العدد 322 - الخميس 24 يوليو 2003م الموافق 25 جمادى الأولى 1424هـ

عبدالناصر ومقاومة الاستعمار

في ذكرى 23 يوليو

عبدالله سعد الحويحي comments [at] alwasatnews.com

عندما قامت ثورة 23 يوليو/ تموز 1952م كانت غالبية الوطن العربي ترزح تحت الاستعمار سواء الإنجليزي أو الفرنسي في كلٍ من مصر، السودان، العراق، اليمن الجنوبي، الجزائر، تونس، ولم يمت عبدالناصر وينتقل إلى الرفيق الأعلى إلا وهذه البلاد قد تحررت. ويرجع الفضل في ذلك إلى الدور الذي قام به عبدالناصر بدعم حركات التحرر في هذه الدول سواء الدعم الإعلامي أو السياسي بل والعسكري، حتى تحررت هذه الدول. ومن سخريات القدر أننا نحتفل هذه الأيام بذكرى قيام ثورة 23 يوليو والاستعمار القديم بدأ يعود من خلال الاستعمار الانجلو - أميركي للعراق عاصمة الخلافة الراشدة. تمر علينا ذكرى 23 يوليو، هذه الثورة التي ضربت لنا وبقيادة الزعيم جمال عبدالناصر أروع المثل في مقاومة الاستعمار بأنواعه وتلاوينه كافة سواء البريطاني أو الفرنسي أو الأميركي ونحن اليوم بحاجة إلى أن نستذكر تلك المواقف والمشاهد التي وقفها عبدالناصر ومعه الشعب العربي من الخليج إلى المحيط في مواجهة الاستعمار حتى استطاع أن يحقق الكثير من الانتصارات. لقد أدرك عبدالناصر كما أدركت الأمة التي اختارها الله سبحانه وتعالى لنقل رسالة الإسلام أن الحرية والكرامة هما المقومين الأولين لنشر الرسالة؛ لذلك كان الجهاد والكفاح وتقديم التضحيات... وأن تتحرر حتى تكون جديرة بحمل هذه الرسالة إلى العالم أجمع. ونحن عندما نستذكر هذه المواقف والمشاهد في تاريخنا الحديث فإننا نقدمها بشكل رئيسي إلى أبنائنا وبناتنا الذين يعيشون فترة التحرر والكرامة في تاريخنا العربي فإننا نتذكر قول القائد «ارفع رأسك يا أخي لقد ولى عهد الاستعمار» هذه المقولة التي نحتاج إليها اليوم في مواجهة القطرية الأميركية والصهيونية سواء في أرض فلسطين السليبة التي ينكل بشعبها العربي المسلم كل يوم من دون أن تنتفض هذه الأمة دفاعا عن الشرف والكرامة المهانة أو في العراق أو أفغانستان. إلى أبنائنا وبناتنا الذين عهد البعض إلى تشويه صورة النضال الذي خاضه الشعب العربي لديهم، وبقيادة عبدالناصر حتى تحررت الجزائر والعراق واليمن الجنوبي وتونس والسودان من الاستعمار الذي أكل خيرات شعوبنا، والذي يعيد الكرة هذه الأيام مبتدئا بالعراق بغرض الهيمنة على النفط العراقي وتأمين الكيان الصهيوني في منطقتنا العربية، والذي زرع في خاصرة الأمة ليكون القاعدة المتقدمة للاستعمار. وإننا عندما نتذكر مواقف عبدالناصر والثورة على الاستعمار فليس ذلك بغرض اجترار الماضي ولكن بغرض الدراسة وأخذ العبر والتأسي بها لحاضرنا ومستقبلنا بعد أن عاد الاستعمار من جديد إلى منطقتنا العربية. لقد استطاع عبدالناصر أن يلقن الاستعمار دروسا لن ينساها وستظل صفحات مشرقة من تاريخنا العربي الإسلامي الحديث وإن من أهم هذه المواقف:

اتفاق الجلاء

عندما قامت الثورة العام 1952م كان على أرض مصر حوالي 80 ألف جندي بريطاني بمنطقة بورسعيد وعن طريقهم كان السفير البريطاني يدير دفة الحكم قبل قيام الثورة إذ يقيم وزارات ويسقط وزارات. ولقد وضعت الثورة على رأس أهدافها الستة التي قامت من أجلها هدفا هو «القضاء على الاستعمار وأعوانه» وإخراجه من أرض مصر حتى تستطيع أن تتحرر؛ لذلك بدأت في الحوار مع الانجليز بطلب الخروج من مصر وإنهاء الاتفاقات المكبلة لحرية الوطن، وإنه في الوقت الذي كانت المفاوضات مستمرة كانت العمليات الفذائية والمقاومة قائمة في منطقة وجود الجيش البريطاني حتى وجدت بريطانيا نفسها مجبرة بتوقيع اتفاق الجلاء في أبريل/نيسان 1956م ولم تخرج بريطانيا رغبتاة بل مجبرة وبذلك حصلت مصر على حريتها وكان هذا هو الدرس الأول للاستعمار: بالإرادة والمقاومة تم خروج الاستعمار البريطاني.

تأميم قناة السويس

أما الدرس الآخر لمقاومة الاستعمار فهو معركة تأميم قناة السويس. لقد كانت الشركة البريطانية الفرنسية التي تدير القناة حكومة في وسط حكومة، وقد كانت شركة القناة مملوكة بالكامل لبريطانيا وفرنسا على رغم أنها في مصر وبنيت بأيدي الشعب المصري الذي قدم أكثر من 120 ألفا ماتوا في عمليات حفر القناة، وقد انطلقت فكرة تأميم القناة عندما فكرت الثورة بأهمية بناء السد العالي بغرض توسيع الرقعة الزراعية في مصر وإنتاج الطاقة الكهربائية لإدارة حركة الصناعة، وقد أدركت أميركا وبريطانيا هذا الهدف الذي سيساعد في تقدم مصر الاجتماعي والاقتصادي، وقد تقدمت مصر بطلب المساعدة من كل من بريطانيا وأميركا والبنك الدولي لإقراضها لأجل بناء السد، وقد تظاهرت كلتا الدولتين بالموافقة ولكنهما أخذتا في التسويف والمماطلة بهدف إثناء مصر عن القيام بهذا المشروع. وعندما فشلوا عن إثنائها عن ذلك وبعد جميع الشروط التي وضعها البنك الدولي بغرض استعمار مصر عن طريق السد كما استقرت في السابق عن طريق القناة قاموا بسحب أشكال الدعم كافة وقرض البنك الدولي، عندها فكر عبدالناصر في وسيلة أخرى لتمويل بناء السد، وكانت فكرة تأميم قناة السويس هي المخرج من شركة فرنسية انجليزية يبلغ دخلها السنوي في ذلك الوقت 100 مليون دولار. وأعلن التأميم في 26 يوليو 1955م واستطاع من خلاله تأمين تمويل بناء السد العالي وإخراج بقايا الاستعمار من مصر، وقد كان تأميم القناة الضربة الثانية للاستعمار.

حرب العام 1956

وردا على تأميم عبدالناصر لقناة السويس والذي جاء بناء على القانون الدولي في حق الدول في تأميم ممتلكاتها فقد هاجت بريطانيا وفرنسا. لقد كانت مصر مثل البقرة الحلوب عن طريق استغلال مداخيل قناة السويس إلى جانب التحكم في أهم ممر يجري في العالم، لذلك قامت كل منهما بالتهديد والوعيد لمصر، كما تم فرض الحصار الاقتصادي عليها وتم شن حرب إعلامية كبيرة ثم قاموا بالمطالبة بوضع قناة السويس -التي هي جزء من الأرض المصرية - تحت الوصاية الدولية وتم رفع المشروع إلى الأمم المتحدة التي رفضت هذا الاقتراح، ثم قامو بتوجيهه إنذار إلى عبدالناصر بقبول مطالبهم أو احتلال القناة بالقوة المسلحة، ثم قاموا بالتواطؤ مع الكيان الصهيوني ليقوم بمهاجمة مصر لإيجاد الذريعة لهم للتدخل العسكري، وقد رفض عبدالناصر الإنذار ووقف الشعب العربي معه كله، وخاض عبدالناصر حربا سياسية ودبلوماسية ضد العدوان الثلاثي المكون من بريطانيا وفرنسا مع الكيان الصهيوني، حتى اضطرت هذه الدول إلى سحب قواتها من الأرض المصرية وعادت قناة السويس شركة مصرية خالصة وكانت هذه اللطمة الثالثة للاستعمار.

4 - إسقاط حلف بغداد

وبعد الفشل الذريع الذي منيت به بريطانيا في هذه الحرب بدأت التفكير في إنشاء حلف عسكري في المنطقة بهدف تطويق عبدالناصر، بعد أن أخذت أفكاره في الوحدة العربية والتحرر الوطني تؤثر على الشعوب العربية والإسلامية؛ لذلك قامت بطرح مشروع حلف بغداد الذي ضم بالإضافة إلى العراق إيران وباكستان وتركيا بزعامة بريطانيا، وقد شن عبدالناصر حربا سياسية ودبلوماسية ضد هذا الحلف الاستعماري ووقف الشعب العربي معه في هذه المعركة حتى استطاع أن يفشل هذا المشروع ويسقطه، وليخرج بريطانيا من المنطقة العربية بشكل كامل لتتحول إلى دولة من الدرجة الثانية بعد أن كانت بريطانيا العظمى التي لا تغيب عنها الشمس. لقد استطاع عبدالناصر أن يسجل الانتصارات على الاستعمار بفضل الإدارة والإيمان بقدرة هذا الشعب العربي العظيم في تحقيق طموحاته في التحرر والعدالة والوحدة. نحن أمة تؤمن بالسلام وتطالب بالحرية ولكن «طالما كان هناك استعمار لا يمكن ان يكون هناك سلام» - من اقوال جمال عبدالناصر.

ونحن عندما نستذكر هذه المواقف التاريخية للعبرة لنضعها أمام أمتنا وشعبنا العربي لتستلهم هذه التجارب مؤكدين أن الشعب إذا أراد الحياة فلابد أن يستجيب القدر

العدد 322 - الخميس 24 يوليو 2003م الموافق 25 جمادى الأولى 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً