العدد 325 - الأحد 27 يوليو 2003م الموافق 28 جمادى الأولى 1424هـ

حديث الجثتين بالعربي والعبري... صور النصر أم حقيقة سياسية؟

آمنه القرى comments [at] alwasatnews.com

.

الصور التي عرضتها قوات الاحتلال الأميركية في العراق لجثتي عدي وقصي نجلي الرئيس العراقي صدام حسين كي تقطع الطريق على المشككين في رواية قتلهما قبل يومين في منزل كانا يختبئان فيه في الموصل شمال العراق، وكي تؤثر على معنويات منفذي الهجمات على القوات الأميركية بوتيرة تصل أحيانا إلى 12 هجوما يوميا. لكن الصور لم تمنع الهجمات، فقبل ساعات من عرضها قتل ثلاثة جنود أميركيين من الفرقة (101) المحمولة جوا في كمين نصب لقافلة قرب الموصل، وهي الفرقة التي شاركت في قتل عدي وقصي. وفي ظل صمت عربي، إذ لوحظ ان أي رد رسمي لم يصدر من العواصم العربية، اعتبرت غالبية الصحف العربية، عرض صور الجثتين، استغلالا للنصر الذي حققته الولايات المتحدة بمقتل عدي وقصي، الذي يتيح العودة إلى التركيز على فظائع النظام السابق لاستيعاب الانعكاسات السلبية للمأزق الذي دخلته الولايات المتحدة ومعها بريطانيا طوني بلير، في العراق، والمساءلة التي يفرضها هذا المأزق على الصعيد الداخلي.

وهذا ما فعله تحديدا نائب الرئيس الأميركي ديك تشيني، حين اعتبر تجاهل التهديدات التي كان يشكلها صدام حسين عملا «غير مسئول». وأوضح - في محاولة للدفاع عن إدارة بوش التي تتزايد الضغوط عليها - انه لو لم تشن الولايات المتحدة الحرب على العراق لكان «صدام حسين وابناه لايزالون في السلطة، وغرف التعذيب لاتزال موجودة، والمقابر الجماعية غير مكتشفة ولكان العراق لايزال ملجأ للإرهاب».

وباستثناء الصحف الكويتية التي تكررت على صفحاتها الأولى عبارة ان وزارة الدفاع الأميركية قطعت الشك باليقين حين عرضت صور القاتلين القتيلين. ولفتت «الرأي العام» الكويتية إلى ان «آخر الكلام صورة» لتثبت للعراقيين المتشككين ان «القاتلين» قتلا.

اعترضت صحف عربية عدة منها «القدس العربي» الفلسطينية و«الوطن» القطرية على بث الإدارة الأميركية صور جثتي عدي وقصي، وأجمعت على انها تضع الأميركيين في حرج كبير، بل وفي قفص الاتهام بأنهم يخرقون المعاهدات الدولية... واستنتجت «الوطن» السعودية من ذلك ان النظام الدولي الجديد يقوم على مصادرة حقوق ومنح حقوق والتلاعب بها وخرق المعاهدات أو الالتزام بها وفق ما تتطلبه مصلحة القوي وبما يخدمه من دون أي اعتبار للمعايير الدولية وحقوق الدول والشعوب الأخرى التي قد تتعرض لحرب لا هوادة فيها تحت مبرر «خرق القوانين الدولية».

وفيما أكدت الصحيفة السعودية ان «المقاومة ليست رهينة لأحد» في إشارة إلى ان المقاومة العراقية ستتواصل على رغم الجثتين. رأت «الوطن» القطرية ان تصفية عدي وقصي تشكل فرصة لقوات «التحالف» لصرف الأنظار عن مشكلات العراق الكبيرة، فالمطارَدون من قيادات النظام السابق سائرون نحو الأسر أو القتل، ولكن ماذا عن العراق ذاته؟ معتبرة ان تصوير الإعلان الأميركي لقتل عدي وقصي على انه تخليص للعراقيين من مشاكلاتهم ليس صحيحا على الإطلاق، ففي قتلهما تخليص جزئي للولايات المتحدة وبريطانيا من مشاكلاتهما السياسية المتعلقة بشرعية شن الحرب على العراق. وهذا ما لفت إليه عنوان افتتاحية «النهار» البيروتية إذ لاحظ ان «واشنطن كسرت تقاليدها» لكن كي تقطع الطريق على المشككين في رواية قتلهما... في إشارة إلى القرار الذي اتخذته وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) في اجتماع مغلق إذ جرى البحث في ما إذا كان يمكن أو يجب خرق أحد أهم المعايير الأخلاقية الأميركية والسماح بنشر صور جثتي عدي وقصي صدام حسين.

وانتهى خلاله المجتمعون إلى اتخاذ قرار بإجازة النشر، لإقناع العراقيين بأن نجلي الرئيس العراقي السابق قُتلا فعلا، وخصوصا أن الثقافة العربية والإعلام العربي لا يمانعان عرض الجثث. واعتبر عبدالباري عطوان في «القدس العربي» الفلسطينية ان مقتل نجلي الرئيس العراقي بهذه الصورة الإجرامية البشعة لا يختلف إطلاقا عن الطريقة التي كان يتم فيها قتل معارضي النظام السابق، مع الفارق ان هذه الإدارة تدعي التحضر والديمقراطية والعدالة المطلقة. وختم ساخرا ان الإدارة الأميركية قد تنتقل الآن لتعرض لنا أفلاما عن فجور بعض الأمراء، وقصورهم الفارهة، ولياليهم الحمراء والصفراء في أوروبا والجزيرة العربية. ورأت «السفير» اللبنانية ان الإدارة الأميركية أقدمت على خطوة غير مألوفة، عندما نشرت صور جثتي عدي وقصي في محاولة للتباهي بقوتها العسكرية، ولرفع معنويات قواتها، وإقناع العراقيين الذين لم تتبدد شكوكهم على رغم مشاهدتهم لجثتي القتيلين على شاشات التلفزة. وإذ أكدت «السفير» ان العراقيين لم يكونوا ليبكوا دما حزنا على «فقيدي الشباب» بل زاد حزنهم بعد عملية الاغتيال هذه على بلادهم العظيمة التي تمتهن كرامتها، وعلى أنفسهم وهم متروكون لريح الاحتلال الأميركي بلا معين أو ملجأ أو نصير. ولاحظت «المستقبل» اللبنانية ان «واشنطن تحاول إثبات نصرها» وبلغ التشكيك الذروة في «مانشيت» «الكفاح العربي» اللبنانية إذ سألت بالخط العريض «لمن هذه الصور؟»، فبعد أن زعمت سلطات الاحتلال ان الجثث متفحمة ولا يمكن عرضها، عادت لتنشر صورا قالت إنها لولدي صدام وذلك في محاولة لإقناع الشارع العراقي بأنهما قتلا، ما أدّى - بحسب ملاحظة «الكفاح العربي» - إلى صدمة في الشارع العربي ترافقت مع موجة من التشكيك في صحة الصور التي تظهر عدي وقصي في حال غير واضحة. وبينما أبرزت «الشرق الأوسط»، «احتمال انتحار عدي برصاصة في الرأس»، رأى غسان شربل في «الحياة» اللندنية ان صورة جثتي عدي وقصي لا تكفي لخفض الهجمات أو لاخفاء المأزق.

جثة صدام نفسه لن تكفي. والإشارة إلى استعداد للقبول بدور أكبر للأمم المتحدة لن تكفي هي الأخرى. فالمهمة تبدو باهظة بشريا وماليا. لافتا إلى ان خفض الخسائر يستلزم تغييرا في الرؤيا وخفض التوقعات والآمال. معتبرا ان منقذي العراق من صدام حسين يحتاجون إلى ما يشبه الإنقاذ، والجثث العائدة إلى الولايات المتحدة لن ترحم من أرسلوا الجنود. جثتا عدي وقصي لا تكفيان لحجبها. وخلص شربل، إلى إنه مأزق الانتصار الفاحش، تعميقه ينذر بزعزعة واسعة لاستقرار المنطقة.

الانسحاب الفوري غير وارد. لابد من «خريطة طريق» للخروج من المأزق. ولابد من دفع الثمن لإشراك المنظمة الدولية ولإشراك العراقيين. ورأى ساطع نورالدين في «السفير»، ان الإهانات القاسية التي وجهتها الولايات المتحدة إلى الإعلام العربي وإلى القيم الثقافية العربية، تستحق التوقف عندها، لأنها ليست مبنية على العداء فقط، وليست بعيدة عن النفاق أيضا، وتثير إشكالية عربية جدية. لكن نورالدين، اعتبر ان الغريب هو ان كاميرات السينما الأميركية كانت ولاتزال تتقصّد تسليط الضوء على أبشع مشاهد القتل وأشدها إثارة للتقزز والغثيان إلى حد فرض على معظم بلدان العالم المتحضرة وغير المتحضرة منع عرض أعمال بعض المخرجين والممثلين الأميركيين، الذين استمد منهم أسامة بن لادن فكرة هجمات 11 سبتمبر/ أيلول، كما يُقال. لذلك يبدو قرار الإعلام الأميركي بعدم نشر صور الجثث، استثناء للقاعدة الثقافية الأميركية، يمكن تقليده أيضا، مثلما يجري تقليد أسوأ التشوهات في المجتمع الأميركي.

ولم تغب عن الصحف العبرية، مسألة مقتل عدي وقصي، وتوقع تسفي برئيل في «هآرتس»، أن تتطلب العملية الناجحة التي أسفرت عن مقتل نجلي صدام حسين، بعض الوقت قبل أن يعي الشعب العراقي بأنها حقيقة سياسية. لافتا إلى ان معظم العراقيين على رغم تهليلهم، مازالوا ضمنيا خائفين من صدام، الذي لم يتم اعتقاله حتى الآن. وشدد برئيل، على ان مقتل هذين الرجلين، لن يضع حدا للمقاومة العراقية، ذلك ان لدى مقاومي الاحتلال الأميركي للعراق دوافع معينة لا علاقة لها بمصير النظام العراقي السابق. وأوضح برئيل ان قيام «جيش المهدي»، برئاسة القائد الشيعي مقتدى الصدر، لم يكن حبا في صدام. كما ان المجموعات الدينية التي تلوح بأعلام حزب البعث ترغب في قيام ثورة، كما ترغب في استمرار العمليات ضد الأميركيين. واعتبر الكاتب الإسرائيلي ان تطهير العراق من ناشطي النظام العراقي السابق لن يدفع الشعب العراقي إلى تقبل الاحتلال الأميركي، وخصوصا أن معظم العراقيين لم يلاحظوا أي تحسن سواء من الناحية الاقتصادية أو الخدمات الاجتماعية. وختم برئيل بالقول إن ثمة مشكلات كثيرة تعيق قدرة الولايات المتحدة على العمل بفعالية في العراق. معتبرا ان هذه المشكلات لا يمكن أن تحل بمجرد عرض صور قصي وعدي ميتين

العدد 325 - الأحد 27 يوليو 2003م الموافق 28 جمادى الأولى 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً