العدد 2625 - الخميس 12 نوفمبر 2009م الموافق 25 ذي القعدة 1430هـ

فلسطيني يستذكر المحرقة

Common Ground comments [at] alwasatnews.com

خدمة Common Ground الإخبارية

استذكر العالم قبل بضعة أيام يوم المحرقة باحتفالات رمزية ودقائق صمت، وأخذ بعض الوقت لتذكّر محبين فقدوا حياتهم.

طالما كان هذا اليوم ولسنوات عديدة مصدر نزاع داخلي لي كفلسطيني، لذا قررنا أنا وزوجتي ماري هذه السنة أن نحيي هذه الذكرى بطريقتنا الخاصة من خلال عمل شيء قمت بتأجيله لفترة طويلة: شاهدنا فيلم «قائمة شندلر». كانت تلك أول مرة أشاهد فيها الفيلم، الذي يسرد قصة رجل ألماني خاطر بحياته لإنقاذ مئات اليهود أثناء المحرقة. ورغم أنه قد يبدو من الغريب أن يأخذ فلسطيني الوقت لاستذكار المحرقة، شعرت أن الأمر يشكّل خطوة مهمة بالنسبة لي. كنت بحاجة إلى أن أتواصل مع ألم هؤلاء الذين عانوا، وكنت بحاجة إلى أن أنتقل إلى ما وراء الجنسية لأعترف بفقدان الحياة البشرية.

أعترف بأنني لم أكن أعرف الكثير عن المحرقة عندما نشأت. لم نكن نحصل على معلومات عنها كفلسطينيين. كانت هناك وصمة متعلقة بها، ومفهوم مفاده أن «إسرائيل» تستخدمها للحصول على التعاطف، ثم تستدير لتستخدم ذلك التعاطف كسلاح رهيب ضد الشعب الفلسطيني. لذا عندما سُئِلت عن المحرقة، كنت أشعر دائما في داخلي أنه من خلال الاعتراف بذلك الألم الذي عانوا منه، كنت أخون أو أعمل على تهميش معاناتي أنا. كذلك كان جزء مني يخاف من أنه إذا قمت بالتعاطف مع «العدو» فإن حقي في الكفاح من العدالة قد يؤخَذ مني.

أعلم الآن أن ذلك هراء، فأن تصبح أكثر قوة عندما تسمح لإنسانيتك أن تتغلب على عدائك. إلا أنني احتجت لبعض الوقت قبل أن أتعلم هذا الدرس. قررت قبل سنوات عديدة أنه لا يوجد أسلوب لفهم أصدقائي اليهود أو التواصل معهم إذا لم أتعلم تاريخهم وطروحاتهم وقصّتهم.

قررت أن متحف المحرقة هو المكان الذي أبدأ منه رحلتي. خفق قلبي بشدة وأنا أعبر عتبة ياد فاشيم في القدس. بدأت أنظر إلى الصور وأقرأ القصص بوعي كامن بأنني الفلسطيني الوحيد هناك. إلا أنني وأثناء سيري داخل المتحف، حلّت الصدمة مكان الوعي الذاتي. لم أستطع أن أصدق المدى الذي يمكن لبشر أن ينحط إليه ليقترف وحشية كهذه. كيف يمكن للعنصرية أن تجرد الرجال من إنسانيتهم.

ذكرتُ لأصدقاء يهود بعد أيام قليلة عن رحلتي إلى متحف المحرقة. أصيب العديد منهم بالدهشة وتساءلوا ما الذي جعلني أقوم برحلة كهذه؟

عندما شرحت لهم أسبابي، شاهدت الجدران التي كانت تفصلنا تنهار. أخبرني ياكوف، وهو أحد الناجين من المحرقة قصته الشخصية. انفصل عن والديه، وهو طفل في بولندا، واضطر لأن يتظاهر أنه مسيحي، وصلى صلوات الكاثوليك وذهب إلى الكنيسة. قُتِل والده أثناء الحرب. وصف رامي، أحد أصدقائي الرعب الذي عانى منه والده في معسكر اوشويتز للاعتقال. مرة أخرى اعتصر الألم قلبي واستحوذ علي التعاطف عندما سمعت تلك القصص.

شكّلت زيارتي لمتحف المحرقة والسماح لأصدقائي مشاركتي قصصهم نقطة محورية في علاقتي معهم. استطعت فهم المكان الذي أتوا منه. استطعت التعمّق في مشاعرهم بأن العالم ضدهم. شكّلت المحرقة شعورهم ووعيهم بالعالم حولهم، وكان فهمي لمأساتهم مهما لهم حتى يتواصلوا معي بنجاح.

لهذا السبب قررت أن أتذكر المحرقة هذه السنة. حرّكت قصة فيلم «قائمة شندلر» عواطفي إلى درجة لا أستطيع وصفها. كان من المستحيل مقاومة الدموع التي انهمرت من عيني. يمتد التواصل الذي حصل مع هؤلاء الذين عانوا من المحرقة إلى ما وراء الجنسية أو الدين أو العرق. لقد كان تواصلا بين إنسان وآخر في وجه ألم يُفهم على مستوى عالمي.

يُعطَى أوسكار شندلر في نهاية الفيلم خاتما حُفر عليه «إذا أنقذت حياة فأنت تنقذ العالم»، وهي عبارة مأخوذة من التلمود. هذه العبارة صحيحة اليوم بالنسبة إلى جميع هؤلاء الرجال والنساء الذين ينشطون في إنهاء النزاع الإسرائيلي الفلسطيني. ولكن في قصتي، أريد إيصال رسالة إلى المتشائمين واليائسين، الذين فقدوا الأمل في السعي لتحقيق السلام. كذلك أوجه هذه الرسالة إلى العديدين الذين تساءلوا حول المبادرات الصغيرة على مستوى الجذور واللقاءات ومجموعات الحوار ومشاريع الأديان والتظاهرات والاحتجاجات ضد قتل الناس عربا ويهودا. إذا استطعت أن تنقذ حياة تستطيع إنقاذ العالم.

التحدي الذي أواجهه هو ما يلي: ندم أوسكار شندلر على عدم فعل المزيد لإنقاذ حياة أناس آخرين. بكى لأنه لم يبع سيارته والدبوس الذهبي وكل شيء بحوزته لافتداء حياة واحدة. تتبرع الحكومات والأمم وحتى بعض المجموعات الدينية بمليارات الدولارات للحصول على الأسلحة، ولكن عندما يعود الأمر لتشجيع التفاهم والحياة والتعايش تصبح حكوماتنا وشعوبنا مفلسة. أريد منا أن نفكر: هل نستطيع وضع قيمة للحياة؟ حياة إنسان واحد؟ هل نستطيع وضع قيمة لإنقاذ العالم؟ من الأساسي حماية مصالحنا وإنسانيتنا بغض النظر عن الكلفة التي يجب أن ندفعها لقاء ذلك.

كم حياة نستطيع نحن إنقاذها؟

* قضى السنوات العشر الأخيرة يمارس صنع السلام وهو الآن رئيس فلسطيني لمنتدى الأسر الثكلى، وهو مجموعة من 500 أسرة إسرائيلية وفلسطينية تعمل من أجل السلام، والمقال يُنشر بالتعاون مع «كومن غراوند»

إقرأ أيضا لـ "Common Ground"

العدد 2625 - الخميس 12 نوفمبر 2009م الموافق 25 ذي القعدة 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 8:31 ص

      المحرقة

      الان وانت ادرى الناس بالالمهم على حد تعبيرك فلتنظر الى مجزرة كفر قاسم ودير ياسين وغزة وصبرا وشتيلا اكمل او ان هدا سيحرك مشاعرك لتحزن وتقف بجانب من سلبت ديارهم وقتل اطفالهم وشيوخهم -------------الخ تمثيل كل دلك تمثيل

    • زائر 2 | 5:23 ص

      وألله لو دمعت عيناي لأعتبرتها دموع التماسيح

      أين الكاتب من جرائم اسرائيل !!!!!!!؟؟؟؟؟؟؟؟

    • زائر 1 | 12:18 ص

      ويش السالفة يا الوسط ؟ ل

      والمحرقات الإسرائيلية في غزة ولبنان وفلسطين لم تصبك بالصدمة ؟؟

اقرأ ايضاً