العدد 351 - الجمعة 22 أغسطس 2003م الموافق 23 جمادى الآخرة 1424هـ

الحصانة البرلمانية للنواب: شروطها وحدودها

عضو البرلمان أو عضو مجلس الشورى يحتاج عندما يحمل هذه الصفة (صفة عضو) إلى من يحصنه ويقيه من أي إجراء يمنعه من التحدث في المجلس، وعلى هذا فإن الدساتير منحت العضو حصانة يستطيع من خلالها أن يطرح ما يشاء من الأفكار وأن يجادل من يشاء من الوزراء من دون أن تلقى عليه المسئولية، ولكن هل هذه الحصانة التي منحتها الدساتير للنائب هي حصانة مطلقة أم انها حصانة نسبية؟ وهل يجوز للعضو بناء على هذه الحصانة أن ينال من شخوص الوزراء أو الأعضاء أو حتى عامة الناس أو أن يقوم بالتهديد والانتقام؟ إلى ذلك فإننا سنتطرق إلى مفهوم الحصانة البرلمانية والمسئولية البرلمانية من خلال دستور مملكة البحرين 2002.

الدستور فرّق بين الحصانة البرلمانية وعدم المسئولية البرلمانية للنائب، فالحصانة البرلمانية وعدم المسئولية البرلمانية يحتاج إلها العضو لكي يبدي ما يشاء من الآراء والأفكار من دون أن يمنعه مانع قانوني عن ذلك.

الحصانة البرلمانية التي يتمتع بها العضو تشمل الجرائم التي وقعت خارج قبة المجلس وهي حصانة لجميع الجرائم سواء أكانت جنحا أم جنايات شريطة ألا يضبط النائب في حال تلبس بالجرم المشهود، ففي هذه الحال (أي في حال الجرم المشهود) لا يحميه ولا تشمله الحصانة البرلمانية، وعلى هذا فالحصانة المقصود بها انه لا يجوز أن تتخذ ضد عضو البرلمان أية إجراءات تتعلق بالتحقيق عند اتهامه بجريمة وقعت خارج المجلس أو داخل المجلس ألا بعد الحصول على إذن من المجلس وهذا ما نصت عليه المادة (89) من الدستور. أما المسئولية البرلمانية فتتعلق بجرائم الرأي والتعبير داخل المجلس، وتشمل المسئولية المدنية والمسئولية الجنائية.

الحصانة البرلمانية

تطرقت المادة (89) (ج) إلى الحصانة البرلمانية وعدم المسئولية البرلمانية إذ كما نصت المادة «لا يجوز أثناء دور الانعقاد في غير حال الجرم المشهود أن تتخذ نحو العضو إجراءات التوقيف أو التحقيق أو القبض أو الحبس أو أي إجراء جزائي آخر إلا بإذن المجلس. وفي غير دور انعقاد المجلس يتعين أخذ إذن من رئيس المجلس».

كما أن الفقرة (أ) من المادة (89) تمنح العضو حصانة عامة وعدم مسئولية برلمانية بقولها: «عضو المجلس الوطني يمثل الشعب بأسره ويرعى المصلحة العامة ولا سلطان لأية هيئة عليه في عمله بالمجلس أو لجانه».

وهذه الحصانة البرلمانية كما أسلفنا سابقا تختلف عن عدم المسئولية البرلمانية، فهي تشمل الجرائم التي تقع خارج المجلس أو داخله سواء كانت هذه الجرائم جنحا أو جنايات فتشملها الحصانة، فالعضو بما أنه إنسان قد تصدر عنه تصرفات فعلية تجاه الغير يعتبرها القانون من قبيل الجنح أو من قبيل الجنايات كاعتداء على زميل له بالمجلس أو أحد الحضور أو صحافي، وهذه الحصانة لا تشمل السب أو القذف لأن هذه من الأقوال وليست من الأفعال وهي تدخل ضمن عدم المسئولية البرلمانية فإذا صدرت عن العضو تصرفات كالاعتداء فلا يجوز أن تتخذ ضد هذا العضو الذي قام بالاعتداء إجراءات التوقيف أو التحقيق أو الحبس أو أي إجراء جزائي آخر إلا بإذن المجلس. كما أن هذه الحصانة تنسحب حتى على الجرائم السابقة التي قام بها عضو المجلس قبل أن يكتسب صفة عضوية المجلس، لأنه لا يجوز اتخاذ أي إجراء ضده إلا بإذن المجلس.

إن الحصانة التي يكتسبها عضو المجلس مشروطة بحيث لا يمكن أن يكتسبها العضو إلا خلال انعقاد أدوار المجلس فإذا وقعت الجريمة من العضو والمجلس منعقد في أدواره، فالحصانة تكون سارية في حقه ولكن هذه الحصانة تسقط في حال إجازة المجلس أو في حال حل المجلس أو في حال انتظار انتخابات جديدة للمجلس، وأثناء إجازة المجلس بين أدوار الانعقاد فإن عضو المجلس يظل محتفظا بصفة العضوية ولكنه لا يتمتع بالحصانة فحينئذ يجوز للسلطات القضائية أن تمارس إجراءاتها في مواجهة العضو.

ويجب أن نلفت النظر إلى أن هذه الإجراءات التي تمارسها السلطة القضائية تتوقف عندما يعود المجلس إلى الانعقاد وعلى هذه السلطة أن تطلب الإذن من المجلس لكي تستمر في اتخاذ الإجراءات وهذا صريح نص الفقرة (ج) من المادة (89) إذ نصت على أنه... «يجب إخطاره دوما في أول اجتماع له بأي إجراء اتخذ أثناء إجازته ضد أي عضو من الحصانة»، كما نصت الفقرة نفسها على أنه «ويعتبر بمثابة إذن عدم إصدار المجلس أو الرئيس قراره في طلب الإذن خلال شهر من تاريخ وصوله إليه»، كما أن اللائحة الداخلية للمجلس الوطني المنحل نصت في مادتها رقم (7) الفقرة (أ) على أنه «يقدم طلب الإذن برفع الحصانة عن العضو إلى رئيس المجلس من الوزير المختص أو بناء على طلب النيابة العامة أو ممن يريد رفع دعواه مباشرة إلى المحاكم الجزائية»، فإذا لم يبت المجلس في الطلب المقدم إليه ومضى شهر واحد على تاريخ وصول الطلب اعتبر هذا السكوت بمثابة إذن من المجلس لرفع الحصانة عن العضو وبذلك تتخذ ضده الإجراءات الجنائية كافة.

في حال انتهاء العضوية

قد يرتكب العضو جريمة من الجرائم وهو يحمل صفة عضوية المجلس النيابي ومن ثم تطلب السلطة القضائية من المجلس أن تمارس في مواجهة العضو إجراءاتها ولكن المجلس لم يأذن لهذه السلطة بأن تتخذ الإجراءات المطلوبة في هذا الشأن، ففي هذه الحال لا يمكن للسلطة أن تستمر في اتخاذ إجراءاتها، فالإجراءات التي اتخذت في حال عدم علم المجلس تكون باطلة ويعتبر الحكم بالإدانة الصادر في مواجهته باطلا ولكن بعد أن تنتهي فترة العضوية فإن العضو يفقد الحصانة التي اكتسبها من خلال صفته عضوا فيجوز بعد ذلك اتخاذ الإجراءات الجنائية في مواجهته من دون إذن لأن العضو فقد حصانته بانتهاء مدة عضويته.

في حال الجرم المشهود

نصت المادة (89) في فقرتها (ج) على أنه «لا يجوز أثناء دور الانعقاد في حال الجرم المشهود أن تتخذ نحو العضو إجراءات التوقيف أو التحقيق أو القبض أو الحبس أو أي إجراء جزائي آخر...». إن صريح نص الدستور في هذا الخصوص يدلنا على أن عضو المجلس النيابي كما هو عضو المجلس الاستشاري إذا ضبط مرتكبا جريمة وتم الإمساك به وهذا ما يطلق عليه «حال الجرم المشهود» أي حال التلبس بالجريمة فإنه يجوز في هذه الحال اتخاذ إجراءات الاستدلال والدعوى الجنائية من دون اللجوء إلى المجلس لطلب الإذن منه في ذلك لأن الحصانة التي منحها الدستور للعضو لا تشمله وهو في حال التلبس لأنه من غير المنطقي والمعقول أن يمسك بالعضو وهو يقوم بارتكاب جريمته ثم يترك بحجة أن لديه حصانة برلمانية وهذا خارج نطاق القانون والمنطق.

عدم المسئولية البرلمانية

إن عدم المسئولية البرلمانية تتعلق بالأقوال وليست بالأفعال وهي تعطي عضو المجلس حرية الرأي والفكر والتعبير حتى يستطيع أن يكشف الأخطاء التي يرتكبها المسئولون وغيرهم من دون أن يخشى أحدا أو يتعرض له أحد بالمساءلة. ونظم الدستور هذه الحصانة وهذبها ووضع لها شروطا لا يجوز للعضو أن يتجاوزها. فقد نصت المادة (89) الفقرة (ب) على أن «لا تجوز مؤاخذة عضو كل من مجلس الشورى أو مجلس النواب عما يبديه في المجلس أو لجانه من آراء وأفكار إلا إذا كان الرأي المعبر عنه فيه مساس بأسس العقيدة أو بوحدة الأمة أو بالاحترام الواجب للملك أو فيه قذف في الحياة الخاصة لأي شخص كان».

ونلاحظ أن الدستور قيد العضو وحدد مساره عندما يريد أن يبدي رأيا أو استجوابا بألا يستعمل العضو أيا من ألفاظ السباب أو الشتائم سواء للوزير المستجوب أو لعضو زميل له أو لأحد الحضور، كما أن هذا الرأي يجب ألا يمس العقيدة سواء كانت هذه العقيدة هي العقيدة الإسلامية أو العقيدة المسيحية أو العقيدة اليهودية لأن هذه كلها عقائد سماوية يجب احترامها، كما أنه لا يجوز أن يبدي آراء تشكل في مجملها أو في مفرداتها إهانة للأمة أو تدعو إلى تمزيق صف الأمة أو استهانة بتاريخ الأمة أو بمقدراتها، كما يجب على العضو ألا يبدي رأيا فيه مساس بعظمة وهيبة الملك.

نطاق عدم المسئولية البرلمانية

إن عدم المسئولية البرلمانية تنصرف إلى جرائم الرأي والتعبير داخل المجلس ونلاحظ أن نطاق عدم المسئولية يتمثل في الأقوال التي يبديها العضو وليست في الأفعال، فالدستور أكد ذلك بقوله: «لا تجوز مؤاخذة عضو كل من مجلس الشورى ومجلس النواب عما يبديه في المجلس أو لجانه من آراء أو أفكار» فعدم المسئولية ينصرف إلى الأقوال، أي الآراء والأفكار والتعبير، كما أن نطاق عدم المسئولية البرلمانية من حيث المكان لا يتعدى المجلس أي أثناء انعقاد جلسات المجلس أو اجتماع لجانه، أما الأقوال التي يبديها العضو خارج المجلس أو خارج لجانه فإنه يؤاخذ عليها ولا تمتد الحصانة إلى ذلك، فإذا انتهت الجلسة تنتهي حصانة عدم المسئولية البرلمانية حتى وإن كان العضو داخل مبنى المجلس لأن الإباحة تتقرر فقط أثناء انعقاد جلسات المجلس أو أثناء انعقاد اللجان. وسبب عدم مؤاخذة العضو تجد تفسيرها في إعطاء العضو الحرية الكاملة والمطلقة لإبداء ما يراه وحتى لا تكون المؤاخذة حجر عثرة تقف أمام العضو وتجعله لا يستطيع أن يبدي رأيا أو يطرح تفكيرا أو يستجوب وزيرا خوفا من المؤاخذة.

كما أن التصريحات الصحافية التي يطلقها العضو خارج المجلس وبها مساس بأحد الأعضاء أو بأحد الأشخاص فإن عدم المسئولية لا تحميه بنص الدستور الذي جعل هذه الحصانة أثناء عقد المجلس جلساته أو أثناء اجتماع اللجان.

هل يجوز

التنازل عن الحصانة؟

إن دستور مملكة البحرين منح العضو حصانة برلمانية وعدم مسئولية برلمانية، ولكن هل يجوز للعضو أن يتنازل عن هذه الحصانة؟ بمعنى هل يجوز للعضو أن يقدم نفسه إلى السلطة القضائية أو أن يمثل أمام لجان التحقيق من دون إذن من المجلس لإثبات براءته من التهمة الموجهة إليه؟ الجواب عن ذلك يكون بالنفي وهذا ما قررته الفقرة (ج) من المادة (7) من اللائحة الداخلية للمجلس الوطني 1973 بقولها: «ليس للعضو أن يتنازل عن الحصانة النيابية من غير إذن المجلس» لأن هذه الحصانة لم تتقرر لمصلحة العضو وإنما تقررت لمصلحة استمرار وسير العمل في المجلس، ولولا هذه الحصانة لأصبح في إمكان السلط

العدد 351 - الجمعة 22 أغسطس 2003م الموافق 23 جمادى الآخرة 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً