العدد 370 - الأربعاء 10 سبتمبر 2003م الموافق 14 رجب 1424هـ

11 سبتمبر: ماذا حققت؟

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

ماذا حققت 11 سبتمبر/أيلول 1002 من مكاسب للسياسة الأميركية؟ هذا السؤال يشجع على قراءة بعض جوانب الاستراتيجية الهجومية التي اتبعتها إدارة البيت الأبيض بذريعة مكافحة الإرهاب وملاحقته دوليا.

قبل الهجمات كان الرئيس جورج بوش في وضع مرتبك. فهو لا يستطيع الاستمرار في سياسة سلفه بيل كلينتون، وكذلك غير قادر على السير في خطط أعلن عنها في برنامجه الانتخابي. كان بوش ينتظر فرصة سانحة تغطي خطوات غير شعبية داخليا ومخالفة للإرادة الدولية والانفراج النسبي الذي حصل مع روسيا والصين وأوروبا بعد انهيار الاتحاد السوفياتي ومعسكره الاشتراكي.

حاول بوش تسويق سياسته قبل ضربة 11 سبتمبر فاصطدم بجدار من الرفض من الصين وروسيا وأوروبا، وتحديدا حين حاول أن يعيد النظر في اتفاقات ومعاهدات خطيرة لها صلة بالتسلح النووي وبرامج الصواريخ وشئون الطاقة والبيئة. خطاب بوش شديد التخلف وغير مقبول دوليا ويحاكي عصرا تخطته الدول الكبرى بعد معاناة وتضحيات.

تخلف خطاب بوش السياسي وسذاجته وسطحية أفكاره لا تعني أن الاستراتيجية كانت معزولة ولا انصار لها في الداخل الأميركي. أميركيا كانت خطابات بوش تعكس رغبة دفينة لدى قطاع واسع من رجال المال والأعمال والنفط والسلاح في الانتقام من فترة كلينتون، وإعادة إنتاج «أعداء» و«خصوم» ومخاطر خارجية تهدد الأمن القومي والمصالح الأميركية. فالرغبة المذكورة شديدة التعقيد، فهي إلى جانب تجار الأسلحة ومافيات النفط كانت تجذب إلى جانبها أيضا مجموعة مركبة من تكتلات عنصرية ودينية ومحافظة متحالفة مع مجموعة لوبيات (قوى ضاغطة) تقرأ التاريخ من نصوص مكتوبة لا من وقائع الحياة والمصالح المتجددة.

كل هذه التناقضات اجتمعت وتحالفت لتشكل الأسس النظرية لخطاب بوش المتخلف في رؤيته للعالم ومصالح الدول وتوازن العلاقات بين الحضارات والديانات.

كان بوش في حال ارتباك، فهو لا يستطيع تجاوز الخطوط الحمر التي وضع أسسها كلينتون وأفرزت سياسة ناجحة نسبيا في تحسين سمعة أميركا دوليا وفي تحقيق فائض مالي في الموازنة الفيدرالية للمرة الأولى منذ قرابة 04 سنة.

كاد الإرباك يطيح بخطاب بوش ووعوده الانتخابية لشركات النفط ومصانع الأسلحة. وبات الرئيس الجمهوري عرضة للنقد حتى من طاقمه الإداري الذي يمثل في النهاية مصالح مجمّعات الأسلحة والنفط والطاقة إضافة إلى كتلة من الأيديولوجيين تسيطر بالتفاهم مع وزير الدفاع على البنتاغون.

فجأة وفي 11 سبتمبر سقطت طائرة مدنية على مبنى وزارة الدفاع في وقت واحد مع سقوط مركز التجارة الدولي في نيويورك. فكانت اللحظة نقطة تحول في السياسة الأميركية. فالصقور (كتلة الشر في الإدارة) اعتبرت الضربة «هدية» ورسالة رمزية من السماء بُعثت إلى الولايات المتحدة لتبدأ بتنفيذ أهدافها الخالدة والنبيلة والإنسانية.

استغلت «كتلة الشر» كارثة سبتمبر لتدفع بخطاب بوش من حال التردد إلى الهجوم العام مستفيدة من التوتر الشعبي والقلق السياسي والتعاطف الدولي والاستنكار الذي لاقته الهجمات من مختلف القوى الداخلية (الحزب الديمقراطي) ودول العالم في قاراته الأربع.

11 سبتمبر كانت مناسبة وسهلت الكثير من الثغرات والحواجز التي اعترضت «كتلة الشر» في البنتاغون. فالضربة اطلقت العنان للجنون وغذت دعوات الثأر والانتقام وافسحت الطريق أمام دونالد رامسفيلد ومجموعته الأيديولوجية للتقدم والسيطرة على القرار الأميركي... انطلاقا من استغلال غضب بوش واقناعه بأن العناية اختارته. فهو «الرجل المختار» الذي يجب أن يأخذ المبادرة ويعلن الحرب على «قوى الشر» في العالم. وهكذا كان.

سنتان على ذكرى 11 سبتمبر والعالم لايزال يسمع الخطاب الأرعن والساذج في تسطيح مشكلات العالم المعقدة والموروثة والمتداخلة وهي مشكلات تتجاوز حدود المنطق الأمني لأنها في النهاية نتاج متراكم من التفاوت الزمني بين المجتمعات والنمو غير المتطابق بين دولة ودولة... إضافة إلى النهب والسرقات والتوزيع غير العادل للثروة. فالفقر والجوع وحتى نزعات التطرف لا يمكن حلها باستخدام أساليب العنف والفوضى.

سنتان على ضربة 11 سبتمبر ولاتزال «كتلة الشر» تدفع «جنون العظمة» نحو مزيد من الحروب والفوضى ضد إيران وسورية وكوريا الشمالية وغيرها من الدول في وقت لم تستقر الأوضاع في العراق وأفغانستان.

سنتان حققت خلالهما واشنطن الكثير وكشف بوش مضمون استراتيجيته... إلا ان الوقائع لم تغير صورة العالم. فالعالم لايزال كما هو وأميركا بدأت تشعر بالتعب وخزينتها الفيدرالية أفلست... والأوهام لاتزال تؤرّق الرئيس.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 370 - الأربعاء 10 سبتمبر 2003م الموافق 14 رجب 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً