العدد 2611 - الخميس 29 أكتوبر 2009م الموافق 11 ذي القعدة 1430هـ

سلوك المرأة العربية أعلى سموّا من حجابها

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

فيما تمسكت النائبة الكويتية أسيل العوضي بموقفها الصحيح عندما أكدت أن أمام مجلس الأمة الكويتي «تحديات كبيرة والكثير من الأولويات المتعلقة بهموم المواطنين ما يتطلب تكاتفنا لبناء مستقبل أفضل»، أصر زميلها النائب محمد هايف على موقفه بإحالة الموضوع «مرة أخرى إلى المحكمة الدستورية لتحكم على ضوء التقارير التي تقضي بوجوب ارتداء الحجاب». وبينما أكدت العوضي أنها «سوف تلتزم بحكم المحكمة الدستورية»، وجدنا هايف يهددها بأن «حكم الله عز وجل أعظم من المحكمة الدستورية، متسائلا ما هي المشكلة في ارتداء الحجاب؟، وما هذا التمرد على شرع الله عز وجل؟».

من الخطأ انجرار برلمان مثل مجلس الأمة الكويتي، إلى نقاش موضوعات هامشية مثل «حجاب المرأة»، وهو يحمل على كتفيه تاريخ عريق من نقاشات ساخنة تناولت ملفات استراتيجية معقدة مست قضايا مصيرية من مستوى «الموقف من تأميم النفط»، و «صلاحيات السلطة التنفيذية عند التصرف في إنفاق المال العام»، و «حدود حقوق الأسرة الحاكمة وحجم مخصصاتها المالية»... إلخ، من تلك النقاشات التي رفعت من مكانة ذلك البرلمان إلى مصاف السلطات التشريعية العاملة في مجتمعات متقدمة مثل المجتمعات الأوروبية.

أكبر خطأ يمكن ارتكابه اليوم عند معالجة موضوع مثل تفاصيل حجاب المرأة، هو الخلط التعسفي بين القضايا الدينية والموضوعات السياسية المعاصرة، من أجل زج الدين في السياسة، وهذا ما تحاول الكثير من القوى السياسية اليوم الاستفادة منه. لذلك فليس القصد هنا الدخول في اجتهادات فقهية في هذه المسائل، وبالقدر ذاته، ليس بيت القصيد من وراء تناول ما دار من جدل بشأن «تحجيب النائبة الكويتية»، الوصول إلى مدى اقتراب الموضوع أو ابتعاده عن المسالك الدينية، فجوهر خلفيات الموضوع وتداعياته، كما هي عليه اليوم، تعود إلى صراعات سياسية تحاول تجيير الدين الإسلامي لخدمة مصالحها السياسية. لكن، وطالما طفت على السطح خلافات حول هذا الموضوع، فلابد من تسليط الضوء على المسائل التي يثيرها.

أول القضايا التي تثيرها هذه «الزوبعة الحجابية» الكويتية هي لماذا لا نكف عن الحديث عن حشمة الأزياء النسائية ولا نتطرق إلى عدم حشمة بعض الملابس الرجالية. فمن باب العدالة والمساواة، وطالما الحديث يشمل المجتمع برمته، أن نطالب الرجل بالتقيد بارتداء ما هو محتشم، كما تقتضيه أحكام الشريعة. فما يكشفه بعض «الذكور» اليوم يكشف جزءا غير صغير من المساحة الجسدية الذكورية الواقعة بين «سرة الرجل وركبته»، وهي المنطقة المطلوب «سترها». هذا إن أراد النائب هايف أن يكون عادلا وأمينا مع الإنسان من الجنسين، وألا يقصر دعوته للاحتشام في البرلمان فحسب بل يوسع من نطاقها كي تشمل المجمعات التجارية والسواحل البحرية التي يؤمها المواطنون من الجنسين. ونأمل أن لا يستنتج القارئ من هذا الكلام دعوتنا لتوسيع نطاق دعوات «التحجيب» كي تشمل الرجال أيضا، فالمقصود هنا هو تجسيم حجم القمع الذي مازلنا نمارسه بحق المرأة في مجتمعاتنا، حيث لا نكف عن وضع العراقيل في طريقها الواحد تلو الآخر، وكأنما خلق الرجل كي لا يمس سلوكه، ولا يجري الحديث عن مثالبه، بينما لا تكف الجهود من أجل الانتقاص من دور المرأة وتقزيم مساهماتها في بناء الأسرة وتطوير المجتمع، وهو ما تطمح للقيام به سوية مع رفيقها الرجل، شريطة أن تكون على قدم المساواة معه في الحقوق والواجبات. ولربما وجدنا بعض الرجال، والنواب منهم لا يشكلون حالة استثنائية، تحكم سلوكهم الغيرة من الإنجازات التي حققتها بعض النساء، ولا يجدون وسيلة، للانتقاص من تلك الإنجازات، أسوأ من الإنتقام من المرأة بالعودة إلى قضايا هامشية مثل الحجاب، لإرضاء غرورهم أو للتشفي من المرأة ذاتها التي لم تعد، كما يريد لها بعض الرجال، عاجزة عن تحقيق ما يتوهمون أنهم لا يزالون وحدهم قد اصطفوا للتفرد به.

وللعلم بالشيء فقط، تتجاوز نسبة النساء من مستخدمي الإنترنت نظراءهن من الرجال، إذ تبلغ نسبة مستخدمات الإنترنت نحو 53 في المئة من إجمالي المستفيدين من خدماتها. وتتشكل هذه النسبة من نساء محجبات وأخرى سافرات، حيث لم تضع شركات الإنترنت لمشتركيها شروطا مثل التي يطلبها هايف من أسيل العوضي ورولا دشتي.

وطالما نحن في سياق الحديث عن الحجاب، فلابد من الاتفاق على أن ملاءمة ما يرتديه الإنسان، ذكرا كان أم أنثى، مسألة نسبية تحكمها قوانين المكان والزمان وذوق المرتدي على حد سواء. فما يناسب البرلمان من ملابس قد تصبح غير ملائمة في الحفلات أو في أماكن قضاء الإجازات أو عند التسوق، كما أن ما يُرتدى في فصل الشتاء في الدول الباردة يتحول إلى ملابس خانقة إذا استخدمها الإنسان ذاته في أصياف بلدان المناطق الحارة، وما يناسب الذوق الهندي قد يستفز نظر الإنسان الإفريقي، كما تبدو الملابس الملائمة للأجسام السمينة مضحكة عندما يرتديها النحفاء.

باختصار شديد الملابس واختيارها مسألة شخصية وذاتية لا يحق لأحد بالتدخل فيها طالما التزم صاحبها بالعقد الاجتماعي الذي ينظم علاقاته بالمجتمع الذي يعيشه أو يؤمه.

وحيث أن الحديث يغطي ساحة البرلمان الكويتي، فكم كان حريّا بالنائب هايف أن ينازل رولا وأسيل في موضوعات أكثر أهمية من الحجاب، لعل أكثرها حضورا هي، مدى قدرة النائبات الكويتيات على - ونجاحهن في - لفت أنظار مجلس الأمة وأعضائه إلى قضايا تمس المرأة ذاتها وجوهر سلوكها النيابي من مستوى: مساواتها في الأجور عند القيام بالأعمال ذاتها التي يؤديها الرجال، أو فتح الأبواب أمامهن لشغل وظائف هي ما تزال اليوم حكرا على الرجال، أو توفير الأجواء والظروف الملائمة التي تمكن المرأة من أداء مهامها النيابية دون التفريط في مسئولياتها الأسرية... القائمة طويلة ولا يشكل ما أشرنا إليه أكثر من الكتلة الصغيرة البيضاء العائمة التي تخفي تحتها جبالا شاهقة من الثلوج.

وإلى أن يقتنع هايف بهامشية ما أثاره، تواصل المرأة الكويتية، كسواها من بنات جنسها العربيات، نضالها من أجل انتزاع المزيد من المكاسب التي من شأنها المساهمة في تطوير المجتمعات العربية وتقدمها، وفي خضم ذلك تحافظ المرأة على سلوكها المسئول الراقي الذي يتفوق على موضوعات مثل الحجاب، ويسمو عليها.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2611 - الخميس 29 أكتوبر 2009م الموافق 11 ذي القعدة 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 7 | 8:50 ص

      وهذه القصة يعرفها البعض ولكن يجهلها الكثير ....

      قصة مديرة إدارة الموارد المالية في وزارة الأشغال حيث كان الوضع قبل مجىء المدير أيام مسئولها السابق لم تكن تلتزم بالحضور حسب ساعات الدوام الرسمي كما أن لا يوجد تقييم لمدى فاعليتها وإنتاجيتها حسب ساعات العمل وعند مجىء المدير الجديد وعند تلاقي المصالح وقصة شيلني واشيلك والروابط والأواصر المفعمة وخاصة عندما تتدخل أكسير ( الحميمة) وعندما تم تمنيتها ومنحت صلاحيات كبيرة جدا قبل قرار إداري كبير لتعيينها في ظل تفعيل الإستراتيجيات الخاصة وعلى وزارة الأشغال تقديم إعتذار رسمي على تعيين تلك الشاكلة كمديرة.

    • زائر 4 | 4:12 ص

      اتمنى ان يفهم الناس كلامك

      ولاينظرون للظاهر فقط!! او يحكرون المراة في وظايف معينة!! هذا الفكر الطالباني-الخميني هواللي دمرنا!!

    • زائر 3 | 3:53 ص

      بوركت يدك ياستاذ" الرجاء نشر التعليق"

      وأزيدعلى كلامك بالقول ان حتى شرف المرا’ة لا يختزل في حجابها" كما ايروج بعض الطلاميين" للاسف!! شرفي كأمراة هو اخلاقي ولعاقتي الخاصة بيني وربي وتعاملي مع الناس وشهامتي وصدقي كما الرجل بالضبط!! اليس شرف الرجل كلمته!! شهامته!! اخلاقه!! تعامله مع الناس!! شرفي ليس جسدي ياسادة!! وان كنتم تريدون ذلك فليكن هو شرف الرجل ايضا!!

    • زائر 2 | 3:23 ص

      المرأـة مضطهدة في الكويت والبحرين بعد

      وفي الخليج بأسرة!! لماذا لم تدخل المراة البرلمان بالتصويت؟؟ لماذا هذه النظرة الدونية لها؟؟ اليست كفأ لشغل هذا المنصب؟؟ ماذا فعل حضرات النواب الرجال الاشداء خلال الفترتين الماضيتين؟؟ انظرو الى النساء الرائدات في البحرين من جيل السبعينات في كل الاعمال سواء تطوعية او سياسية الخ!! السبب للاسف هو التيار الديني ....الذي ظهر على الساحة بعد الثورة الايرانية واعاد البحرين 100 عام الى الوراء!! لم يعد العقل يحكم بل الملا الذي غسل عقول الرجال وحتى بعض النساء للاسف!!

    • زائر 1 | 12:33 ص

      المرأة ريحانة

      ياأستاذ أنت أعرف من غيرك بوجوب لبس المرأة للحجاب وليس هناك إجتهادات في ذلك بل كل طوائف المسلمين شيعة وسنة يحرمون كشف شعر المرأة. وبما أن البرلمان هو بيت التشريع فكيف لمن يشرع للناس لايكون متشرعا؟! ثم أضحكتني مقولتك "فتح الأبواب أمامهن لشغل وظائف هي ما تزال اليوم حكرا على الرجال" فتبادر إلى ذهني مثلا أن تعمل المرأة (سائقة تريلة)!! تخيل منظر أم العيال وهي تسوق تريلة Mack أو TATA!! بصراحة المدام مريحتني حتى وظائف الحريم ماتبغي تشتغلها .. صايرة بيتوتية حدها!!

اقرأ ايضاً