العدد 356 - الأربعاء 27 أغسطس 2003م الموافق 29 جمادى الآخرة 1424هـ

الحوار الوطني... طريق إلى الوحدة

سلمان عبدالحسين comments [at] alwasatnews.com

كاتب

«الحوار : كلمة تقولها... وكلمة تسمعها !»...

شاع في العصر الحديث تخصص يعتبر فنا من فنون العلاقات العامة بين الأفراد والجماعات، ذلكم هو فن الحوار، وأنشئت لدى المؤسسات العلمية أجهزة متخصصة لتعليم هذا الفن الذي يمكن أن توصف المسئولية الأساسية فيه بأنها حسن الاتصال بالآخرين للاتفاق على مسألة، أو إقناع برأي، أو تصحيح فكرة، أو التمهيد لقضية. فالحوار نوع من الكلام بين شخصين أو فريقين (أو أكثر) ، يتم فيه تداول الكلام بطريقة متكافئة، فلا يستأثر به أحد من دون الآخر، ويغلب عليه الهدوء والبعد عن الخصومة والتعصب. وعليه، فإنه من الأهمية بمكان أن ترسخ على أرضيتنا وأن تتأصل في أذهاننا القناعة بأهمية مثل هذا الحوار باعتباره مدخلا يلج فيه كل من أراد بصدق أن يكون لبنة في بناء الوحدة الوطنية الشامخ الذي نسعى لتحقيقه، والذي بات الشغل الشاغل للجميع من دون استثناء. ولا شك أن لهذا الحوار الوطني قواعد وآدابا ينبغي مراعاتها ولا تجنى الثمار من دونها.

وأول هذه القواعد، القناعة بأهمية الحوار الوطني، وأنه ما من سبيل حضاري لتحقيق الوئام المجتمعي والوحدة الوطنية الحقيقية غير هذا السبيل.

ولن تبدأ عملية الحوار الوطني بدايتها الصحيحة، ولن تتحلى بالاستمرارية إلاّ إذا اتصفت جميع الأطراف بالصدق والإخلاص والجدية. أما الأنانية، وتبييت النية السيئة، ومحاولات الهيمنة، وتهميش الآخر فلم ولن تكون في يوم من الأيام من مرتكزات الحوار أي حوار.

ولابد لجميع أطراف الحوار أن تبحث عن الهموم والاهتمامات المشتركة، والعوامل الموحّدة، فهذا من أساسيات الحوار. وإنّه من المكابرة بمكان الادعاء بعدم وجود أرضية مشتركة بين أتباع التيارات المختلفة التي أصبحت واضحة الوجود في المجتمع. ولنعي جميعا أن وجود قواسم مشتركة وأفكارا متوافقة، بالإضافة إلى أخرى متضادة سنة من سنن الله التي فطر الناس عليها. فلا سعي للهيمنة على الآخر، ولا إلغاء أو تجاهل لأحد، ووجود شيء من التباين بين أطراف الحوار الوطني لا يفسد للودّ قضية طالما أن الهدف المشترك هو مصلحة الوطن، والمهم هو ألاّ يسعى أي طرف من الأطراف، مهما عظمت ثقته في نفسه، إلى أن يقلب ساحة الحوار الوطني إلى سباق يجري فيه حصان واحد! وعندما يلتقي أصحاب الأفكار المختلفة فلابد أن يكتشف الجميع وجود أفكار مشتركة. ولئن كان مأزق اليسار (بتعبير عبدالله العباسي في «الوسط» بتاريخ 17/8/2003) يكمن في خطابه الثقافي المتعالي، وعدم محاولته تطوير آليات التعامل مع الشارع، فإن مأزق بعض التجمعات الإسلامية يكمن في محاولة السيطرة على الشارع بطرق لا تتماشى مع روح الوحدة والحوار، ومحاولتها تسييس حتى الحوادث ذات الطابع الاجتماعي البحت.

وشمولية الحوار أيضا أساس من أسس إنجاح الحوار الوطني. وتعني الشمولية هنا طرح ومناقشة جميع الأمور الرئيسية، ومختلف القضايا الوطنية. كما تعني شمولية الحوار اشتراك جميع الأطراف والمواقع فيه، فهناك الحوار بين القيادة وقطاعات الشعب المختلفة، وهناك الحوار بين الأطراف والتيارات والجمعيات المختلفة، بل وهناك الحوار الداخلي بين أفراد التكتل السياسي الواحد.

ومن المهم ألاّ تنسى الأطراف المتحاورة أن لهذا الوطن العزيز ثوابت هي بمثابة الأمن المكين والحبل المتين لأبنائه، فنسعى جميعا لتحقيق تطلعاتنا في ظل الالتزام الإسلامي الذي هو المفخرة الأولى لهذا الوطن... وفي ظل الانتماء العربي الذي هو من معالم هذا الوطن... وفي ظل فلسفة التعايش والتمدن القائمة منذ أجيال والتي هي صمام الأمان لهذا الوطن.

وأما بالنسبة إلى موضوع التقارب المذهبي، باعتباره شأنا وطنيا مصيريا، وحتى لا تأخذنا الأماني لتحلق بنا في عالم المثل بعيدا عن أرض الواقع، نقول ان التقارب بين المذهبين، وخصوصا أبناء وأتباع التيار الإسلامي في الجانبين ينبغي أن يرتكز على نقاط مهمة، أولها ان مجالات الاتفاق بين الجانبين كثيرة فينبغي أن تستثمر لتصب في وعاء الوحدة الوطنية. وأن نقاط الخلاف موجودة أيضا، فليتزود الطرفان بعدة «فقه الاختلاف»، وأن يتذكر الجميع أن هذا التيار الذي يمثلانه (التيار الإسلامي بشقيه) هو التيار الأكثر قبولا، والأوسع انتشارا بين أبناء الوطن ، فليتم استثمار هذه الشعبية لصالح التقارب، بالتركيز على المصالح المشتركة والمصير الواحد، خصوصا في ظل الهيمنة الأميركية على العالم العربي كله! أما استيراد الضغائن والأحقاد من الماضي السحيق وتعميمها على جموع الناس فلا يؤدي إلاّ إلى التباعد والتناحر.

وليتذكر الإسلاميون أن الساحة تمتلئ أيضا بتيارات أخرى، تتوزع بين اليمين واليسار، وتهيمن عليها أفكار علمانية وليبرالية متنوعة، ويتبنى أتباع هذا التيارات أطروحات قد تتنافى مع بعض ما يطرحه التيار الإسلامي، وعلى كل من لا يقبل هذه الأطروحات أن يتصدى لها بالفكر واليراع، لا بالسيف والسنان، فهذا من لوازم الديمقراطية. ولكن نذكّر الجميع بطبيعة الحال أن للأمة مقدسات تعض عليها بالنواجذ، ولا تقبل من أحد - كائنا من كان - أن يتعرض لهذه المقدسات، فدين الأمة رأسمالها

إقرأ أيضا لـ "سلمان عبدالحسين"

العدد 356 - الأربعاء 27 أغسطس 2003م الموافق 29 جمادى الآخرة 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً