العدد 355 - الثلثاء 26 أغسطس 2003م الموافق 27 جمادى الآخرة 1424هـ

العراق... والبدائل السياسية

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

انهى وفد مجلس الحكم العراقي الانتقالي جولته العربية بقصد نيل التأييد أو الاعتراف بشرعيته السياسية من الدول العربية. فالمجلس يريد تغطية عربية لسلوكه في إدارة بقايا دولة بإشراف جنرالات الاحتلال. والمجلس يحاول اخذ شرعية عربية قبل ان ينال شرعيته من الشعب العراقي الذي يبدو أنه، حتى الآن، يرفض الاحتلال والنتائج التي اسفر عنها.

لا شك في ان أهل العراق متفقون على عدم عودة الوضع إلى ما كان عليه قبل الحرب، إلا انهم غير متفقين على البديل السياسي. وهذا هو مأزق العراق اليوم. فالوضع تجاوز النظام السابق إلا انه لم يتطور كفاية لانتاج بديل مشترك تجمع عليه كل الفئات والمناطق التي تتألف منها الدولة. فالعراق اليوم يمر بمرحلة انتقالية خطرة جدا واذا لم تتدارك الدول العربية الموقف ستنشأ قريبا مناطق فراغ سياسية تستدرج القوى المحلية وربما الاقليمية إلى سلسلة مواجهات لتعبئة تلك الفراغات الناجمة عن الانهيار العام الذي اصيبت به بلاد الرافدين.

الآن وبعد مرور اربعة اشهر على الاحتلال لم تعد الفوضى مسألة ادارية تنجم عادة عن ظروف خارجية قاهرة، كما حصل لدولة العراق... الذي حاصل الآن هو فوضى سياسية يرجح ان تكون مدبرة بقصد اثارة النعرات الطائفية والمذهبية، تبرر تشكيل سلطات محلية لادارة شئون المحافظات بأساليب مختلفة تؤسس لاحقا جيوبا سياسية متمايزة عن بعضها بعضا.

في بدايات الحرب كانت مختلف التحليلات تشير إلى احتمال اندلاع الفوضى. وهذه مسألة بديهية تحصل عادة عندما تقوم دولة كبرى بتحطيم دولة صغيرة وتدمير هياكلها السياسية والادارية. هذا الامر ليس جديدا. فهو حصل مرارا وتكرر في حالات كثيرة ومشابهة. لذلك لجأت الدول الكبرى إلى وضع اتفاقات دولية تحمّل الدولة المحتلة المسئولية المعنوية والمادية لكل ما يحصل من اعمال عنف وثأر وانتقام أو ردود فعل سياسية أو غيرها من فوضى (نهب، حرق، سرقات، وخطف). فهذه الاتفاقات وضعت اصلا كضمانات للدول الصغيرة ولردع الدول الكبيرة عن استخدام قوتها الغاشمة من دون حسابات أو قبل التفكير في دفع كلفة نتائج العدوان والمترتبات الناجمة عنه. أما في الحال العراقية فتبدو الأمور اسوأ بكثير من البنود التي حددتها الاتفاقات الدولية وحذرت من وقوعها حين تقدم دولة كبرى على ارتكاب جريمة سياسية ضد دولة اخرى.

الأمور في العراق شارفت الآن على قاب قوسين من انشطار المجتمع الاهلي وتمزيقه إلى تكتلات سياسية متناحرة تريد فرض سطوتها على القوى الاخرى. والفوضى التي بدت منظمة وأسفرت عن نهب المؤسسات وحرقها انتقلت من حدها الادنى (سرقات) إلى حدها الاقصى وهو نشوء مراكز قوى محلية تدير شئون مناطقها بمعزل عن المناطق الاخرى. وهذا الامر في حال طال زمنه سيؤدي لاحقا إلى قيام «أنظمة» أهلية تسلك في حياتها ومعاملاتها الطرق والوسائل المعتمدة محليا من دون عودة إلى المراجع العليا في الدولة... اي من دون وجود دستور عام ومشترك يوحد الشعب ويربطه قانونيا بنظام يشكل الحد الوسط بين مختلف الفئات والمذاهب والطوائف والمناطق.

والخطير في موضوع العراق وجود مناطق مختلطة ومتداخلة في تنوع اقوامها ومذاهبها وطوائفها، الامر الذي سيزيد من صعوبة الاتفاق على «انظمة اهلية» مشتركة في وقت غابت عنه الدولة العراقية الوطنية الواحدة. ومشكلة هذه المناطق ليس في تنوعها المذهبي فقط، بل تداخل المذاهب مع الثقافات والاصول الاقوامية (القوم). فالتركمان مثلا موزعون على مذهبين، والاكراد كذلك، والعرب ايضا. والشمال ليس كله كرديا، والوسط ليس كله عربيا، كذلك الجنوب. وبين الجنوب والوسط والشمال تنتشر القبائل العربية على اختلاف ألوانها وعاداتها وتقاليدها وأحيانا مذاهبها.

الفوضى في العراق وصلت إلى نقطة الخطر. وفي حال تكرار التجاوزات واحيانا الاعتداءات كما حصل في كركوك والموصل واخيرا الطوز، فإن الامر قد يتحول إلى نوع من المواجهات المحلية (الأهلية) التي يمكن لها ان تنتقل وتستدرج مختلف المناطق إلى معارك أهلية لا يستفيد منها إلا المحتل الذي يبدو انه يميل إلى تفجير الوضع الداخلي لتعطيل مهمات المقاومة العراقية وارباك اهدافها.

انهى وفد مجلس الحكم جولته العربية لكسب تغطية لسياسة التعامل مع الاحتلال في وقت لاتزال تنقصه الشرعية الداخلية وعدم اتفاق الشعب العراقي على شرعية تمثيله. والمشكلة في مجلس الحكم الانتقالي انه يبحث عن شرعية داخلية بغطاء عربي بينما العراق نفسه باعتباره دولة واحدة بدأ يفقد توازنه وتجانسه في ظل احتلال خطط منذ البداية لهذا النوع من الفوضى المنظمة

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 355 - الثلثاء 26 أغسطس 2003م الموافق 27 جمادى الآخرة 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً