيذية لاتزال تحوم الشكوك حول كفاءتها، وهوامش من الحريات يحاول المواطن التوسيع من هوامشها.

على أرضية قراءة معالم هذه الصورة يمكننا الخروج بمجموعة من الاستنتاجات السياسية التي نرفعها لمن بيده توسيع صلاحيات السلطة التشريعية في البحرين:

1. لقد أثبتت المعارضة البحرينية نضجها السياسي، وسمو سلوكها النضالي، فنجحت في التحول، وفي فترة قياسية نسبيا من العمل السري الذي أرغمتها قوانين القمع، على اكتساب محتلف فنونه ومهاراته، إلى رحاب العمل العلني المتفتح، بما يتطلبه هذا التحول السريع من تغيير في الاستراتيجيات الطويلة المدى، وتعديل في التكتيكات اليومية ذات الطابع العملياتي.

2. أينعت مجموعة من منظمات المجتمع المدني، سواء التي عادت من عواصمها في المنفى، أو تلك التي تشكلت في رحم المشروع الإصلاحي، كي تمارس دورها النضالي في تعزيز دور المواطن في البناء والتنمية، وحمايته من كل أشكال القمع أو الإعاقة التي قد تمارسها ضده مراكز قوى الحرس القديم المتربي في أحضان قوانين القمع التي «ازدهرت» في البحرين خلال الخمسين سنة الأخيرة من القرن الماضي.

3. مارست المعارضة، بمختلف فصائلها، دور السياج الذي يحافظ على المولود الجديد والذي هو السلطة التشريعية، خشية وأده من قبل القوى التي أضر بمصالحها وقلّم أظفارها ذلك التحول، أو تلك التي لم تستطع حينها استعابه من كل جوانبه وبكل أبعاده السياسية والاقتصادية بل، وحتى الاجتماعية، واعتبرت كل التحولات التي عرفتها البلاد حينها، لا تعدو أن تكون إجراءات سطحية لا تمس جوهر النظام القائم، وغير قادرة على القيام بأية تغييرات نوعية من شأنها انتشال الجميع من زنازين قانون أمن الدولة.

إنطلاقا من كل ذلك، وكي لا تقتصر معالجة الأوضاع السياسية في البحرين على تشخيص دور المعارضة، ننتقل إلى ما هو أبعد من ذلك معتمدين في ذلك على ما أدلى به صاحب الجلالة من تصريحات في خضم مرحلة التحول تلك.

أولى تلك المقولات هي دعوة جلالته الصحيحة، إلى رؤية «النصف الممتلئ من الكأس، عوضا عن نصفها الفارغ»، وهذا كان مسلك المواطن البحريني تقوده فصائل معارضته المختلفة، بمن فيها تلك التي قاطعت انتخابات الدورة الأولى. لقد حرص الشارع البحريني على التمسك بالأمل في المزيد من الإصلاحات التي من شأنها توسيع هوامش الحريات المتاحة، ولذلك لم يكف عن تأمل النصف الممتلئ، غاضّا الطرف، وعن قصد عن ذلك النصف الفارغ.

ثاني تلك المقولات هي مقولته الشهيرة «الأيام السعيدة لم نعشها بعد»، والتي فهمها المواطن البحريني على أن ما قام به جلالة الملك لا يعدو كونه الخطوة الأولى على طريق طويلة ترفرف على جوانبها أشجار الحرية وتحف بها أرصفة القوانين والأنظمة التي تنظم العلاقات، وعلى أسس حضارية متطورة، بين السلطات الثلاث.

واليوم والمشروع الإصلاحي يقترب من إطفاء شمعته العاشرة، ربما يكون الأوان قد حان كي يعاد النظر فيه من جديد، تحكمنا في هذه النظرة، رؤية صاحب الجلالة التي أوقدت أولى الشمعات. فالمؤسسات السياسية، شأنها شأن الإنسان، هي كائنات حية، مكونة من خلايا قادرة على النمو والتطور، لكنها بالقدر ذاته تحمل في أنويتها كل مقومات الخمول والإندثار، عندما تفقد الأيادي التي ترعاها وتمدها بما تحتاجه من مواد تعينها على الاستجابة لنداءات التطور المطلوب.

لقد تجاوز جلالة الملك كل القيود السياسية والقضائية التي كانت تخنق التطور السياسي للمجتمع البحريني، وهو اليوم، أكثر من سواه وقبل أي أحد سواه أيضا قادر على إطلاق مبادرة جديدة من شأنها دفق دماء جديدة في مشروعه الإصلاحي التي بات في أمَسِّ الحاجة إلى من يمده بها.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2610 - الأربعاء 28 أكتوبر 2009م الموافق 10 ذي القعدة 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً