العدد 340 - الإثنين 11 أغسطس 2003م الموافق 12 جمادى الآخرة 1424هـ

خلافات أميركية

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

هناك أكثر من رأي في الادارة الأميركية لقراءة الموقف السياسي في العراق واعادة رسم الاستراتيجية العامة في ضوء التجارب المختلفة في «الشرق الأوسط». الرأي الراجح حتى الآن هو اعتبار الحرب على العراق كانت ضرورية بغض النظر عن مبرراتها وأسبابها. فالمهم برأي هذا الجناح المتطرف هو النتائج ولأن الغاية تبرر الوسيلة فإن واشنطن تستطيع الانطلاق من الأمر الواقع من دون حاجة للعودة الى الوراء لتفسير أو الاعتذار عن فعلتها. الرأي الآخر يقول إن صدقية الولايات المتحدة على المحك وأن سياستها الخارجية (الدفاعية) تعرضت للاهتزاز بسبب قيامها بشن حرب استندت فيها الى فرضيات لم تثبت الوقائع صحتها ولذلك على واشنطن دراسة ما يجب القيام به حتى لا تصاب مصالحها بأضرار ناجمة عن قلة تقديرها لمصالح الآخرين. الجدل حتى الآن لم يسفر عن سياسة مغايرة لتلك التي أملت على البيت الأبيض اتخاذ قرار الحرب من دون العودة الى الأمم المتحدة. وهو قرار أفقد الهجوم العسكري زخمه السياسي. وجعله مجرد فوز في معادلة حسابية لا قيمة استراتيجية لها. فالنقاش حتى الآن لا يدور حول اعادة النظر بالقرار الخطأ بقدر ما هو يتجه نحو العمل على تصحيح خطأ من دون التراجع أو الانسحاب أو العودة الى دائرة الصفر.

كل النقاشات التي تدور الآن في البيت الأبيض لا تمس جوهر القرار بقدر ما تحاول تبرير شرعيته استنادا الى صفات تميز بها النظام السابق من استبداد وقساوة ومقابر جماعية. وانطلاقا من فتح ملفات النظام الصدامي تريد واشنطن اعطاء زخم سياسي داخلي يعطيها بعض المعنويات لاستكمال معركة لم تنته شروطها المحلية والاقليمية بعد. وفي هذا الاطار هناك أكثر من رأي أيضا. المتطرفون يشترطون الاستمرار في الهجوم حتى تنجح الولايات المتحدة في الامساك بمفاتيح اللعبة وتضمن نجاحها في العراق. المعتدلون يرفضون فكرة الهجوم الدائم (الحروب الدائمة) من دون توقف أو وجود مبررات تعطي الذريعة لشن ما يسمى «الضربات الاستباقية». وعلى رغم نفوذ التيار المعتدل وتأثيره في كبح جنون «أشرار البنتاغون» إلا أن التيار المتطرف لا يزال حتى الآن يمسك بشروط القرار ويدير اللعبة الدولية في سياق تصعيدي على الضد من كل التوجهات العاقلة والعقبات التي يتعرض لها الاحتلال في العراق.

المعتدلون يرون ان ما حصل حتى الآن هو كاف ولا يجوز الاستمرار في سياسة التصعيد في منطقة شديدة الحساسية حتى لا يفلت زمام المبادرة وتدب الفوضى في دائرة قطرها مئات الأميال. فالفوضى في حال انتشرت ستطاول أضرارها كل القوى منها الصديقة والحليفة لواشنطن ومنها المعادية لها. والفوضى في هذا المعنى العام ستتحمل الولايات المتحدة مسئوليته المعنوية والسياسية وربما جر عليها وعلى مصالحها الكثير من الأخطار التي لا يعرف من أين تأتي وكيف تأتي؟

التيار المعتدل يرى أن الوضع العربي الحالي هو الأنسب للمصالح الأميركية وفي حال تم تغييره من دون وعي وبالضد من أهل المنطقة فإن البدائل ليست بالضرورة أن تكون أفضل للولايات المتحدة. فالاستقرار الآن هو أفضل ضمانة للمصالح الأمير كية ويبقى على سلبياته أحسن بكثير من فوضى لا يعرف من المسئول عنها كما هو حاصل الآن في العراق.

المتطرفون - بدعم من «اسرائيل» - يجدون أن وقوف القوات الأميركية في مكانها وعدم تحريك قطاعاتها العسكرية خارج الحدود العراقية سيغرق سياسة واشنطن في مئات التفصيلات الصغيرة التي لن تقوى على احتواء عناصرها وايجاد مخارج أو وضع حلول معقولة لها.

هذا التيار المجنون يدفع نحو تغذية عناصر التطرف في البيت الأبيض من خلال تزوير الوقائع وتزيين النتائج والكذب على الرئيس، الذي تنقصه الخبرة في السياسة الخارجية والتوازن في رؤية المصالح المعقدة في «الشرق الأوسط»، وتشجيعه على استكمال مغامراته العسكرية بالمزيد من التهديدات والحروب.

حتى الآن لا يزال «اشرار البنتاغون» يسيطرون على القرار... وهذا يعني ان احتمالات التورط في حروب جديدة واردة في وقت فشلت القوات الأميركية في فرض رغباتها السياسية على العراق. ولم تنجح أيضا في تطبيع الشعب مع الاحتلال واعتباره المدخل الوحيد لاعادة بناء الدولة.

هناك أكثر من رأي في الادارة الأميركية وعلى رغم افتضاح أمر « كتلة الشر» في البيت الأبيض لاتزال هذه الكتلة تتمتع بقدرة على المناورة واللعب بمصير منطقة مهددة بالانفجار قبل أن تتضح البدائل ويظهر الأفق

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 340 - الإثنين 11 أغسطس 2003م الموافق 12 جمادى الآخرة 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً