العدد 359 - السبت 30 أغسطس 2003م الموافق 03 رجب 1424هـ

ما الفرق بين القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان؟

منعا لخلط المفاهيم

هناك من لا يميز بين القانون الدولي الانساني والقانون الدولي لحقوق الانسان، خصوصا عند غير المختصين أو المهتمين بقضايا حقوق الانسان، فالقانون الدولي الانساني هو فرع من فروع القانون الدولي العام تهدف قواعده حماية الاشخاص المتضررين في حال نزاع مسلح بما انجر عن ذلك النزاع من آلام. كما تهدف الى حماية الاموال التي ليست لها علاقة مباشرة للعمليات العسكرية. اما مفهوم القانون الدولي لحقوق الانسان فهو فرع من فروع القانون الدولي العام والتي تهدف قواعده حماية الانسان لمجرد انه من بني الانسان فلا يحتاج المرء لابتياعها او اكتسابها او وراثتها، فهي حقوق ثابتة لا يجوز لاي فرد أن يجرد منها فردا آخر لاي سبب. اي انها حقوق طبيعية وهي تنقسم إلى ثلاث فئات، اولا - الحقوق المدنية والسياسية، ثانيا - الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، ثالثا- الحقوق البيئية والثقافية والانمائية.

وللتفرقة بين القانون الدولي الانساني والقانون الدولي لحقوق الانسان، يجب البحث من عدة زوايا، ولا تخرج هذه الفروقات من هذه الزوايا؛ موضوع الحماية، ووقت النفاذ، ونطاق الحماية، ومصدر الحماية، والمكانة بين الاولويات المعتمدة، والتعاقب الزمني، وأسلوب الرقابة.

موضوع الحماية

يلقى على عاتق القانون الدولي لحقوق الانسان حماية الافراد في وقت السلم مما قد يتعرضون له من سوء معاملة او انتهاك لحقوقهم من قبل بلدانهم او الحكومات او الافراد او المؤسسات، اما القانون الدولي الانساني فيكون موضوع الحماية على عاتقه هم ضحايا المنازاعات المسلحة الدولية او غير الدولية والافراد الواقعون في قبضة الطرف المعادي والمنشآت والمواقع المدنية غير المرتبطة بالعمليات العسكرية.

وقت النفاذ

يبدأ سريان نفاذ القانون الدولي الانساني في اوقات النزاعات المسلحة الدولية والداخلية، وتغدو الحرب من الزواية الانسانية ( مستنقع الاجرام الدولي)، فلا يمكن الارتكاز على هذه الازمات لتقييد الحقوق المحمية فيها، فهذه الازمات هي الارضية الخصبة للاستفادة من هذه الحقوق، أما في القانون الدولي لحقوق الانسان فلا ينفذ الا في اوقات السلم والرخاء، وبالتالي يمكن التحجج بالازمات للحد من الحقوق الواردة فيه، وخصوصا بما يتعلق بالاحكام العرفية التي تنتقص من حقوق وحريات الافراد وهذا ما ذهب اليه المرسوم بقانون رقم 27 لسنة 1981م بشأن الاحكام العرفية التي اجازت اتخاذ بعض التدابير او كلها المنصوص عليها في المادة الثالثة، كالرقابة على الصحف والمجلات، ووضع القيود على حريات الافراد، الا ان هذا لا يعني ان تقيد جميع الحقوق بل ان هناك حقوقا اساسية لا يمكن المساس بها حتى في حال الاحكام العرفية، كعدم تعرض الافراد لتعذيب وتمتعهم بالشخصية القانونية وتجريم التمييز.

نطاق الحماية

اذا كان القانون الدولي لحقوق الانسان قابلا لأن يتسم بالاقليمية، بحيث يكون لكل مجموعة أقليمية قواعدها القانونية التي تتناسب وظروفها الاقليمية، نظرا لاختلاف الثقافات والفلسفات المختلفة كالفلسفة الفردية او الماركسية او الاسلامية، وغالبا، تأخذ الثقافة الاسلامية بعدم المساواة بين الرجل والمرأة في قضية تعدد الزوجات. ونجد تطبيقها كالاتفاقية الاوربية لحقوق الانسان والاتفاقية الاميركية لحقوق الانسان ومشروعات الحماية العربية لحقوق الانسان، فلا مانع من أن يكون عالميا ايضا، والتي تأتي ضمن نطاق الامم المتحدة، اما القانون الدولي الانساني فلا يمكن ان يكون الا عالميا، إذ ان الآثار الواقعة على ضحايا النزاعات المسلحة واحدة في جميع أرجاء المعمورة، وعليه لا بد من توحيد قواعده أيا كانت الثقافات والديانات، لذلك نجد انه انضمت غالبية دول العالم لاتفاقات جنيف الاربع والبرتوكولين الاختياريين الملحقين.

فمن الطبيعي أن يتسم القانون الدولي الإنساني بالعالمية، فمن الوارد أن تندلع أحد النزعات المسلحة بين مصر أو السودان (اعضاء في الجامعة العربية) من ناحية واسبانيا من ناحية أخرى عضو مجلس اوروبا فهنا نطبق القانون الدولي الانساني الوحيد، من دون محاولة البحث عن القانون الدولي الانساني الخاص باعضاء الجامعة العربية او الخاص بالمجموعة الاوروبية .

مصدر الحماية

إذا كان مصدر الحماية للقانون الدولي لحقوق الانسان في الوثائق الوطنية والدولية، دستور دولة البحرين او اتفاق مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة (1984) او اتفاق القضاء على جميع اشكال التمييز ضد المرأة (1979)، فإن القانون الدولي الانساني يسند الحماية التي يوفرها الى الاتفاقات والعرف الدولي، فالانسان المحارب له فوق حقوقه العامة المكفولة للبشر أجمع، حقوق أخرى تكفلها اتفاقات جنيف الاربع لعام 1949 وهي اتفاق جنيف لتحسين حال الجرحى والمرضى بالقوات المسلحة في الميدان (1949)، اتفاق جنيف لتحسين حال جرحى ومرضى وغرقى القوات المسلحة في البحار (1949)، اتفاق جنيف بشأن معاملة اسرى الحرب (1949)، اتفاق جنيف بشأن حماية الاشخاص المدنيين في وقت الحرب (1949)، والبرتوكلان المكملان لهم ( 1977).

تبيان الاعتبارت محل التوفيق

يقع القانون الدولي الانساني في مرتبة وسطية بين حماية الانسانية والضرورات العسكرية،اما القانون الدولي لحقوق الانسان يتوسط بين سلطة الدولة وحرية الافراد.

فعلى رغم الضرورات العسكرية التي تفرضها العمليات الحربية في المنزاعات المسلحة فإن هذه الضرورات تكون محل تقييد بما يتناسب ويكفل الحد الادنى من الضرورات الانسانية. وحدود هذا التقييد يرد في قواعد القانون الانساني.

اما بالنسبة إلى القانون الذي يعمل على محاولة تقيد السلطة المطلقة للدولة في تعاملها مع الفرد، فهو القانون الدولي لحقوق الانسان الذي يلعب دورا في مراقبة التعامل بين الفرد والدولة.

أسلوب الرقابة

تختلف عملية الرقابة في القانون الدولي لحقوق الانسان عن القانون الدولي الانساني، فاحترام القانون الدولي لحقوق الانسان تتم بواسطة المحاكم الدولية كالمحكمة الاوروبية لحقوق الانسان والوطنية بالاضافة الى المحامين ومنظمات حقوق الانسان والرأي العام العالمي، اما مراقبة تطبيق القانون الدولي الانساني يتم عن طريق اللجنة الدولية للصليب الاحمر ولجان تقصي الحقائق الدولية ومحاكم مجرمي الحرب.

التعاقب الزمني

من الخصاص التي تميز بهما القانون الدولي لحقوق الانسان والقانون الدولي الانساني هو اخلاف وقت النفاذ الذي ادى بضرورة الى تعاقب زمني بينهما، ففي الوقت الذي يتوقف احدهما يبدأ الآخر بالعمل، ففي الوقت الذي يتوقف العمل بالقانون الدولي لحقوق الانسان بسبب اندلاع نزاع مسلح يبدأ العمل بالقانون الدولي الانساني، والعكس صحيح، ففي الوقت التي تسوى الآثار المترتبة على الحروب ويحل السلم يعود العمل بالقانون الدولي لحقوق الانسان بعد أن يتوقف العمل بالقانون الدولي الإنساني

العدد 359 - السبت 30 أغسطس 2003م الموافق 03 رجب 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً