العدد 2651 - الثلثاء 08 ديسمبر 2009م الموافق 21 ذي الحجة 1430هـ

دور القبائل... الوجه الآخر للحرب اليمنية

بعض المحللين يذهبون للقول إن الحرب اليمنية تحمل في طياتها حربا قبلية بين «حاشد» و»بكيل» على خلفية الصراع القائم بينهما والمواجهات التي خاضتما وأدت إلى سقوط القتلى والجرحى...

ويرى البعض الآخر أن الاستعانة ببعض القبائل وتجنيد أفرادها من قبل السلطة في الحرب ضد «الحوثيين» لن يكون في صالح النظام نظرا لتغيير التحالفات القبلية وانقلابها على السلطة وهو ما سيفرض على الدولة تقديم تنازلات من شأنها إضعاف مركزها وهيبتها....

تتطلب الحرب في الدائرة في اليمن وفي مرحلتها الأخيرة الدموية، النظر للبعد القبلي من أجل الإحاطة بالخلفية التاريخية ولفهم ما يحدث الآن من مواجهات...

قبل شهر تقريبا، عقد في الجامعة الأردنية بعمان ندوة تناولت دور القبيلة في الأردن والشرق الأوسط أجمع فيها المشاركون على أنها ما تزال مؤسسة رئيسية في النظم الاجتماعية ولها دور تاريخي في صناعة القرار السياسي، وفي المؤتمر قدم الباحث اليمني عادل الشرجبي ورقة تحدث فيها عن تجربة القبيلة في بلاده والتي شهدت حالة من التجاذب بين القبائل والدولة والإسلام السياسي وهو ما يؤثر سلبا وبشكل مفرط على المواطن اليمني واعتبر أن الدور السياسي محصور على مستوى القبائل بشيخ العشيرة وإن الإخوان المسلمين أرادوا أن تكون لهم قوة من خلال القبائل ولكي يصلوا إلى مناطق «الزيديين» لاختراقها وفي المقابل كانت السلطة المحلية تعمل على الوصول إلى الإخوان عن طريق القبائل بهدف السيطرة عليهم...

التأثير السياسي في النظام القبلي يعود في جانب منه إلى ظهور المشايخ على مسرح الحياة السياسية وامتلاكها لأسلحتها التي واجهت بها الدولة ومن ثم سيطرة القبيلة على المؤسسة العسكرية...

وبلغة الأرقام ووفقا لدراسة «النخبة السياسية الحاكمة في اليمن للباحثة بلقيس أبوأصبع تشكل نسبة 52.6 في المئة إجمالي الانتماءات القبلية في الجيش و26.2 في المئة من «سلك القضاء» و 10.5 في المئة فئة «السادة»...

القبائل الرئيسية هي «حاشد» و»بكيل» و»حمير» و»كندة» و»مذجح»، واعتمادا على ما أورده الكاتب المختص بالشأن اليمني عبره مباشرة في صحيفة «الأهرام» فإن «الزيديين» يمثلون ثلث الشعب اليمني أما الأغلبية فمن السنة الشافعيين.

قبيلة «بكيل» تنتمي للمذهب الزيدي الذين حكموا اليمن قرابة 1064 عاما من عام 898 ولغاية 1962 وتنتشر في الشمال حتى محافظة صعدة أما الحوثيون فهم الوجه السياسي للزيديين الذين ظهروا في السنوات الأخيرة مطالبين بإنصافهم وبإعطائهم جزءا من خدمات الدولة...

في السنوات العشر الماضية تحولت مناطق الشمال إلى ما يشبه الكر والفر بين القبائل والدولة بعد أن أقدمت على عمليات خطف الرهائن ومساومة السلطة بالحصول على المغانم فالقبائل تريد احتكار الوظائف والحراسة والقيادة في شركات النفط والناس تتقاتل هناك على سيارة لذلك تلجأ إلى العنف ظنا منها أنها الوسيلة الوحيدة المتاحة لتحسين أوضاعها!

استطاعت القبائل كسر سلطة الدولة في أكثر من موقع ومناسبة فقد نجحت باغتيال الرئيس إبراهيم الحمدي عام 1977 بعد أن حاول تهميشها ولجأ لسلاح الطيران لإخماد تمردها لكنه ذهبت ضحيتها.

تشكل القبائل نحو 85 في المئة من عدد السكان البالغ نحو 23 مليون نسمة ولدى بعضهم أنواع متعددة من الأسلحة بخلاف البندقية التي يحرص على اقتنائها الجميع، توجد قبائل تمتلك مدافع ورشاشات وقنابل وقذائف أر بي جي، والسلاح يعتبر رمزا للرجولة والشرف ولم يسبق لأي حكومة أو نظام أن أقدم على نزع سلاح القبائل، والتقديرات تشير إلى أن عدد الأسلحة في أيدي اليمنيين يتجاوز 50 مليون قطعة سلاح...

العلاقة بين السلطة والقبائل لم تكن تسير على خط مستقيم مع الرؤساء المتعاقبين على الحكم منذ الستينيات وإن عرف عن الرئيس علي عبدالله صالح احتضانه وتحالفه لعدد من القبائل وعزل أخرى وقد أولى هذا الجانب اهتماما خاصا حيث أنشأ مصلحة شئون القبائل بهدف تنظيم العلاقة بينهما وتقوم هذه المصلحة بصرف مخصصات مالية لعدد من المشايخ وهو راتب شهري يتقاضاه من الدولة استعانت بهم السلطة على سبيل المثال للقيام بدورها أو بالنيابة عنها عندما شجعتهم على الانخراط في الجيش حيث دخل نحو 180 شيخا من من مشايخ القبائل للدفاع عن أراضي ومناطق القبائل ضد «اختراقات الملكيين» كما ينقل ذلك الكاتب اليمني عبدالمنعم الجابري...

تعتبر قبيلتا حاشد وبكيل من القبائل الكبرى في اليمن أما مدمج فتتمركز في الشرق والزرانيق في تهامة وبالرغم من تفوق قبائل بكيل من حيث العدد كما تنقل صحافية فرنسية زارت اليمن في أواخر التسعينيات بقيت حاشد التي ينتمي إليها الرئيس علي عبدالله الصلح هي صاحبة النفوذ الأكبر ومنها حزب التجمع اليمني للإصلاح بزعامة عبدالله الأحمر شيخ قبائل حاشد الذي توفي قبل سنتين وخلفه ابنه في الزعامة ... إلا أن الكاتب «الشيخ الحضرمي» ومن الموقع الإلكتروني «المجلس اليمني» يشرح توزيع القبائل ودورها بالشكل التالي: هناك ثلاث قبائل اساسية تعد كل واحدة منها الام لمجموعة اخرى من القبائل التى تتفرع عنها وترتبط بها عضويا وهذه القبائل الثلاث هي: قبيلة حاشد - وبكيل - ومذحج.

وتعتبر قبيلة مذحج اكبر القبائل اليمنية وتنتشر في المنطقة الوسطى وفي أنحاء اليمن وتتفرع الى عدد كبير من القبائل الصغيرة وتعيش كقبائل زراعية مستقرة ورعوية في قرى منتظمة ومتطورة الى حد كبير أما قبيلة حاشد فتعتبر أقل القبائل الثلاث حجما وعددا ولكنها تتحرك كقبيلة قوية وتعيش في الشمال ويتزعمها الشيخ عبدالله الاحمر وتعتبر من القبائل ذات التأثير السياسي والنفوذ الاقتصادي الكبير في بورصة المال والساسية وقبيلة بكيل تعتبر اكبر من حاشد وأصغر من قبيلة مذحج ومنتشرة ومتفرعة في المنطقة الجنوبية بجانب قبيلة اليعافرا وفي جزء من الشمال وهي قبائل محاربة قوية تعيش في مناطق جبلية صعبة ولذلك فان افرادها يغلب عليهم طابع العنف والصلابة بالرغم من التطور الكبير الذي تتسم به حياتهم الان وبالرغم من انه ليست هناك احصاءات دقيقة لعدد افراد هذه القبائل الا ان قبيلتي حاشد وبكيل تمثلان وفقا للاحصاءات الاولية ثلث سكان اليمن الشمالي سابقا. لذلك لقد كان جيش الامام يحيى يضم عناصرا من هاتين القبيلتين واطلق الامام على القبيليتن في وقت من الاوقات (جناحي الامامة) وحتى بعد قيام الثورة فان الجيش الشعبي والميليشيات العسكرية ضمت في غالبيتها ابنـاء القبيلتين. وانتقلت هذه العدوى حتى بعد حرب 94.

مازالت القبيلة هي الوجه الحقيقي القابع تحت البلد الشرعي الظاهر وإن كان البعض يراها كجزء من الدولة، فالمكونات الأساسية للتجمعات السياسية والمؤتمرات وأجهزة الدولة تبني على أساس الانتماء القبلي فأحد أبرز مشايخ قبيلة «بكيل» الشيخ سنان أبو لحوم يعتبر أن التمدن بات يهدد القبيلة...

كل أبناء اليمن ينتمون إلى قبائل بما فيهم الرؤساء والنظام القبلي يفرض ولاية الانتماء لشيخ القبيلة ومن الصعب تجاوزها أو القفز عنها فالأعراف والتقاليد والخصومة تعود إلى النظام القبلي بالدرجة الأولى...

خلال تسعة عشر عاما من قيام دولة الوحدة (1990-2009) فشلت اليمن من تحقيق المساواة بين الفئات الاجتماعية والمناطق الجغرافية واستمر التمييز القائم على أساس النوع الاجتماعي وهذا الفشل يعود في جانب كبير منه إلى أن عملية التحول اقتصرت على المجال السياسي...

الجانب الأهم في هذا التناول أن معظم الدارسين والندوات التي عقدت بخصوص العلاقة بين السلطة والقبيلة اتسمت بالصراع حينا وبالتحالف في معظم الأحيان والدور السياسي للقبيلة لم يكن بسبب قوتها بقدر ما يعود إلى ضعف بناء الدولة، والسلطة في اليمن كما بانت في الندوة التي عقدت بصنعاء عام 2008 أنها مشروع يجلب الثروة، حيث استطاع شيوخ القبائل في المحافظات الشمالية أن يراكموا ثروات كبيرة من خلال دخولهم بأجهزة ومؤسسات الدولة وهذا ما يمكن معرفته من خلال انخراط شيوخ القبائل في الشأن الاقتصادي وتخصص الدولة مبالغ مالية لدعمهم.

أحد الباحثين اليمنيين ويدعى فضل علي أحمد أبوغانم درس العلاقة بين النظام القبلي والدولة وتوصل إلى أن مفهوم الدولة اليمنية ارتبط أولا بمنطق القوة والغلبة ثم بمفهوم الخلافة في الإسلام، ثم بمفهوم الإمامة في عهد دولة الأئمة الزيديين ثم تحولت إلى دولة جمهورية مستقلة.

وفي الأصل بقيت القبيلة هي المكون الرئيسي للمجتمع وأكثر العناصر الاجتماعية والسياسية فاعلية...

خلاصة الفكرة أن الصراع الدموي الذي تشهده اليمن سيترك انعاكاساته مستقبلا على تحالفات القبائل بين بعضها البعض وعلى السلطة فيما بعد، تبعا للتسوية التي سيسفر عنها الحل سواء تم وفق الأعراف القبلية أم وفق النزاعات التي تقع بين السلطة الحاكمة وبين قوى مناهضة لها.a

العدد 2651 - الثلثاء 08 ديسمبر 2009م الموافق 21 ذي الحجة 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 7:41 م

      شکر

      شکرا علي هذه المعلومات اطلب منکم ايها الساده تبحثون عن قبيله مذحج

    • زائر 1 | 3:34 م

      سفيــــان يا خير القبايل

      انا اقول ان الذي يقول في توظيف بعض القبائل لمساندة الجيش هو صحيح يضعف من هيبتها اما المخربين ولكن يكون توظيف القبايل بشكل جيش شعبي للمسانده يكون بأمر أستثنائي في حالة الخيانه بين قادات الجيش ومخالفة الأوامر القياديه يرجع هذا لضعف الكيان لأبناء القوات المسلحه ويكون عون الجيش الشعبي (القبايل )إلى جانب القوات المسلحة أمر طبيعي والله في عون الجميع

اقرأ ايضاً