العدد 2329 - الثلثاء 20 يناير 2009م الموافق 23 محرم 1430هـ

العرب والأسواق الناشئة والفرص الضائعة

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

بينما تواصل قمة الكويت أعمالها مندفعة نحو «أزمة غزة» حيث تنتظرها قائمة من الأسئلة التي ماتزال بحاجة إلى إجابات إستراتيجية وليست آنية، وفيما يلج الرئيس الأميركي باراك أوباما البيت الأبيض، متوجسا من المخلفات التي تركها الرئيس السابق جورج بوش وفي المقدمة منها الأزمة المالية التي عليه أن يضعها في مقدمة القضايا التي عليه معالجتها، تطل علينا من جديد قوى اقتصادية وكتل سياسية تحاول أن ترسخ أقدامها في الأسواق الاقتصادية والساحات السياسية على حد سواء.

في خضم كل ذلك يبرز من جديد تعبير «الأسواق الناشئة» التي يمكن توسيع نطاقها كي نطلق عليها «البلدان الناشئة»، والمقصود بها أساسا دولا مثل البرازيل والصين والهند، والبعض يضيف لها روسيا. وكما يبدو فإن هذه الأسواق ستكون لها كلمتها في صياغة خارطة العالم الجديد التي بدأت ثناياها تطل علينا، ومن أبرزها فوز أوباما كأول رئيس أسود يحتل هذا المنصب من مدخل لم تعتد عليه مؤسسات حملات الرئاسة الأميركية التقليدية.

ولايمكن الحديث عن « الأسواق الناشئة» دون العودة إلى مؤسس وكبير مسئولي الاستثمار بشركة «إدارة الأسواق النشئة أنتوني فإن أجتمل، الأب الروحي، إن جاز لنا القول لهذا المفهوم، فهو الذي صاغه وتبعه آخرون من أمثال كاتب العمود في صحيفة نيويرك تايمز ثوماس فريدمان. ونجح أجتمل، فيما بعد في بناء مفهوم نظري متكامل حول هذه الأسواق الناشئة.

فحوى نظرية أجتمل يقوم على مجموعة من المرتكزات من أهمها:

1 - العالم الصناعي الذي قاد الاقتصاد العالمي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية فقد قدرته على المحافظة على كرسي الريادة، ولم يعد في وسعه الاستمرار في ذلك، ولذل فهو مرغم على أن يسلم الراية، شاء ذلك أم أبى إلى سواه من دول الأسواق الناشئة.

2 - إن الاقتصاد الأميركي، الذي حظي بحصة الأسد من الاقتصاد العالمي، حوالى 25 في المئة، فقد ديناميته، وأصبح عبئا على الاقتصاد العالمي، بعد أن كان عاملا إيجابيا في تطوير ذلك الاقتصاد. وأحد أسباب الكهولة التي ألمت بالاقتصاد الأميركي تلك النزعة التسلطية والاحتكارية التي حاول ذلك الاقتصاد فرضها على الاقتصادات الأخرى، بما فيها اقتصادات حليفة ومتطورة من نمط اقتصادات أوروبا الغربية، الأمر الذي دفعها إلى التمرد والبحث عن بدائل.

3 - إن الاقتصادات الناشئة، بخلاف الاقتصادات التقليدية، تحتاج إلى رساميل تمويلية مغايرة لتلك المتعارف عليها، فلم تعد الموارد الطبيعية مثل المواد الخام أو الأراضي الصالحة للزراعة أو المياه هي العناصر الأساسية التي يتطلبها رأس المال، كذلك الأمر بالنسبة للسيولة النقدية التي كانت العنصر الأساسي في أي خطة اقتصادية، تراجعات أهميتها كي تقبع في أسفل قائمة الأولويات، أو الأساسيات.

4 - تقدم الرأسمال البشري، والمهارات الإنسانية، وخاصة الذهنية، كي تحتل مركزالصدارة عند احتساب القيمة الفعلية لرأس المال الاستثماري أو التطويري، وهذا ما دفع دولا كبيرة، برأسمال بشري ماهر، مثل الصين والهند إلى مقدمة الصفوف، وأتاح المجال أمام دول صغيرة كي تتقدم أخرى تفوقها من حيث الموارد الطبيعية والسيولة النقدية مثل سينغافورة وتايوان مقارنة بالعديد من الدول النفطية العربية.

5 - تحول حركة البيع والشراء، أو على نحو أشمل الإطار الإستراتيجي للتجارة العالمية، من الغرب باتجاه الشرق إلى العكس تماما، فبدلا من أن تكون الدول الآسيوية دول مستوردة للصناعات الغربية تحولت اليوم إلى دول مصدرة لها، بل تجاوزت ذلك كي تتحول إلى مراكز خدمات لما أصبح متعارفا عليه بالعهدة (Outsourcing). وتعتبر الهند من أكبر المراكز العالمية لهذه الخدمات نظرا للبنية التحتية التي وفرتها، بالإضافة إلى إتقان المهارات البشرية الهندية للغة الإنجليزية، مقارنة بالدول الناشئة الأخرى.

6 - نجاح الأسواق الناشئة، لأسباب كثيرة من بين أهمها، الرخص النسبي لكلفة الإنتاج، إلى مراكز إنتاج لصناعات غربية كبيرة ومعقدة مثل صناعة تقنية المعلومات والاتصالات (ICT) فشاهدنا شركات عملاقة مثل آي بي إم تبيع حق صناعة حواسيبها الشخصية لشركة صينية هي لينفيفو. وهناك قائمة طويلة لحالات بيع مشابهة جرت في الهند وتايوان.

الملفت للنظر، أن الدول الغربية، باستثناء حالات نادرة تكاد أن تعد على أصابع اليد الواحدة، عرفتها مصر والأردن، أصرت على عبور البحر الأبيض المتوسط، وتجاوز الأراضي العربي كي تحط الرحال في الهند، وربما أبعد من ذلك في تايوان والصين. الأسوأ من كل ذلك، وبينما تتجه الصناعات الغربية نحو أقصى الشرق، تصر البلدان العربية، دون أي استثناء، بالمعنى الإستراتيجي للتوجه، على التعلق بالكتلة الغربية، وهي بذلك ترتكب خطأين إستراتيجيين:

الأول إنها تتعلق بأهداب التاريخ، بدلا من التمسك بتلابيب المستقبل. التاريخ الذي تحاول الدول الأوروبية الهروب منه إلى المستقبل الذي بدأت الدول الآسيوية تشريع أبوابه.

الثاني، هو أنها، أي الدول العربية، تضيع من أمامها فرصة ذهبية ما تزال في وسعها الاستفادة منها وتسخيرها لصاحها. فمع احتياج تلك البلدان لطاقة رخيصة نسبيا، تملكها البلدان العربية، والتي هي الغزوالنفط من جهة، وامتلاك الدول العربية للسيولة النقدية والأسواق الضخمة في أن التي بوسعها أن تقوم بتمويل المشروعات في الأسواق الناشئة، واستيراد منتجاتها الأمر الذي يوفر لها الربح والعائد المالي من مصدرين أساسييين متكاملين في آن.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2329 - الثلثاء 20 يناير 2009م الموافق 23 محرم 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً