العدد 2611 - الخميس 29 أكتوبر 2009م الموافق 11 ذي القعدة 1430هـ

«آيلة» مدينة الأعراق وعروس «العقبة» على البحر الأحمر

مديرة الآثار سوسن الفاخري لـ «مدار الوسط» الذي بث أمس على «الوسط أون لاين»:

تناولت الحلقة الجديدة من برنامج «مدار الوسط» الذي بث أمس على «الوسط أون لاين» وبالإمكان الاستماع إليه اليوم (الجمعة) على موقع «الوسط» الإلكتروني موضوع «مدينة آيلة الإسلامية». فمثل معظم المدن الأردنية لا تخلو العقبة من الآثار التاريخية، وفيها من الآثار ما يعود إلى 5500 سنة، حيث كانت المدينة في الزمن القديم ملتقى لطرق المواصلات البرية والبحرية بين آسيا وأفريقيا وأوروبا، ومن أهم المواقع الأثرية في المدينة آثار مدينة آيلة الإسلامية وقلعة العقبة التي أنشأها السلطان المملوكي قانصوه الغوري في أوائل القرن السادس عشر، كما تم حديثا إنشاء متحف في المنزل الذي أقام فيه الشريف حسين بن علي قائد الثورة العربية الكبرى، برنامج «مدار الوسط» التقى مديرة آثار العقبة سوسن الفاخري من مقر مكتبها بالعقبة، وتحدث معها عن خلفيات هذه الآثار التاريخية والطبيعة الأثرية لمدينة العقبة، فكان هذا الحوار:

بداية، ما هي طبيعة مدينة العقبة مقارنة بالمدن أو المناطق الأخرى في الأردن؟

- العقبة طبعا تتميز عن غيرها من المواقع الأردنية، وممكن فيه مواقع أيضا أردنية فيها نفس الفترات التاريخية، لكن تاريخ المنطقة يبدأ منذ 6000 سنة، وتتميز فيه العقبة بأنه كان هناك فيها موقعان، موقع اسمه فرت الغزلان، وموقع تل المقص، هذي المواقع ترجع إلى 4500 قبل الميلاد، وتتميز بأنها فترة واحدة تم فيها تصنيع خامات النحاس التي يتم جلبها من منطقة وادي عربة. هذه المواقع سكنت فقط في هذه الفترة ولم تسكن لا قبل ولا بعد، أيضا كانت هناك ما ظهر عندنا في الحفريات الأثرية في هذه المواقع بأن هي عبارة عن مدينة كانت فيها مستوى عال من الصناعة كصناعة النحاس كما حكينا أيضا عندنا من الصناعات الأصداف المستخرجة من البحر الأحمر، وجدنا في مواقع في فلسطين وفي مصر صناعات صدفية هي من أصداف البحر الأحمر وتصنيع العقبة. فإذا كانت هي مواقع متخصصة بهذه الصناعة. أيضا المنطقة كانت زراعية ووجدنا أسلوبا كان يستخدم في تجميع المياه... خلال فصل الشتاء طبعا بيكون هناك كمية أمطار عالية بتجي لهذه المنطقة... يتم تجميعها بعبارة عن سدود يتم تجميع المياه فيها واستخدامها في الزراعة وتحليل النباتات اللي طلعت من هذه المواقع كانت للعنب والكرمة وغيرها من بذور النباتات، أيضا وجدنا أن هناك كانت فيه معتقدات دينية حيث وجدنا على أحد المباني الطينية الموجودة في هذا الموقع صور على جدران طينية لغزلان يعتقد أنها كانت من أنواع العبادات الموجودة عندهم.

هذا يقودنا إلى بعض ما ذكرتِ عن الكتابات هناك أيضا كتابات موجودة في بعض المناطق لنقل خارج العقبة... يعني هل هذه الكتابات أو الرسومات تعود إلى نفس الحقبة أو ذات صلة أو ماذا؟

- في الحقيقة هذي المواقع أقدم من الفترة اللي بنحكي عنها، هي الكتابات الثمودية والنقوش اللي وجدت في وادي رام في جنوب الأردن، هي المواقع كان العصر الحجري النحاسي هو بداية اكتشاف الكتابة. لم تكن كتابات وإنما عبروا برسومات، أما الكتابات اللي في جنوب الأردن في فترات لاحقة فيما بعد أيضا عندنا مواقع ترجع لفترات ما بعد العصر الحجري النحاسي عندنا موقع... يرجع إلى العصر الحديدي أيضا، وجدنا فيه آثار لعلاقات تجارية مع مصر ووجود باب الآلهة اللي كانت تعبد في مصر موجودة على بعض الجرار في العقبة.

أيضا بما أن البحر الأحمر منذ القدم له أهمية تاريخية فهو يعني المرفأ الذي يربط القارات في العالم القديم بعضها البعض، فبالتأكيد كان دائما محط أنظار العالم القديم، فالأقباط بما أنهم كانوا معروفين بالتجارة وتتبعوا طرق التجارة حتى وصلوا قارات العالم القديم فكان لهم مرفأ على ميناء العقبة هذا المرفأ وجدنا آثاره، آثار مدينة نبطية ولكن المباني مبان طينية نتيجة عوامل الزلازل والأملاح اندثر جزء كبير جدا من هذه المدينة، لكن استمر السكن فيما بعد في الفترات الرومانية والبيزنطية، الفترات الرومانية بدأت المعالم بشكل أفضل لأن المادة المستخدمة هي كانت الحجارة بالإضافة إلى الطين فوجدنا آثارا لمدينة رومانية وتذكر المصادر التاريخية أيضا أنه كانت الفرقة الرومانية العاشرة مقيمة في العقبة فقامت بناء على ما ذكر في هذه المصادر بعثة من جامعة نورث كارولينا بالتعاون مع دراسة الآثار العامة، قامت هذه البعثة الأثرية بالتنقيب عن هذه المدينة فوجدنا جزءا من سور المدينة عبارة عن سور محاط بأبراج بشكل مربع وبعضها بشكل دائري.

لكن التطور الحديث للمدينة أخفى الكثير من المعالم حيث أقيمت الشوارع والبيوت فوق هذه المدينة، اكتشفنا جزءا لا بأس به، لكن أهم ما تم الكشف عنه هو مبنى من الطين يرجع إلى أواخر القرن الثالث وبداية القرن الرابع، المبنى كان اتجاهه باتجاه الشرق، المبنى ضخم جدا من الطين، يعني ضخم جدا مقارنة بمبنى من الطين، الطين عادة ما يتحمل مثلا أنه السور يكون أربعة أمتار على أساسات من الحجارة بعد ما تمت دراسة المبنى ظهر منه أواخر القرن الثالث وبداية الرابع وجد أن هذا المبنى يمثل كنيسة طبعا، هذي الفترة تعد أقدم كنيسة بالأردن ومن الممكن في العالم، فهذي أيضا ما تتميز فيه العقبة، لأن في هذا الوقت كانت المسيحية غير معلنة في العالم كله، فكان الرومان يقتلون كل من اكتشفوا أنه يمارس الديانة المسيحية واعتنق المسيحية وهذه طبعا دلالة مهمة جدا أن العقبة توجد بها كنيسة وان نظام تطور الكنيسة البزليقية... بدأ من العقبة، وأصلا كانت معلنة في العقبة وهذي أيضا ميزة تتميز بها العقبة، المبنى تطور عنه بعض المباني والكنائس في ما بعد سواء في جنوب مصر وجنوب فلسطين وهي بداية نظام بزليقة للبداية يعني بداية نظام البزليقة كان في العقبة.

هل هناك آية آثار إسلامية أيضا؟

- في الفتوحات الإسلامية كانت العقبة لها دور كبير، حيث أن الرسول (ص) عاهد أسقف يحنا بن ربا على تأمين أهل آيلة مقابل جزية في هذه العقبة، بعد ذلك أصبحت آيلة تأخذ أهمية على الخارطة التاريخية الإسلامية، ففي عهد عثمان بن عفان أصبحت هي من المدن الموالية لعثمان بن عفان وأنشئت في هذه الفترة بداية لمدينة إسلامية... ظهرت في العقبة وظهرت في عنجر في لبنان وفي مصر، ولكن ما يميز العقبة أنها ظهرت بشكل متكامل، يعني المدينة الإسلامية تصميمها واضح في العقبة بشكل كامل غير مدمرة، فظهرت عناصر رئيسية للمدينة الإسلامية في الأسوار والأبراج والشوارع المتقاطعة، حيث تصل داخل المدينة إلى داخل الأمارة، أيضا اكتشف أهم جزء في المدينة وهو المسجد، المسجد كان وظيفته ليس فقط الصلاة في هذه الفترة وإنما أيضا كان لمناقشة الحياة الاقتصادية والحياة العلمية وكان يستقطب علماء وتتم فيه المناظرات الأدبية في كل مناحي الحياة، يعني كان له دور حيوي في حياة الناس.

نلاحظ أجناسا وأعراقا ربما متعددة موجودة في العقبة تختلف عن باقي مدن الأردن ومناطقها، هل هذا يرجع إلى أن هذه المدينة غنية بالتاريخ وانعكس ذلك على وجود أعراق مختلفة وأجناس مختلفة من البشر يقطنونها؟

- هنا نريد أن نعزي السبب إلى موقع العقبة المتوسط ما بين المملكة العربية السعودية حاليا وبين مصر وفلسطين والأردن هي بوابة بلاد الشام، فهذه المناطق هي منذ القدم، والعقبة أخلاط من الناس، وذكرها المقدسي أحد المؤرخين في القرن العاشر، ذكر أن آيلة مدينة على شاطئ بحر الصين الذي هو البحر الأحمر، وأهلها أخلاط من الناس، فكانت هي في كثير من الفترات تحت السيطرة المصرية، وفي فترات كانت تحت السيطرة السعودية أو الحجازية، كانت عقبة الحجاز وأحيانا تسمى بعقبة آيلة السلطان المملوكي، وفيما بعد أصبحت العقبة تابعة للحجاز، حتى بعد دخول الشريف حسين بن علي كانت العقبة تسمى العقبة الحجازية، ومن ثم انضمت إلى شرق الأردن، فلذلك نجد أن هناك بعض الاختلاط في اللهجات، يعني اللهجة خليط من مصر والسعودية ومن جنوب فلسطين. فلهذا أتوقع السبب في موقع البحر الأحمر الاستراتيجي، ولكن هناك سمة مميزة لمنطقة العقبة تتشابه فيها مع مناطق السواحل سواء في اللبس أو في طريقة الحياة البيئية الموجودة فيها تتناسب بجزء أو تتشابه مع بيئات أخرى، مثلا عمان في المناطق التي فيها أهل الساحل حتى الموسيقى حتى بعض رتم الأغاني تتشابه في هذه المناطق لكنها تختلف عن المناطق في الأردن بشكل عام.

مسمى «آيلة» اسم عربي قديم... ماذا يعني؟

- آيلة هي في الواقع جذرها أيل، وأيل هي اسم إله تعني الإله، أو أيل بنت الإله، أو محفوظة من الإله، كانت أيلات وبعد ذلك تطورت في العهد النبطي والروماني أصبحت أيلانوا، ومن ثم في العهد الإسلامي سميت بآيلة، ويقال أيضا رواية أخرى إن آيلة هي آيلة بنت مدين، ولكن رواية تقول هي الأصح لأن الاسم ظهر قبل آيلة مدين.

العدد 2611 - الخميس 29 أكتوبر 2009م الموافق 11 ذي القعدة 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً