العدد 402 - الأحد 12 أكتوبر 2003م الموافق 15 شعبان 1424هـ

هل يستطيع شوارزنيغر إدارة اقتصاد كاليفورنيا؟

بعد انتخابه حاكما جديدا

يمثل اقتصاد ولاية كاليفورنيا اكبر اقتصاد في الولايات المتحدة وكاليفورينا جزءا ناجحا من الاقتصاد الاميركي، فهل لها تأثير على بقية دول العالم؟ لقد لقيت بعض التطورات السياسية في الولاية، مثل المقترح (13) - الذي بدأ توجها بخفض معدلات الضرائب في السبعينات - صدى كبيرا في بقية انحاء العالم. هناك بعض الافكار عن كاليفورنيا ومن ثم بعض الأفكار عن دلالة انتخاب حاكمها الجديد. الأمر الأول الذي يجب توضيحه هو حجم كاليفورنيا. اذ تأوي الولاية حوالي 36 مليون نسمة، أقل إلى حد ما من سكان اسبانيا ولكن اكثر بكثير من سكان كندا. في العام الماضي حقق اقتصادها نمو ناتج محلي قدره حوالي 1,39 بليون دولار أميركي، أي يلي نمو الناتج المحلي الفرنسي مباشرة - سكان فرنسا 59 مليون نسمة - ما يجعله سادس اكبر اقتصاد في العالم.

واستطاعت كاليفورنيا أن تنجو من الكساد الاقتصاد بشكل جيد للغاية. ويبدو أن اقتصادها ينمو أسرع بنسبة 1 إلى 2 في المئة سنويا من جملة الاقتصاد لدى الولايات المتحدة. وتأثر شمال كاليفورنيا بالمشروعات الوهمية عالية التقنية ولكن يبدو أن الولاية عموما استعادت الآن كثيرا مما فقدته من أعمال.

اذ بلغ حجم التوظيف حوالي 238000 العام الجاري بينما وظفت بقية الولايات المتحدة الاميركية أدنى من ذلك، وحققت 213000 وظيفة منذ أن بدأ الكساد - وكانت نسبة الدولة أقل من ذلك مرة أخرى. واستطاعت الولاية تحقيق ذلك على رغم المعدل العالي لهامش ضريبة الدخل المحلي الذي بلغ 9,3 في المئة، وسط أعلى المعدلات في الولايات المتحدة. بالاضافة إلى الضريبة الفيدرالية، تدفع كبرى الشركات، نظريا على الأقل، اكبر ضريبة في كاليفورنيا مما تدفعه الشركات في بريطانيا مثلا، حتى بعد تخفيضات الضرائب التي قام بها الجمهوريون. فهل تطرد هذه الضرائب الناس من كاليفورنيا؟

نعم، لقد أصبح عدد المواطنين الاميركيين المغادرين من كاليفورنيا الى ولايات أخرى اكثر من القادمين إليها. ومع ذلك، مازال عدد السكان الكلي يرتفع بسبب تدفق المهاجرين غير الشرعيين من المكسيك. في المدى القصير، يعتبر هذا نجاحا كبيرا للاقتصاد فيها، لأن هؤلاء المهاجرين يأتون للعمل ومن ثم يعززون القوى العاملة. ولكن تعتبر هذه العلاقة هشة - أي الاعتماد على العمالة غير الشرعية بينما السكان المحليون يغادرون إلى خارجها. بالاضافة إلى أن العمال غير الشرعيين لا يدفعون ضريبة دخل. ولذلك من وجهة النظر المالية يعتبر هذا التحول كارثة.

يعتبر الوضع المالي في الواقع خطيرا، على رغم أن المشكلة ليست جديدة. وفي الحقيقة هناك أمران لا يسيران في الاتجاه الصحيح. أحدهما أن الولاية أصبحت تعتمد على الارتفاع في العائدات التي يعزى الثناء عليها إلى ازدهار التكنولوجيا العالية والثروة الضخمة المصاحبة وقيمة الأسهم. ويفترض أن يكون الارتفاع في العائدات صلبا ومستمرا ومصحوبا بانفاق في النقد. أما الأمر الآخر. فقد جعلت السياسة الكاليفورنية من الصعب تعزيز سياسات مالية ملموسة لفترة طويلة. واشار الاقتصادي المقيم في سانتا مونيكا، دون ستراسزيم، أن موازنة الولاية لم تجز في وقتها المحدد لها 15 مرة خلال سبعة عشر عاما. إذ تحتاج إلى ثلثي الأصوات للموافقة عليها وهذا أمر صعب في ظل عالم متحزب.

بالاضافة إلى ذلك، يعتبر جزء كبير من موازنة الولاية خارج سيطرة الحاكم والمجلس التشريعي، اذ يحدد بواسطة استفتاءات ومبادرات ديمقراطية. لذلك فإن المجال للمناورة هنا محدود للغاية. تفرض كثير من القرارات على السياسيين، لذلك يسمح لهم بالتخلص من أية مسئولية تترتب عليها عواقب. وكانت النتيجة فجوة بنحو 40 بليون دولار في موازنة الولاية، أي في حجم عجز الموازنة البريطانية، ولكن من خلال مصدر عائدات أصغر.

لدى الحاكم الجديد في الولاية، شوارزنيغر، مجلس تشريعي معاد، وكثير من الديمقراطيين المستائين من البيروقراطية، ومن المحتمل أن يحصل عدد من التحديات القانونية في الاسابيع المقبلة التي ربما تؤخر توليه الأمر. وعلى أية حال نحن لا نعلم كثيرا عن خططه، ولا حتى لماذا تم انتخابه. فهل ذلك بسبب سحر هوليوود؟ أم ان الناخبين يريدون فعلا الاستقامة المالية؟ احدى أسوأ الحالات في الوضع سيكون العجز. اذ ان أقرب مقارنة في الماضي للولاية كانت مع نيويورك في السبعينات، عندما كانت المدينة على حافة الافلاس نتيجة الانفاق الزائد ومستويات الضرائب التي ابعدت الأعمال الى خارجها. وأنقذت المدينة بواسطة سلسلة من التخفيضات في الانفاق، والاقتراض الجديد، وبعض المساعدات من ولاية نيويورك. وقد أضرت بتقدير الدائنية لدى مقترضين أميركيين مخادعين آخرين وأضعفت الدولار.

يحتاج الحاكم الجديد مبدئيا إلى اقناع الناخبين بأن ما يهم هو ايجاد سياسة مالية قوية، وأن معاناة اليوم تستحق تقدما غدا. هناك افتراض وسط السياسيين، أن الناخبين يرغبون في المزيد من الانفاق وضرائب منخفضة وهو اتحاد يستحيل القيام به في آن واحد. على المستوى الأحادي ممكن. ولكن الناس ليسوا اغبياء في أن يدركوا أن توجها من هذا النوع يقدم على المدى القصير فقط. في كاليفورنيا يقود النجاح غير العادي للاقتصاد الى تمكين السياسيين، من الظهور على انهم يستطيعون تقديم خدمات أفضل بينما يبقون على الضرائب في مستويات لا تؤدي إلى طرد مزيد من الاعمال إلى خارج الولاية. ولكن هذا في الماضي إذ ان الوضع الآن عسير. وربما يكون هذا مدخل نجاح أرنولد شوارزنيغر. يبدو أن الناخبين يرغبون في رجل صلب وصارم أو على الأقل ظهور من هذا القبيل. ولذلك هناك ثلاث دلالات من سياسة أرنولد الاقتصادية على بقية انحاء العالم، الأول: الضرر المحتمل لتقدير الدائنية للولايات الاميركية والأسهم الاميركية عموما. وطبعا سيكون للعجز تأثيرات على جوانب أخرى. في اسوأ الحالات يقود إلى اضعاف الدولار، وهو أمر يصعب التكهن به حتى الآن. ولكن العجز غير محتمل ما لم تضطرب سلسلة من الأمور الأخرى. ثانيا: الكيفية التي يتفاعل بها مجتمع الأعمال في كاليفورنيا مع الحاكم. فكثير من السياسيين يتقلدون مناصبهم بواسطة معاداة الأعمال. أما اذا أصبح سياسي مؤيد للأعمال شعبيا فإن اللعبة ستتغير - وليس بالضرورة في الولايات المتحدة. ثالثا: سنعلم ما اذا كان الناخبون العاديون يرغبون في سياسة مالية قوية. اما اذا كانوا غير راغبين - وخيبوا كل الجهود لفرضها على كاليفورنيا - فإن تلك ستكون اخبارا سيئة لدافعي الضرائب في العالم في فترة سنوات قليلة، اما اذا كان الناخبون راغبين في سياسة مالية قوية، فإن مستويات العجز الحكومية الحالية في جميع الاقتصادات الاساسية لحوالي 4 في المئة من نمو الناتج المحلي ربما تعتبر أنها تعوزها المسئولية أجماليا، وهي طبعا كذلك.

كاليفورنيا الآن في مرحلة اساس التجربة، فهي تمثل اكثر مجتمع مبتكر على وجه الأرض ولكنها أيضا مكانا تفشل فيه تجارب السياسات. انها تمثل نسخة متطرفة للتفريط العام ولكنها اتخذت الآن اجراء صارما لإنهاء ذلك. فإذا كان الناخبون يرغبون حقيقة في الصرامة والاستقامة، فإنهم يحصلون عليهما.

(خدمة الاندبندنت خاص بـ «الوسط»

العدد 402 - الأحد 12 أكتوبر 2003م الموافق 15 شعبان 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً