العدد 367 - الأحد 07 سبتمبر 2003م الموافق 11 رجب 1424هـ

الصحف العبرية والغوص في «مستنقع» غزة

آمنه القرى comments [at] alwasatnews.com

.

وسط تعزيزات وحشود واسعة لبدء اجتياح بري واسع لقطاع غزة في أية لحظة ردت «إسرائيل» على دعوة الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات الفصائل الفلسطينية لتجديد الالتزام بالهدنة بشن المزيد من الاعتداءات ضد المدنيين في الضفة الغربية، مدعومة بتجاهل واشنطن لدعوة الزعيم الفلسطيني وتأكيدها ان عرفات يمثل جزءا من المشكلة وليس جزءا من الحل. فأثارت الصحف العبرية موضوع الهدنة، ومسألة السيطرة على الأجهزة الأمنية. في ظل تزايد المطالبات الإسرائيلية للقيام باجتياح قطاع غزة فيما شكّل نجاح حركة «حماس» في تطوير صواريخ يبلغ مداها عشرة كيلومترات مادة للمعلّقين في «إسرائيل» للحديث عن صراع حقيقي بين «إسرائيل» والمقاومة الفلسطينية لتثبيت أو الحيلولة دون خلق «توازن رعب» في قطاع غزة كما كان في الجنوب اللبناني. وإذ تتحدّث مصادر إسرائيلية عن ان حكومة ارييل شارون - وعلى رغم التهديدات - قرّرت إفساح المجال للسلطة الفلسطينية لأن تتحرك على هذا الصعيد. يبدو حديث المصادر لا يبتعد كثيرا عن تخوف عبّر عنه المحلل العسكري لصحيفة «هآرتس» زئيف شيف بعد أن رفع شعار «لا، لاحتلال غزة» التي طالما كانت مصدر متاعب بالنسبة إلى الإسرائيليين... لذلك يرى شيف ان على الإسرائيليين ألاّ ينجروا وراء الرغبة في الانتقام بل أن يأخذوا الأمور بروّية وأن يلجأوا إلى استراتيجية منطقية للتعامل مع غزة.

هذا بالإضافة إلى الرسالة التي أوردها ألوف بن في «هآرتس» وقد تكون الرسالة الأميركية التي وصلت تل أبيب وتحدث عنها ألوف بن في «هآرتس» تعبّر عما يمكن أن يلجم «العمليات الكبيرة» مثل اجتياح قطاع غزة والمكوث فيها. إذ يكشف بن عن رسالة وصلت القدس من مسئولين أميركيين رفيعي المستوى تتضمن طلبا أميركيا من «إسرائيل» بألا تتخلى عن سياسة الاغتيالات، ولكن أن تحاول القيام في الوقت نفسه بخطوات تدل على حسن نواياها تجاه الفلسطينيين... وفي السياق أيضا قراءة أميركية للتطورات الفلسطينية.

حرب حقيقية

على أية حال نقلت الصحف الإسرائيلية أجواء حرب محتملة على قطاع غزة، لافتة إلى إعلان مصادر عسكرية إسرائيلية انها لن تترك مهمة منع سقوط الصواريخ على عسقلان بأيدي أبومازن ووزير الشئون الأمنية محمد دحلان. فنقلت تهديدات وأبرزت أنباء عن حشود عسكرية إسرائيلية في محيط القطاع. ولكن الأبرز وسط هذه الأجواء هو الحديث عن صراع حقيقي بين «إسرائيل» والمقاومة الفلسطينية لتثبيت أو الحيلولة دون خلق توازن رعب في قطاع غزة، وخصوصا بعد نجاح حركة «حماس» في تطوير صواريخ يبلغ مداها عشرة كيلومترات بالإضافة إلى ان ذلك يأتي بعد محاولات إسرائيلية سابقة لإلغاء محاولات فلسطينية فرض معادلة: «عملية فدائية مقابل عملية اغتيال». ولفتت «هآرتس» في خبر افتتاحي، إلى ان الشرطة التابعة للسلطة الفلسطينية أطلقت النار على المسلحين الفلسطينيين الذين أطلقوا صواريخ قسّام على مدينة عسقلان... كما أشارت إلى ان قوات الشرطة الفلسطينية اقتحمت المنطقة التي وجدت فيها خلية من حركة «حماس» كانت تقوم بإطلاق الصواريخ، وذلك من أجل منعها من إطلاق المزيد منها.

«لا، لاحتلال غزة»

وتحت عنوان «لا، لاحتلال غزة» لفت المحلل العسكري في «هآرتس» زئيف شيف - بعد أن لاحظ تزايد المطالبات الإسرائيلية للقيام باجتياح قطاع غزة - ان السبب الأول لرفضه هذه الخطوة هو ان غزة تقوم على رمال متحركة، ولذلك يرى شيف ان على الإسرائيليين ألا ينجروا وراء الرغبة في الانتقام بل أن يأخذوا الأمور بروية وأن يلجأوا إلى استراتيجية منطقية للتعامل مع غزة. وأضاف انه في حال أراد الفلسطينيون القتال فليجعلهم الإسرائيليون يغرقون وحدهم في «مستنقع» غزة من دون أن تمس «شعرة» من الجيش الإسرائيلي.

وأوضح شيف ان غزة لطالما كانت مصدر متاعب بالنسبة إلى الإسرائيليين، ففي العام 6591 انتزعت «إسرائيل» غزة من مصر، واضطرت بعد ذلك إلى الانسحاب منها من دون تحقيق أي شيء. وخلال حرب الأيام الستة عادت «إسرائيل» واحتلت غزة، ولكنها تريثت فترة طويلة حتى خرجت منها.

وأضاف انه خلال السبعينيات حتى بداية الثمانينات هزت غزة موجات كثيرة من العنف كما ان الانتفاضة اندلعت فيها العام 7891، وكانت «إسرائيل» هي التي تتحمل في ذلك الوقت مسئولية إدارتها إلى أن سلمتها الى السلطة الفلسطينية بموجب اتفاق أوسلو. ومنذ ذلك الحين أصبحت حركتا «حماس» و«الجهاد الإسلامي» تحتلان غزة بدلا من السلطة - بحسب وجهة نظر شيف - الذي رأى ان من الأفضل اللجوء إلى توسيع المدى الذي تحتاجه صواريخ قسّام، أي إبعاد الفلسطينيين إلى المسافة التي يتوقفون عندها عن الإطلاق باتجاه «إسرائيل»، وطبعا - بحسب شيف - لعدم جدواها وكسر فعالية القسام، وذلك من خلال دفع الفلسطينيين إلى شمال غزة، الأمر الذي يجعل مسألة احتلال غزة غير ضرورية.

كما يرى شيف ان بإمكان الإسرائيليين القيام بخطوات بديلة عن احتلال غزة ألا وهي تشديد الرقابة على الأنفاق التي - بحسب زعمه - يتم من خلالها تهريب الأسلحة والمعدات من مصر إلى غزة ما يتطلّب من «إسرائيل» اللجوء إلى تكنولوجية متطورة قادرة على اكتشاف مثل تلك النشاطات وإحباطها. وختم بالقول ان احتلال غزة لمدة طويلة من الزمن سيؤدي إلى سقوط عدد كبير من الضحايا في صفوف الفلسطينيين والإسرائيليين على حد سواء، كما ان الدولة (العبرية) باحتلالها غزة ستكون مسئولة عن تأمين الخدمات العامة للفلسطينيين من مياه وصرف صحي وما إلى ذلك، مضيفا ان الجيش الإسرائيلي سيجد نفسه في هذه الحال غارقا حتى عنقه فيما أسماه - على نحو عنصري - بأنه «نفايات» غزة في وقت سيتواصل فيه العنف كما يقدّر شيف.

طلب الرسالة الأميركية

وقد تكون الرسالة الأميركية التي وصلت تل أبيب وتحدث عنها ألوف بن في «هآرتس» تعبّر عما يمكن أن يلجم «العمليات الكبيرة» مثل اجتياح قطاع غزة والمكوث فيها. إذ يكشف بن عن رسالة وصلت القدس من مسئولين أميركيين تتضمن طلبا أميركيا من «إسرائيل» بألاّ تتخلى عن سياسة الاغتيالات، ولكن أن تحاول القيام في الوقت نفسه بخطوات تدل على حسن نواياها تجاه الفلسطينيين... فقد أشار بن إلى ان الولايات المتحدة تضغط على «إسرائيل» للقيام بخطوات إيجابية تجاه الفلسطينيين بالترافق مع الإجراءات التي تتخذها «إسرائيل» ضد «الإرهاب».

وكشف بن ان رسالة وصلت القدس من مسئولين أميركيين رفيعي المستوى، تتضمن طلبا أميركيا من «إسرائيل» بألا تتخلى عن سياسة الاغتيالات، ولكن أن تحاول القيام في الوقت نفسه بخطوات تدل على حسن نواياها تجاه الفلسطينيين. وعلق بن على ذلك بالقول ان الإدارة الأميركية تريد العودة بالفلسطينيين والإسرائيليين إلى فترة ما قبل تفجير الحافلة في القدس، كما انها تريد فرض الضغوط على رئيس الوزراء الفلسطيني للقيام بخطوات لمكافحة «الإرهاب» الفلسطيني.

وختم بن بالقول ان الإدارة الأميركية لا تنوي إرسال أي مسئول أميركي رفيع المستوى إلى المنطقة لتهدئة الوضع بين الفلسطينيين والإسرائيليين، غير انه أشار إلى ان نائب وزير الخارجية الأميركي ريتشارد آرميتاج - الذي يخطط للقيام بجولة في الشرق الأوسط في النصف الثاني من سبتمبر/أيلول - من المحتمل أن يزور «إسرائيل».

«الفلسطينيون مجرمو حرب»!

وبعيدا عن موقع عرفات أو موقع غيره من القيادات الفلسطينية، حرضّ هاريل في «الهآرتس» «إسرائيل» على الفلسطينيين، وأمل أن يحاكموا مثل «مجرمي الحرب»!! وزعم هاريل ان ما منع عرفات ومنظمة التحرير الفلسطينية من الوصول إلى مستويات النازية هو الجيش الإسرائيلي... ورأى ان على الحكومة الإسرائيلية البدء بالحديث جديا عن اعتبار الفلسطينيين مجرمي حرب تحضيرا لمحاكمتهم كما يحصل مع المسئولين العراقيين في النظام السابق في العراق.

ونقلت الواشنطن بوست في خبر افتتاحي، عن مسئولين ودبلوماسيين وخبراء فلسطينيين وإسرائيليين، ان تفجر موجة العنف الجديدة في «إسرائيل» والأراضي الفلسطينية هو نتيجة عدم قيام كافة الأطراف المعنية ومن بينها الولايات المتحدة، بما كان متوقعا منها. كما ان أيا من الأطراف لم يقبل تحمل المسئوليات التي أوكلت إليه بموجب خطة السلام الدولية أي «خريطة الطريق». ورأت المصادر عينها، ان «خريطة الطريق» أشاعت الأمل بأنها ستنجح فيما لم تنجح أي خطة سلام سابقة لكن الوقائع الراهنة تظهر ان الفلسطينيين والإسرائيليين على السواء في مأزق كبير، وأمام المسئولين من كلا الجانبين أمل بسيط في إمكانية إحياء هذه المبادرة السلمية في وقت قريب.

توصيات روس لحل الأزمة!

وتساءل السفير الأميركي السابق دنيس روس في مقالة نشرتها «الواشنطن بوست»: هل يمكن اليوم إنقاذ خريطة الطريق؟ هل يمكن إنقاذ رئيس الوزراء الفلسطيني محمود عباس؟ محذرا من ان استقالة هذا الأخير ستجعل مكانه شاغرا لأنه ما من أحد يمكنه الحلول محله، وسيصبح الإسرائيليون من دون شريك فلسطيني في عملية السلام، وسيكون عرفات سعيدا وسيعتقد انه سيصبح من جديد الآمر الناهي بين الفلسطينيين. إلا ان روس لفت إلى ان تفادي وضع مماثل يتطلب من عباس أن «يُنتج» بمعنى ان عليه اتخاذ خطوات جدية وملموسة ضد المنظمات «الإرهابية» وإلاّ اضطرت «إسرائيل» إلى القيام بذلك بدلا من الفلسطينيين. غير ان روس اعتبر ان هدف زيارة نائب وزير الخارجية الأميركي ريتشارد آرميتاج للمنطقة الأسبوع المقبل ستكون محاولة إقناع الإسرائيليين بإعطاء عباس بعض الوقت للقيام بخطوات ملموسة ضد «الإرهاب الفلسطيني». إلى جانب ذلك، اعتبر روس ان الولايات المتحدة لن تستطيع لوحدها إنقاذ «خريطة الطريق» بل يجب على القادة العرب المساهمة في ذلك، مؤكدا ان الشعارات لا تكفي.

وأوضح روس ان عباس يحتاج إلى غطاء الشرعية العربية لمواجهة حركتي «حماس» والجهاد الإسلامي وكتائب شهداء الأقصى. وأضاف أن «إسرائيل» بحاجة الى رؤية العرب والفلسطينيين يتخذون خطوات إيجابية كي تعطيهم الوقت والفرصة كي يقوموا بتحوّل كبير في الوضع الأمني في الأراضي الفلسطينية. واقترح روس أن يقوم العرب بإرسال وفود تضم وزراء خارجية إلى رام الله والقدس لمقابلة رئيس الوزراء الإسرائيلي آرييل شارون ونظيره محمود عباس، وعليهم أن يطالبوا «إسرائيل» بتطبيق الجزء المتعلق بها من «خريطة الطريق» بما في ذلك وقف عملياتها العسكرية، وإخلاء نقاط التفتيش، والانسحاب من المدن الفلسطينية إلى جانب تجميد النشاط الاستيطاني.

من جهة أخرى، رأى روس ان على العرب تركيز جهودهم على عرفات باعتباره العقبة الأولى في وجه تطبيق «خريطة الطريق»، وذلك من خلال مطالبته بتسليم كل الصلاحيات الأمنية إلى محمود عباس. غير ان روس استدرك في ختام مقالته بالقول انه من غير الممكن أن يقوم العرب بكل ذلك من دون أن يحثهم بوش على القيام بذلك مستنتجا ان على الرئيس الأميركي أن يطلب من العرب بذل جهود مضنية لحل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي كي يقوم هو بواجبه تجاه «إسرائيل».

العدد 367 - الأحد 07 سبتمبر 2003م الموافق 11 رجب 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً