العدد 354 - الإثنين 25 أغسطس 2003م الموافق 26 جمادى الآخرة 1424هـ

برلين تعيد النظر في موقفها من المشاركة

بعد الاعتداء على مقر الأمم المتحدة في بغداد

سمير عواد comments [at] alwasatnews.com

وراء الكواليس تشهد العاصمة الألمانية برلين تحركات تسبق موعدين مهمين على جدول أعمال المستشار الألماني غيرهارد شرودر. ففي يوم 23 سبتمبر/أيلول المقبل سيلقي رئيس الحكومة الألمانية كلمة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة يعرض فيها أسس السياسة الخارجية الألمانية والتحديات التي تواجهها وخصوصا على ضوء استمرار تأزم الوضع في أفغانستان وعدم استقرار الوضع في العراق. وينتظر المراقبون أن يقوم شرودر، بعد الاعتداء الذي وقع على مقر الأمم المتحدة في بغداد، بالتأكيد مرة أخرى على أهمية قيام الهيئة الدولية بدور رئيسي في تسيير أمور العراق بدلا من الدور القزمي الذي سمحت به الولايات المتحدة الاميركية لها في هذا البلد. كما من المنتظر أن يجتمع المستشار الألماني مع الرئيس الاميركي جورج بوش في مدينة نيويورك حين يوجد للغاية نفسها إذ سيلقي بدوره كلمة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة وسيتعرض بدوره للمسألتين الأفغانية والعراقية. ويتكهن المراقبون في برلين منذ الآن بأن يطلب بوش مؤازرة عالمية لقوى التحالف في مهمة فرض الاستقرار في العراق على ضوء المقاومة التي تتعرض لها القوات الغازية ويقول دبلوماسي ألماني: أيقنت القوة الدولية أخيرا أن لقوتها العظمى حدودها.

في إطار التحركات التي تجري وراء الكواليس، زار رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الاميركي السناتور ريتشارد لوغار، المستشار شرودر. وعلى رغم أنه لم يصدر بيان صحافي حول الموضوعات التي أثيرت بين الطرفين إلا أن التكهنات كثيرة هذه الأيام وخصوصا أن زيارة لوغار إلى برلين تأتي في وقت يجري فيه الترتيب في برلين وواشنطن للقاء محتمل بين شرودر وبوش لإعلان نهاية الجفاء الذي نشأ بينهما بسبب رفض ألمانيا حرب العراق. وما زال شرودر منتشيا بعبارات الإشادة التي وجهها بوش قبل فترة وجيزة لألمانيا إذ شكرها على الدور الذي تقوم به في أفغانستان. كما رد شرودر المجاملة بأحسن منها حين أجاب في مقابلة أجرتها معه محطة تلفزة «دويتشه فيلله» الألمانية الموجهة للخارج، ردا على سؤال من زعيم الدولة الأجنبي الذي يشعر براحة أكثر لدى الحديث معه؟ وقال أنه يشعر بسرور كبير عند الحديث مع بوش.

تقول مصادر صحافية مطلعة في برلين أن السناتور لوغار الذي التقى أيضا بوزير الخارجية الألماني يوشكا فيشر، نصح الألمان بأن يدرسوا المعطيات الجديدة بتمعن وحذر كبيرين واتخاذ موقف مناسب للمصالح القومية الألمانية. وأشارت المصادر إلى احتمال أن تتجاوب برلين مع طلب واشنطن بإعادة التفكير في موقفها الرافض للمشاركة عسكريا في العراق إذا طلبت الولايات المتحدة منها ذلك وهذه المرة ليس للقضاء على بقايا رموز النظام السابق وإنما لمكافحة الإرهاب وخصوصا وأن ألمانيا من بين الدول التي أعلنت انضمامها للحرب المناهضة للإرهاب وتقوم بنشاطات واسعة في أفغانستان وقبالة ساحل القرن الإفريقي ويتنبأ البعض بأن تكون المحطة المقبلة للجنود الألمان في العراق وعلى الأرجح ضمن قوة تابعة لحلف شمال الأطلسي لكن الشرط الأساسي هو أن يصدر قرار تكليف بالخصوص عن الأمم المتحدة. حتى اليوم الكلمة الأكثر رواجا في برلين هي: لا. أي لا لإرسال جنود ألمان إلى العراق. هذا ما قاله فيشر الجمعة الماضي وأكد عليه شرودر السبت وكرره وزير الدفاع بيتر شتروك الأحد. ويجري الحديث في الصالونات السياسية في برلين عن التحول الذي قد يجبر المسئولين الألمان على التراجع عن موقفهم تجاه التدخل العسكري في العراق. سبب هذا التحول، الاعتداء الذي استهدف مقر الأمم المتحدة في بغداد وأسفر عن مقتل أكثر من 24 شخصا بينهم مبعوث الهيئة الدولية سيلفيو فييرا دي ميلو ويقول المراقبون إن هذا الاعتداء الذي يعتقد أنه من عمل وتدبير جماعة «أنصار الإسلام» المقربة من منظمة «القاعدة» زاد الضغط المتنامي على الحكومة الألمانية كي تعيد النظر في موقفها تجاه الأزمة العراقية لكن إعلان المستشار شرودر في مقابلة مع «دويتشه فيلله» أن بلاده لن ترسل جنودا إلى العراق قد لا يكون الموقف النهائي فاحتمالات التراجع عن هذا الموقف تزداد مع كل اتصال جديد يتم بين برلين وواشنطن. وقال شرودر: ليست هناك مطالب محددة فيها ما يعرض علينا إرسال جنود إلى العراق وهذا وحده يكفي كي لا ندخل في نقاش حول هذا الأمر في الوقت الحاضر. وأضاف شرودر: ينبغي الأخذ في الاعتبار المهمات الكبيرة التي تقوم بها القوات المسلحة الألمانية. منذ أن نشطت ألمانيا باستخدام القوات المسلحة وسيلة للتأكيد على دور ألماني قيادي في العالم. وينتشر جنود ألمان في أفغانستان والبلقان وفي جيبوتي ويتوقع قادة عسكريون كبار في القوات المسلحة الألمانية أن تلعب المؤسسة العسكرية دورا بارزا في إطار متطلبات السياسة الخارجية التي تتبعها حكومة المستشار شرودر. وكشف شرودر في تصريحاته الصحافية أن ألمانيا تقوم بدور داخل ألمانيا في إطار محاربة الإرهاب وأبلغ تلفزيون «دويتشه فيلله»: دعونا لا نتجاهل الدور الذي يقوم به ثلاثة آلاف جندي ألماني في حماية القواعد العسكرية الاميركية ومنشآت اميركية أخرى في إطار مكافحة الإرهاب. وعلى رغم تصريحات المسئولين السياسيين والقادة العسكريين الألمان أنهم لا يؤيدون - قلبيا - تدخلا عسكريا ألماني في المستنقع العراقي تمسك مجموعة من السياسيين أبرزهم وزيرة التعاون الاقتصادي والإنماء هايدي ماري فيتشوريك تسويل بالرأي أن المساهمة الألمانية ينبغي أن ترتكز على أساس تقديم مساعدات إنسانية وتحمل قوى التحالف التي قامت بالحرب، نتائج العمليات العسكرية وكلفها العالية إضافة إلى تحملها مسئولية فرض الأمن والاستقرار في العراق.

الاعتداء على مقر الأمم المتحدة في بغداد قلب الموازين، وخلط الأوراق في برلين أيضا. وقال شرودر في تصريحاته: حتى إذا اختلفت الآراء على الحرب في العراق إلا أن لدينا مصالح مشتركة في تحقيق الأمن والاستقرار في هذا البلد. تشير مصادر سياسية محسوبة على الحكومة الألمانية أنه ينبغي إدماج الأمم المتحدة في التصورات التي يجري وضعها بشأن الأزمة العراقية وتشير إلى الدور العسكري الألماني في أفغانستان إذ من المقرر أن يجري توسيع مهمة قوات الحماية الدولية لتتجاوز مدينة كابول وينتشر جنود وخبراء تعمير ألمان وأجانب في مناطق أخرى ومساعدة الأفغان في أن تتحول المساعدة الدولية إلى مساعدة ذاتية ويقول البعض في برلين إن بوش الذي أشاد بدور الألمان في أفغانستان يتمنى أن يجري العمل بدور مماثل في العراق. وتجد برلين أن هناك تواردا في الخواطر بينها وبين كوفي عنان الأمين العام للأمم المتحدة الذي أشاد بدوره بالمثال الأفغاني. لكن على رغم رغبة الاميركيين الملحة في أن تشارك دول أجنبية أخرى بمهمة فرض الأمن والاستقرار في العراق إلا أنه من المستبعد في الظرف الحالي أن تسهم ألمانيا ومعها فرنسا بدور عسكري في العراق حتى في إطار وحدة عسكرية تابعة للحلف الاطلسي (الناتو). لكن ستجد برلين نفسها مضطرة إلى إعادة النظر في موقفها إذا تنازلت واشنطن للأمم المتحدة وأوكلت إليها مسئولية تسيير أمور العراق من إجراء انتخابات حتى الإشراف على ثروته النفطية. ويرى كريستوف بيرترام الخبير السياسي في مؤسسة الأبحاث والسياسة التي توصف بأنها مطبخ الأفكار الذي يعين الحكومة الألمانية في اتخاذ قرارات السياسة الخارجية، أن الأمم المتحدة ستقوم بمهمة إخراج مهمة العراق عاجلا أم آجلا وأنه في حال توكيلها حلف شمال الأطلسي بمهمة مشاركة الاميركيين والبريطانيين ودول عربية في استتباب الأمور في هذا البلد فإنه سيكون من الصعب جدا على الألمان أن يتمسكوا بموقفهم الرافض للمشاركة العسكرية

العدد 354 - الإثنين 25 أغسطس 2003م الموافق 26 جمادى الآخرة 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً