العدد 2649 - الأحد 06 ديسمبر 2009م الموافق 19 ذي الحجة 1430هـ

هل تكسب الثورات حروبا مستحيلة؟

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في أغلِب الثورات تُصبح المعارك أكثر قداسة. ولأنها كذلك فقد تضيع الحدود (والجردة أيضا) بين الرغبة في التغيير وبين البذل حتى باللحم الحي في سبيل الهدف. حينها (وهو الأكثر) تكسِبُ الثورة معركتها مهما كانت الكُلفَة.

ربما تتقافز على أكتاف الثورة مجاميع تُنعَت بالديماغوجيا تارة، وبالواقعيّة تارة أخرى، وبعضها بالاعتدال إلاّ أنه من الصعب أن تحسم الأيام الأُوَل إلى من ستؤول خواتيم الأمور في النهاية، ومن سيبقى راديكاليا أو معتدلا خلال مجتمع الانتقال. هذه معادلة مُجرّبة.

عندما هَبّت الأنظمة الملكيّة ومن خلفها الكهنوت المسيحي الأوروبي لمحاربة فرنسا الثورة أنتَجت الأخيرة مجاميع اليعاقبة الراديكاليين لحمايتها وحماية الحدود الفرنسية ضد جيوش غازية لم تُرِدْ أن يتغيّر حال السياسة الأوروبية.

وعندما أرِيْدَ لها أن تتآكل من الداخل عبر الخيانات التي حاكَها النظام الأوروبي القديم ظَهَرَت حقبة مكسمليان روبسبيير، ولجنة السلامة العامّة، للدفاع عن الثورة والمحافظة على النظام السياسي والأمن المجتمعي.

اليوم تُصبح المقايسة بين ذلك القول والثورة الإيرانية محلا للنقاش. فالمواقف السياسية الأميركية «العِدائيّة» بدأت ضدها منذ أن كانت التظاهرات المناهِضة للشاه تجتاح المُدن الإيرانية. أي منذ الخامس عشر من خرداد. وهو ما يُبرّر التشدد الإيراني.

بل إن سايروس فانس وزير الخارجية الأميركي (الأسبق) في حكومة جيمي كارتر أعلن بُعيد تصاعد المظاهرات ضدّ البهلويّة في 14 كانون الثاني يناير من العام 1979 بـ «أن شاه إيران محمد رضا بهلوي سيغادر بلاده لقضاء عطلة في الخارج»! وكأن فانس وزير لوزارَتَيْن خارجيتيْن طهران وواشنطن!

كان بريجنسكي والجنرالَيْن براون (الدفاع) وتيرنر (الاستخبارات) والسيناتور جاكسون يتحدّثون عن أحداث إيران الشّاهنشاهيّة الداخلية وكأنها ضاحية من لوس آنجلوس، وكانوا يتحدّثون للصحفيين عن ضرورة دعم الشاه في مواجهة خصومه، بل إن كارتر كان يَصِف المتظاهرين الإيرانيين بالأوباش.

اليوم وبعد مُضِي ثلاثين عاما (على الثورة وعلى استعدائها) يتحدّثون عن فرصة لإيران في عهد أوباما. لكن الخلط في الأمور جَعَلَ المراقبين يتشكّكون حتى في معاني السياسات. ماذا تعني الفرصة؟!

هل الفرصة المُعَرَّفَة أميركيا أن يُمدِّد الرئيس أوباما العقوبات على طهران، ويُعيد تشغيل خمسة قرارات عقابيّة (مُغَلَّظة) عليها، وأن يدفع بقرارات التجريم فيما خصّ البرنامج النووي الإيراني، والحظر في مُعدّات الطيران المدني والتي تحتاج إيران فيها إلى 6000 طائرة خلال العشرين سنة القادمة.

في نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي أطلقت وكالة الاستخبارات المركزيّة الأميركية (سي آي أي) حملة إعلانات تطلب فيها تجنيد عُملاء إيرانيين (وعرب أيضا) للعمل معها. لم يكُن ذلك سرّا وإنما عبر صفحات إعلانية، وعلى شاشة التلفزيون. بالتأكيد فالأمر ليس غريبا.

اليوم وعندما يَتَثَوْرَن النظام الإيراني ويميل نحو اليمين، فإن ذلك لا يُترجَم إلاّ في سياق إيقاع التطورات السياسية الدولية (والأميركية بالذات) تجاهه. فلا يمكن لأحد أن يظل خَيِّرا لفترة طويلة إذا لم يكن الخير مطلوبا، كما يقول الشاعر الألماني برتولت بريشت.

إذا كان الإيرانيون قد تعاونوا مع الأميركان في أفغانستان، وقبله في مؤتمر بون، وتعاونوا معهم في ثلاث جولات من المباحثات في العراق، ودَفَعُوا لإتمام اتّفاق الدوحة، ولاحقا في تشكيل الحكومة اللبنانية، فأين يُمكن للأميركيين أن يتعاملوا بالمثل.

بالتأكيد هم يقلقون (أي الأميركان) عندما يقوم الحزب الإسلامي بزعامة قلب الدين حكمتيار بشنّ هجمات على الجيش الأميركي بمساعدة إيرانية، ويقلقون عندما تَصِل نسبة هجمات المقاومة العراقية المدعومة إيرانيا إلى 75 في المئة لكنهم لا يسعون إلى تبديد ذلك القلق.

هنا نستحضر، أن ما كان يقوله أوباما خلال حملته الانتخابية من التأكيد على الحوار مع طهران، ما هو إلاّ مقاربة جديدة مناجِزة لأطروحات اليمين المحافظ، بهدف تسكين هواجس الشعب الأميركي من حرب جديدة لا يُريدها.

فالبلد الذي لم يستطع التكامل سياسيا مع فرنسا الشِّيراكِيَّة، ولا مع ألمانيا الشّروْيدريّة، خلال حرب العراق (وأسبانيا الثباتيرويّة لاحقا)، كان يُرادِف سياساته بمزيد من الاعتماد على القوّة المادية التي تُقلِق الفرد الأميركي.

وللتدليل على أن تلك لم تكن سوى مقاربة أوباميّة «مؤقّتة» استمعنا لنائبه جو بايدن وهو يُصرّح لإحدى القنوات الأميركية في الخامس من يوليو/ تموز الماضي بالقول جهارا بأن «من حقّ (إسرائيل) أن تُدافع عن نفسها في مواجهة التهديدات الإيرانية» وأن «الولايات المتحدة لا تستطيع أن تمنعها من ذلك».

وقرأنا للجنرال تشاك وولد في صحيفة وول ستريت جورنال في السابع من أغسطس الماضي (وهو عضو في المجلس الأطلنطي) بأنه «إذا فشلت الدبلوماسية والضغوط الاقتصادية فإن الهجوم العسكري الأميركي ضد إيران سيكون الخيار المتاح والمعقول».

ربما لا تكون تلك التصريحات جادّة بما فيه الكفاية (وهي حتما كذلك) لكنها تُؤشّر لمنهج ونوايا وسلوك في التحالفات المُمكِنة. بالتأكيد هي ستتوظّف لإنتاج تحالفات وسياسات صدّ من بقع جغرافية متعددة.

على الولايات المتحدة الأميركية أن تُدرك بأن تلك السياسات لا ترفع أسهمها داخل الشعوب. ولها في العراق خير دليل. ففي الحين الذي كانت استخباراتها البائسة تعتقد بأن الجيش الأميركي ستُرمى عليه الزهور في شوارع بغداد، باتت الصورة مُختلفة بعد الاحتلال.

واليوم وصلت أعداد الجنود الأميركيين «القتلى» إلى أكثر من 4300 جندي دون أن تأتي تلك الزهور وذلك الترحاب. هذه الأمور لا تُدار بمجسّ استخباراتي، وإنما عبر سياقات تاريخية وسايكلوجية وواقعيّة تخصّ الدول وناسها.

عندما أجرت مؤسسة الرأي العام العالمي الأميركية استطلاعها في إيران نهاية سبتمبر الماضي كانت النتائج مُلفِتة. فعندما سَئِل الإيرانيون عن ثقتهم في صحّة قرارات الرئيس أوباما أجاب 57 في المئة منهم أنهم لا يثقون بها على الإطلاق في حين وافقها بشدة 2 في المئة فقط.

وعندما سُئِلوا عن رؤيتهم هل أن السيطرة الأميركية على موارد النفط في منطقة الشرق الأوسط هي من ضمن الأهداف الأميركية أجاب 62 في المئة منهم بنعم، و6 في المئة لا. وعن سعيها لتدمير العالم الإسلامي أجاب 68 في المئة نعم و7 في المئة لـ لا.

ليس القول بأن مسألة التعاون بين الدول مستحيلة، لكن تبدو كذلك إن وضِع أمر التعاون بشكل معكوس. كما أن الدول (بل وحتى الجماعات المُسلّحة) لم تعُد جمهوريات موز يتم حلبها كلّ حين.

فالعالم تغيّر. وأصبحت القوة تحتلّ جزءا من سياساته فقط، في حين أضحى الاقتصاد والتبادل المعلوماتي والتجاري ووسائل الاتصال عناصر أساسيّة في العلاقات الدولية. وهي سمات عالم اليوم.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 2649 - الأحد 06 ديسمبر 2009م الموافق 19 ذي الحجة 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 10:59 ص

      الحقيقة والواقع

      اي عربون ايراني لامريكا سيتبعه عربون آخر وهكذا حتى تشاهد الجمهورية الاسلامية نفسها في موقع الزبون الدائم
      لا نحتاج لامريكا سوى للاستشهاد باخطائها

    • زائر 1 | 10:15 ص

      في كل الأحوال

      في كل الأحوال لا ينبغي الوثوق بواشنطن وهو وحسب الكاتب جربتها طهران في أفغانستان والعراق

اقرأ ايضاً