العدد 361 - الإثنين 01 سبتمبر 2003م الموافق 05 رجب 1424هـ

سؤال بسيط

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

الحزن العميق الذي عمّ العراق من شماله إلى جنوبه ردا على جريمة اغتيال السيد محمد باقر الحكيم هو الرد الحقيقي على فرح الاحتلال بوقوع تلك المأساة. فالاحتلال مباشرة ومداورة هو المستفيد الأول والمقاومة هي المتضرر الأول. هنا يقفز سؤال بسيط: هل يولد العراق الجديد من رحم الكارثة أم تواصل أيادي السوء نجاحها في هز الثقة وزرع الشكوك وتحطيم جسور الوحدة بين أهل البلاد؟

لا شك في أن إدارة الاحتلال ترقص طربا. فهي حققت النجاح الوحيد بعد سلسلة خيبات أصابت قواتها منذ إسقاطها النظام الذي يجمع أهل الرافدين على عدم عودته.

المأساة وقعت. والمصاب الذي نتج عن الجريمة من الصعب قبوله أو السكوت عنه. ويبقى الأمل في أن تكون المأساة بداية وعي جديد يوحد كل العراقيين ويضعهم بعد ثلاثة عقود من الفراق والتفرقة أمام مسئوليات تاريخية واحدة تبدأ من الخراب الكبير الذي ضرب «أرض السواد».

عادة يبدأ الوعي من أسئلة بسيطة، وحين يجاب عنها تأخذ الخطوات تسير في الاتجاه الصحيح. ماذا يريد المجرم من وراء جريمته؟ وبغض النظر عن الطرف المنفذ لا شك في ان الفاعل يريد اثارة الفتنة وتغييب مقاومة المحتل عن الساحة. وحتى يرتاح المحتل من إزعاج المقاومة لوجوده لابد أن يلهي اهل البلد بأمور تزيد الفرقة حتى يتفرغ هو للهيمنة والسيطرة وبعدها ينتقل لكسر كل القوى التي أنهكتها «الحروب الصغيرة».

انه جواب بسيط على سؤال بسيط. الا أن الرد هو الأصعب. فالرد يقتضي مستوى من الوعي المركب الذي يكشف خطوط الجريمة وصلة التخطيط لها وتنفيذها والتداعيات المتوخاة منها.

ابن خلدون في مقدمته يتحدث دائما عن «الأسباب القريبة» و«الأسباب البعيدة» لحوادث التاريخ. فهناك دائما الأسباب المباشرة وبعدها تأتي (وهنا أهمية الوعي المركب) الأسباب غير المباشرة أو تلك «المتولدة» عن الفعل الاول.

في موضوع كارثة النجف الأشرف لابد أن يرتقي قادة العراق الى مستوى لرؤية «الأسباب البعيدة» ومحاولة فهم المأساة بتعقيداتها السياسية وما تبغيه قوى الشر من وراء جريمتها. والرد الذي يجب ان يقال هو عدم الانجرار وراء انفعال المشاعر وترك العواطف تتحكم في العقل. السيطرة على الانفعالات ومحاولة قراءة أبعاد الجريمة يوفران الكثير من جهود البحث والتحقيق ويضعان الرد على سكته الصحيحة.

تقسيم العراق مسألة مستحيلة. والمحتل يعرف أكثر من غيره أن تفكيك الدولة وتفريعها إلى أجزاء وأشلاء من الأمور الصعبة. ولكن الاحتلال يريد المغامرة بالعراق حتى يكون هو الجهة الوحيدة الضامنة لوحدته. والمغامرة تبدأ بدفع القوى رويدا رويدا إلى المحرقة الطائفية والمذهبية التي في حال هبت نيرانها لن تسلم منها مدينة أو بلدة.

فالعراق في وضعه الحالي (المتداخل والمركب) أسوأ من البوسنة. واذا اندلع المكروه فإن مصيره لن يكون افضل من البوسنة. وهذا ما تريده الولايات المتحدة للعراق كما تمنته للبوسنة. اذ بعد طول غياب انتهت المعارك إلى «لا غالب ولا مغلوب» وانهزم الجميع وبقيت القوات الاميركية هي الطرف المسيطر في البوسنة تدير اللعبة السياسية في الاتجاه الذي تريد.

مشاعر الحزن العميق التي عمت العراق من جنوبه إلى شماله هي أولى الدلائل على وحدة عميقة تشير إلى وجود نوع من الوعي المشترك في ادراك المخاطر التي يريد المجرم (المنفذ والفاعل) تسويقها في بلد عانى الكثير من الاستبداد والتسلط.

هل تولّد المأساة العراق الجديد والجميل الذي يتسع لكل أهله من دون تنابذ أو تفرقة أو تباعد؟

سؤال بسيط ينتظر الاجابة الصحيحة.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 361 - الإثنين 01 سبتمبر 2003م الموافق 05 رجب 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً