العدد 378 - الخميس 18 سبتمبر 2003م الموافق 22 رجب 1424هـ

دويغر: النضال جزء من هوية الوطن يجمع ولا يفرق

حديث الذكريات... مفكرٌ ومناضلٌ من طراز خاص

علي عبدالله دويغر مناضل ومفكر رفد العمل الوطني بنشاطاته المختلفة، وهو أحد مؤسسي «جبهة التحرير الوطني البحرانية»، لديه رؤية واضحة عما كان يعمل من أجله، ويجيبك عن السبب في تسمية الجبهة الماركسية - اللينينيّة بـ «البحرانية» وليست «البحرينية»، ويوضح علاقة الحركة بمجتمع متدين مثل المجتمع البحريني، ويوضح علاقة جبهة التحرير بحزب تودة الايراني، رافضا ما يقال عن تأسيس «تودة» الجبهة، ويتحدث عن النضالات الوطنية ويعتبرها جزءا من هوية الوطن من دون أي تفريق على أساس طائفي أو عرقي، ويعود الى الوراء ويقول: بداياتي الحركية كانت في مطلع الخمسينات وبالذات بعد الثورة المصرية العام 1952 والنهوض العام في الحركة الوطنية وظهور صحافة متنورة مثل «صوت البحرين» وانطلاقا من تأييد قضايا عمالية وطلابية ونشوء فكرة «هيئة الاتحاد الوطني»... كل هذه كانت إرهاصات الوضع القائم آنذاك، بالإضافة إلى إصدار الأمم المتحدة قرارا بتصفية الاستعمار في العالم ولذلك أصبح النضال التحرري الوطني شرعيا على المستوى الدولي أيضا.

كنت في الثانوية (المنامة) وكان يؤثر علينا بعض المدرسين وإذاعة صوت العرب، وظروفنا المادية كانت صعبة. كان لحسن الجشي أثر علينا إذ كان مدير المدرسة الشرقية الابتدائية، وكان قوميا اصلاحيا وديمقراطي النزعة مثل جماعة «هيئة الاتحاد الوطني». كان في نادي العروبة وكانت لقاءاتنا معه والأمسيات التي نعقدها مع الشخصيات والرموز هي التي تحركنا الى مزيد من الحركة. كان لمحمد دويغر (عمي ومؤسس نادي العروبة وأول مذيع في إذاعة البحرين) أثر واضح وكبير على تكوين رؤيتي آنذاك. كان مثقفا وكانت لديه اتصالات بالناس، وكان هو الذي رباني؛ لأن والدي توفي وأصبح عمي مثل والدي.

كانت فترة «الشبابية»، وكانت الاتجاهات المثقفة تأخذ صفة التفهم الضروري لنضالات الشعوب من أجل الديمقراطية والتقدم الاجتماعي.

كان نشاطنا ذا اتجاه عمالي تقدمي. باعتبارنا مثقفين نظرنا إلى العمل العمالي بصورة مركزية لأنه يمثل صورة غالبية الشغيلة بمفهومها العلمي، وهؤلاء يسعون إلى وضع أفضل وإلى تقرير مصير.

تحركت هذه المجموعة التي كنت واحدا منها على مستوى أوسع وورثت هذه المجموعة لاحقا مواقف ومواقع هيئة الاتحاد بعد تصفيتها في 1956.

ساهمت في تأسيس أول تنظيم عمالي جماهيري وهو «جبهة التحرير الوطني البحرانية» التي تأسست كفيلق من ضمن الفيالق الموجودة 1954. كنا جماعة لها مواقف من ضمنهم أنا شخصيا وإبراهيم جمعة ديتو وأحمد الذوادي وعلي مدان وجعفر الصياد وغيرهم.

حزب تودة الإيراني كان يناصرنا ولم يؤسس الجبهة كما يدعي البعض. والمناصرة كانت في قضايا التحرر والاستقلال لأن هناك علاقة تاريخية كبيرة بين الحركة الوطنية في البحرين ومثيلتها في إيران.

غير أن الجبهة لم تطرح نفسها تنظيما واضح المعالم مصحوبا بميثاق عمل إلا في العام 1959 بعد انعقاد المؤتمر الأول في المنامة في مكان سري. حضر ذلك المؤتمر علي مدان، محمد كشتي، رضا العلوان، جعفر الصياد، أحمد الذوادي، وأنا شخصيا.

وتقرر في ذلك الاجتماع طرح ميثاق أعددت مسودته مسبقا وطرحته على الأعضاء والأنصار، ونشر الميثاق في نشرة «الجماهير» لسان حال «جبهة التحرير الوطني البحرانية». بعد ذلك بدأنا نتوسع في العمل التنظيمي السري لأن العمل العلني تم ضربه وتصفيته في العام 1956 مع ضرب «هيئة الاتحاد الوطني».

البعض يسأل لماذا أطلقنا كلمة «البحرانية» وليس البحرينية على الجبهة؟ لم نكن نود الاختلاف في موضوع التسمية لأن المنعطف كان يوجب تجنب الشكليات ولم نود أن نكون طرفا في شكليات لا تهمنا، ثم إن كلمة «بحريني» ظهرت بشكل واضح وواسع بعد كتابة بعض القوانين المدنية، وهذه صدرت بعد تأسيس الجبهة وتسميتها.

وحتى الشخصيات الوطنية في المحرق والحد لم تكن تعير هذا الأمر أهمية آنذاك فالهدف واحد للجميع. لقد طرح ميثاق الجبهة موضوع الاستقلال الوطني والديمقراطية والسلم العالمي والمحلي.

تسألني عن الطرح الماركسي - اللينيني وكيف يكون مثل هذا الطرح في مجتمع محافظ مثل المجتمع البحريني؟ اننا باعتبارنا تنظيما عماليا وطليعيا نخضع في تفكيرنا إلى نتائج توصل لها الفكر في قضايا النضالات العالمية. وللاستفادة من التجربة العالمية وإعطاء مدلول علمي وفلسفي للنضال اليومي كان خيارنا هو الاشتراكية العلمية... كانت اجتهادات كثيرة منها وجود شغيلة مثقفين ومن قوميات وأقليات متعددة، ولم نكن وحدنا في الساحة. المؤتمر قرر الالتزام بالفلسفة الاشتراكية العلمية (الماركسية - اللينينية).

البحرين مجتمع محافظ ومتدين ونحن جزء من هذا المجتمع. إننا نستوعب الدين فالدين هو الأخلاق والفكر... أما الحديث عن أن «الدين أفيون الشعوب»، فذلك شعار سياسي أوروبي يختص بمرحلة تتعلق بطبيعة الكنيسة في المجتمعات الغربية، وهو يختلف عن البحرين.

نشاطات الجبهة أصبحت تنظيما قائما اتخذ شكل النضال السري الذي يحتوي على جميع أشكال النضال، واستقطبنا الشباب من أجل المبادىء التي خرجت في الميثاق.

لاحقا في 1962 بدأنا مشروع بعثات أكاديمية على مستويات كثيرة واستقطبنا شبابا ليسوا بالضرورة أعضاء في التنظيم ورشحناهم للتحصيل العلمي المتطور في الاتحاد السوفياتي ودول المعسكر الاشتراكي آنذاك. ذهبت إلى العراق العام 1956 لدراسة التجارة والاقتصاد في جامعة بغداد... ولكن لكوني ناشطا في الاتحاد الطلابي وتنظيمات أنصار السلم والشبيبة منعتني الحكومة العراقية من إكمال الدراسة.

شهدت الانقلاب على المملكة العراقية وعايشت نظام عبدالكريم قاسم ولكني كنت في الاتجاه المخالف لقاسم، لأنني كنت طالبا جامعيا أدرس علوما سياسية، وكنت أتفهم التاريخ الوطني والقومي في العالم المرتبط بنهوض الشرعية والديمقراطية، وعارضته لأنه يفتقد الشرعية والتأييد الجماهيري المنظم عبر الانتخابات.

حاولت الدخول إلى العراق عن طريق البصرة في العام 1960 ولكن السلطات العراقية احتجزتني على ظهر الباخرة ومن ثم أبعدتني إلى قطر. سافرت إلى الكويت وتسلمت إدارة تحرير صحيفة «الهدف» الاسبوعية، وطالبت في الافتتاحيات التي كتبتها بتنويع مصادر الدخل وعدم الاعتماد على النفط؛ ولذلك طلبت مني السلطات الكويتية مغادرة الكويت. رجعت إلى البحرين بعد العام 1962 بعد أن شاركت باسم الجبهة في مؤتمر السلم ونزع السلاح في موسكو. ألقي القبض عليّ في 1964 بتهمة النشاط السياسي، وسجنت في القلعة و«جزيرة جدا» ووضعت في السجن الانفرادي. بعد ذلك أطلق سراحي واعتقلت في 1965 بعد انتفاضة مارس/ آذار في ذلك العام. اعتقلوني في 11 مارس وأخذوني إلى سجن القلعة، ثم سجن «جدا» وبقيت أكثر من سنتين في السجن. في السجن حقق معي ضباط المخابرات عن علاقاتي التنظيمية لكن لم يستطيعوا إثبات شيء ضدي. ومن الذين حققوا معي ضابط بريطاني باسم «وايت هورس» وكان يأمر بتعذيبي في الوقت نفسه، ثم رموني في الزنزانة لمدة يومين وجاءوا بالطبيب عندما وقعت. الطبيب أعطاني بعض الأدوية لتسيير الدم الذي تكتل نتيجة الكدمات والضرب.

أضربنا عن الطعام في جدا، وزارنا مندوب من الصليب الأحمر الدولي، وكانت فرصة لي لأتحدث معهم عن ظروف السجن، بعد ذلك نقلوني إلى السجن الانفرادي في القلعة لفترة طويلة مع التحقيق والتعذيب المستمر.

في سجن جدا كنت استخدم أكياس الورق التي يأتي بها الطرد من منزل عائلتي لأرسم عليها. أقلام الرسم كانت تصلني بالتهريب وبعض الشرطة كانوا يتعاطفون معنا ويساعدونا.

رسمت كثيرا ورسوماتي كانت لصور شخصية ثم واصلت رسوماتي المائية بعد خروجي من السجن ولكن كلها كانت عن السجن وظروفه.

في جدا كنا في فترة من الفترات يسمحون لنا برياضة المشي ولم نكن نعلم ماذا يحدث في الخارج بسبب الرقابة المشددة اثناء اللقاء مع الأهل.

لم أحاكم ابدا، ولكن التحقيق كان شديدا، وخصوصا التعذيب الذي مازالت آثاره باقية معي إلى حد اليوم بعد مضي ثلاثين سنة وكان أصعب شيء السجن الانفرادي لأنه يسلب الانسان من إنسانيته.

بعد خروجي من السجن في العام 1967 حضرت المؤتمر الثاني لتنظيم الجبهة في بيروت، ومن أهم القرارات كان الخروج الى العالم والتحدث في المؤتمرات.

التنظيم لم يتبنَّ الكفاح المسلح لعدم امكان ذلك بصورة فاعلة ومن دون إراقة دماء الأبرياء في بلد صغير مثل البحرين. غير أنه كانت هناك نشاطات فردية باتجاه الرد على القمع.

لجأنا إلى المؤتمرات الدولية والأمم المتحدة نطالب بتقرير المصير. وعلاقاتنا مع حركة القوميين العرب آنذاك كانت متواصلة على مستوى أفراد للحوار عن الهموم الوطنية، وكانوا زملائي في السجن.

وكان معي في السجن أيضا من قادة «هيئة الاتحاد الوطني» إبراهيم بن موسى وإبراهيم محمد حسن فخرو، وكنا نتراسل معا داخل السجن. كنا نطالب باطلاق سراحهم فادخلونا معهم.

أطلق سراحي في 1967 وسجنت مرة أخرى في العام 1968 وأبعدت من البحرين لمدة أربع سنوات إلى الكويت. ومن هناك غادرت الى السويد في العام 1972 للدراسة العليا في العلوم السياسية والاقتصادية، واصدرت عددا من الدراسات والمؤلفات في البحرين. رجعت الى البحرين بعد الاستقلال في العام 1973 واتخذنا (قيادات الجبهة) قرار خوض الانتخابات للمجلس الوطني بعد ان كنا قد قاطعنا المجلس التأسيسي. مبررات دخولنا الى المجلس كانت الاستفادة من الفرصة المتاحة لتحقيق بعض المكاسب التي ناضلنا من اجلها.

كنا نجتمع مع الإخوة الذين رغبوا في ترشيح أنفسهم لوضع برنامج انتخابي، غير أن الحكومة تدخلت قبل فترة وجيزة من الانتخابات وطلبت مني - عن طريق ضابط المخابرات البريطاني شور - مغادرة البحرين. استدعاني إلى القلعة وقال: «يوم الأربعاء المقبل يجب أن تغادر البحرين».

غادرت عائدا الى السويد ومن هناك واصلت الدراسات العليا والبحوث ولم استطع العودة الى البحرين إلا في العام 1979.

منذ مطلع الثماينات حتى الانفتاح السياسي في العام 2001 عايشت جميع الظروف التي مر بها الشعب وكانت وجهة نظري الاستمرار في النشاط السياسي السلمي من أجل تحقيق الديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
بعد الانفتاح السياسي أيدت ميثاق العمل الوطني وأيدت التصويت في انتخابات المجلس النيابي على رغم ايماني بأهمية مكتسبات دستور 1973، لكنني أعتقد أن المشاركة والعمل على الإصلاح من الداخل أفضل من البقاء في الخارج. وربما تكون هذه نقطة خلاف بين المناضلين من أجل الديمقراطية، ولكن خبرتي السياسية دفعتني للإيمان بضرورة المشاركة مهما كان أثر تلك المشاركة صغيراً نسبياً على القرار السياسي والاقتصادي في البلاد.

إقرأ أيضا «بورتريه» http://www.alwasatnews.com/378/news/read/333212/1.html

العدد 378 - الخميس 18 سبتمبر 2003م الموافق 22 رجب 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً