العدد 2624 - الأربعاء 11 نوفمبر 2009م الموافق 24 ذي القعدة 1430هـ

بلقيس فخرو: العمل الفني يعيد تشكيل ذاكرة المكان

في برنامج «مسامرات ثقافية» الذي يبث اليوم على موقع «الوسط أون لاين»:

حينما أرسم فإن العمل الفني بالنسبة لي يشكل ذاكرة المكان وليس المكان نفسه لأنه السبب في العمل، وأحب أن أبتعد عن الأسلوب المباشر، أحب أن أذهب بطريقة غير مباشرة إلى ما يذكر بالشيء وليس الشيء نفسه، إذ أستعمل بقدر ما أستطيع نوعا من الضبابية».

جاء ذلك على لسان الفنانة بلقيس فخرو في محطة جديدة من برنامج مسامرات ثقافية الذي يبث اليوم على موقع الوسط أون لاين على هامش معرضها الفني الذي افتتح مؤخرا تحت رعاية وزيرة الثقافة والإعلام في صالة كورتيارد في الهملة بحضور مجموعة من الفنانين والمهتمين والأصدقاء.

الفنانة بلقيس فخرو تتجهين لصناعة اللوحة عبر مفهومك للفن الحديث القائم على الفردانية، كيف استطعت أن تبرزي هذا المفهوم في مشروعك الفني.؟

- الفردانية والذاتية شيء طبيعي لأن الفنان عندما يكّون العلاقة بينه وبين اللوحة والألوان وبينه وبين الريشة أو السكين أو أي مادة ثانية فإنه يكّون علاقة بين الأداة وبين قالب اللوحة وجوهر الكانفس، وشيء طبيعي أن يكون هناك ارتباط وتفاهم بيننا نحن الثلاثة الفنان والألوان و(الكانفس) فثمة عضلات خاصة ومزاج خاص، ولابد لكل فنان من أن تكون له شخصيته الخاصة التي تميّزه عن غير من الفنانين مثل طريقة كلامه أو نبرة صوته، ونفس الشيء بالنسبة لأدائه في العمل الفني مع الربط بموضوع معين، بما يعكس فلسفته الخاصة، الفنان دائما يكرر نفسه فيها عبر طريقة تناوله لبعض المساحات اللونية وأدائه فيها، وهذا ما يميّزه عن غيره، وإلا صار الفن كله شكلا رسميا واحدا، بينما المتلقي يحب أن يرى ماذا يقدم كلّ فنان، وليس من المفروض أن يتبع الجميع نفس الأداء.

ترين أن التقنية في اللوحة وسيلة لإبراز الجماليات، وتهتمين باللون وصناعة الملمس الخاص باللوحة ما دور كل ذلك في صناعة العمل الفني لديك؟

- التقنية والموضوع كل متكامل، وكذلك التصميم والإنشاء في اللوحة الألوان التي نختارها هذا كله يقوم بتنفيذ الفلسفة الفكرية التي في أذهاننا، والتقنية والأداء جزء من العمل الفني، ولنفترض أن هناك نفس الموضوع ونفس الأداء أنفذه بالريشة وعلى (كانفس) ناعم لن يخرج بنفس الفعالية، والتقنية التي استخدمها تقوم على الملمس الخشن وليس على السطح الناعم وأحيانا يكون التنفيذ عن طريق السكين أو مواد أخرى مصنّعة خاصة بي أعدها بنفسي وأضيفها أثناء العمل ولدي مركّباتي الخاصة التي تميزني، حضرت (سبوزيوم) الأردن فرأيت بعض الفنانين يحضرون موادا معدنية ويضيفون لها بعض الأحماض التي تخرج بعض الألوان المعدنية الخاصة بهم، هذا تمثيل وأداء خاص بالفنان، ولكل فنان أن يختار المعادن والأحماض التي يمزجها على سطح (الكانفس) ولفت نظري أن الفنان الحديث أصبح يختار التقنية التي تميّزه عن غيره وأنا اخترت أن يكون أدائي هو ما رأيتموه في المعرض المبني على (الأكريلك) ومواد مصنعة وإضافة بعض الأشياء التي تميّز عملي الفني.

تتمثل الأشكال في اللوحة لديك في بقايا أشياء متلاشية ما سر إصرارك على تمويت الشكل وإبراز بقاياه في اللوحة ما أثر ذلك على متلقيك؟

- حينما أرسم فإن العمل الفني بالنسبة لي يشكل ذاكرة المكان وليس المكان نفسه لأنه السبب في ذلك، وأحب أن أبتعد عن الأسلوب المباشر، أحب أن أذهب بطريقة غير مباشرة إلى ما يذكّر بالشيء وليس الشيء نفسه، أستعمل بقدر ما أستطيع نوعا من الضبابية، كأني أضع ستارة ومن خلالها أرى الأشياء، وأحيانا أغلق هذه الستارة، أو أجعلها غليظة، وأنزع الشفافية منها، وأترك بعض الأجزاء في الأطراف، قد تشكل مكانا ما مثل البحر أو السماء فأنت ترى ستارة بيضاء وبها مساحة وأجزاء زرقاء، وقد أسميها بحيرة، بينما كل متلقي يراها بحسب ثقافته، فالمتلقي الأجنبي القادم من الشرق الأقصى يراها بقعة في بحر الشرق، وأحيانا يرى فيها بحيرات أوروبا، لذلك أحيانا حين أعطي عنوانا بسيطا، مثل بحيرة أرى أننا نراها هنا كبحر البحرين أو بحيرات متفرقة شاهدناها أثناء سفرنا وهذا جزء من المكان بأسلوب غير مباشر، ونجد أن المتلقي يعتمد على خلفيته وثقافته الخاصة، وهو أيضا يرى اللوحة بحسب بقايا ذاكرته هو، وهكذا فأنا أقصد شيئا حينما أرسم، بينما المتلقي يقرؤها بحسب رؤيته الخاصة.

تتحدثين عن التجريد المطلق واختزال اللوحة في أشياء بسيطة، مبتعدة عن التفاصيل الدقيقة، هل هذا يمثل اتجاها فنيا خاصا بك تطورينه في كل لوحة وتشتغلين عليه في شكل مشروع مستمر؟

- التجريد والاختزال ليس خاصا بي فالفن الحديث يمثل العصر الذي نعيشه وعيوننا تعودت على أن ترى قاعات العرض أو (البيناليات) التي نزورها حتى من خلال الانترنت بضغطة زر، فقبل أسبوع أحببت زيارة معارض في (بوسطن) وحين زرت المواقع كلها لم أر إلا الأسلوب المتداول الآن بدون ما أحس أنا الآن حين أنظر للوحاتي قبل عشرين سنة فإني أرى الموضوع نفسه أراني أكرره وأرسمه بشكل مستمر، ولكن لأني جزء من العالم أتابع ماذا يحدث، وفي نفس الوقت الجمهور يتابع ماذا يحدث في العالم، جميعنا تعوّدت عيوننا على ما هو حديث، حتى أصبح بعض الناس لا يستطيع أن يرى الواقعيات المملة، وبعض الفنانين يخلطون قليلا من الواقع مع بعض الرموز في مساحات لونية حديثة مع بعض التقنيات المتداولة، نحن جزء من الساحة العالمية ولا نريد أن نصبح كمن ينتمي إلى ما قبل هذه الحالة، وكوننا نضيف شيئا من ذاتيتنا ومن تراكماتنا الثقافية فهذا يميزنا بحيث يؤدى بأسلوب حديث.

يشتمل معرضك الأخير في على لوحات من فترات وتواريخ متعددة تمتد من 2005- إلى 2009م كيف تم الجمع بين هذه الأعمال المختلفة في تجربة عرض فنية واحدة؟

- عُرضَ علي أن أقدم هذا المعرض من فترة وجيزة جدا من شهرين فقط ولا يمكن أن أقدم معرضا كبيرا أو خاصا خلال شهرين أرسم هذا العدد من اللوحات التي هي 24 لوحة فأخذت بعض الأعمال التي عندي من بقايا 2005 - 2007- 2008 وإذا لاحظت في المعرض لوحة مرسومة من 2007 عُلقت بجانب لوحة من 2009م ويوجد تشابه كثير بينهما لأن الموضوع واحد لكن حين تذهب 2007 تلقى أن هناك تفاصيل في الستارة أكثر من اللوحات التي رسمتها في 2009 لأنه مع مرور الزمن فإن الفنان يتخلص من هذه التفاصيل إذ يحاول بقدر ما يستطيع أن يصل إلى الجوهر، وهذا صعب كثيرا لأنك بلون واحدٍ تريد الوصول للهدف، وهكذا وضعت كثيرا من الطبقات اللونية إلى أن استطعت أن أصل لهذا اللون المشع في اللوحة التي أنشدها، ولوحاتي القديمة فيها تفاصيل أكثر لأبرز بعض الأحاسيس، وهذه التفاصيل الآن أصبحت أبرزها باختزال أكثر.

ما سر عدم اختيارك عنوانا لهذا المعرض هل من حكايةٍ وراء ذلك أو رؤية معينة ترغبين أن يصوغها المتلقي بنفسه عبر تركه في حرية بين الأعمال؟

- ربما هذا وذاك فمثلا في الليلة الماضية في عمارة بن مطر كان عنوان المعرض ( وجوه ) وأغلب اللوحات فيها وجوه فعلا وثمة ولوحات فيها حكايات وأشياء أخرى، وحين أحب أن أكون دقيقة أكثر سأختار عنوان (ذاكرة المكان، أو تأملات) والمفردات العربية فيها عدد لا يحصى لهذا المعنى ولذلك فضلت عدم إعطاء المعرض عنوانا، العنوان أتركه للمتلقي ليشارك في المعرض، لأن كل لوحة تحمل شيئا مختلفا، ولم أضع عناوين، وإنما وضعت أرقاما لأترك حرية أكثر للمتلقي بين اللوحات لأن يراها بعينه هو لا بعين الآخرين.

تتوزع اللوحة لديك بين أضواء وظلال بألوان غامقة وفاتحة ما سر اتخاذك لهذه التقنية في إبراز الحالة الجمالية التي تحاولين الوصول إليها؟

- هناك شبه اتفاق بين الفنانين في أن نجاح العمل الفني عند ما يكون فيه عملية تعاكس وتضاد حاد بين الظل والضوء أو تضاد حاد بينهما فإذا كانت اللوحة فيها ألوان أرضية أو تدرجات من اللون الرمادي يحدث هذا التضاد الحاد بين اللون الأصفر والأحمر أو بين الأصفر نفسه وبعض الأسود، ونجاح العمل نفسه حينما يكون هناك تضاد حاد بين الضوء والظل أو أن تكون اللوحة فيها تدرجات من ألوان ليس فيها هذه الحدة حينها تكون ناجحة والفنان أحيانا يكتفي باللوحة الباهتة على حسب الحالة أو المزاج وهو يرسم يكتفي فيها بدون وجود هذا التضاد وفي معظم لوحاتي أحاول أن أخرج التضاد بين الظل والضوء ولكن ليس معنى هذا أن اللوحة غير ناجحة إن لم يوجد هذا التضاد.

دائما تشيرين إلى ذاكرة أو بقايا من صورٍ تترصَّدها لوحتك، ما حدود هذه الذاكرة وما أهم ملامحها وبقايا صورها؟

- الذاكرة ليست بالضرورة حول مكان زرته وليست بالضرورة أني عشته كواقع حقيقي، أحيانا هناك أماكن أزورها من خلال قراءتي، أحيانا أقرأ قصة وبعد إنهائها أرسم لوحة، وأكون متأثرة، أو من زيارتي للمتحف قسم التاريخ والآثار للإنسان البحريني أو غيره، قراءتي لتاريخ هذا الإنسان حتى قبل آلالف السنين عندما كان يعيش عل الصيد والالتقاط حينما عاش على تدجين الحيوان أو على الزراعة وأضاف لها بعضا من الفكر والذكاء الذي جعل الإنسان يعيش في وضع أحسن من أجداده الذين سبقوه، كل هذا يترك أثره لديّ، إذ أحس أن أجدادنا هؤلاء فعلوا الكثير وحينما أرسم لوحة فيها قليل من الكماليات، وأعلقها في صالون فيه كل وسائل الراحة من التكييف والجلسة المريحة وهذه اللوحة معلقة فإنها أيضا تخلق تضادا حادا بين قساوة الحياة التي عاشها أهلنا وبين رغادة الحياة التي هي الآن متوافرة في كل مكان بأسعار معقولة فتتعلق هذه اللوحة وترفع من مستوى المكان الذي نجلس فيه، وفي نفس الوقت نتذكر كيف كانوا يعيشون وفي نفس الوقت هذه اللوحة ليست فيها تفاصيل كاملة وليس فيها سوى الإحساس فلا أحب أن أغرق اللوحة بهذه التفاصيل لأنني فقط أريد تذكير المتلقي بشيء بسيط، ومن هنا فإنك ترى أن هناك فراغا كبيرا في اللوحة، وفيها تقشف صحراوي ومادي إشارة لما لم يكن متوفرا لأهلنا في ما قبل الحضارات.

العدد 2624 - الأربعاء 11 نوفمبر 2009م الموافق 24 ذي القعدة 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً