العدد 414 - الجمعة 24 أكتوبر 2003م الموافق 27 شعبان 1424هـ

إيران... وفك الاشتباك «النووي»

محمد صادق الحسيني comments [at] alwasatnews.com

ثمة من يقول من «خبثاء» الصحافة ان دهاة إيران لا يمكن التغلب أو كسب المعركة ضدهم، وان شعرت يوما بانك غلبتهم فانك تكون قد غُلبت مرتين، مرة لانهم يكونون قد غلبوك فعلا ومرة ثانية لأنهم اشعروك بانك قد غلبتهم!

لا ادري مدى صحة هذه المقولة، لكنني أميل إلى تصديقها بخصوص عملية فك الاشتباك النووي التي ادارها القادة الايرانيون على ما يبدو ببراعة حتى ظن العالم وفي مقدمته اوروبا طبعا بانهم «انتزعوا» نصرا مؤكدا وتنازلات كبيرة! من طهران بعدما مارسوا ضدها كل اشكال الضغوط وحذروها مما هو أخطر من العراق وكوريا، وربما كانوا يقصدون به، اشعال فتنة داخلية وحرب اهلية وقودها النخب الاصلاحية والمحافظة التي كادت تتناحر بشأن الموقف من البروتوكول الاضافي الخامس بخطر انتشار الأسلحة النووية.

طهران التي كانت متأكدة من نفسها بان مشروعها النووي سلمي ومشروع مئة بالمئة وان من حقها ان تذهب فيه حتى النهاية وستذهب فيه كما يؤكد كبار قادتها حتى النهاية، اي حتى الوصول إلى درجة الاكتفاء الذاتي في مجال هذه الصناعة المتقدمة بما فيها صناعة الوقود النووي وتاليا تكنولوجيا التخصيب. طهران هذه لم تقل يوما انها لا تريد التوقيع على البروتوكول الاضافي، خصوصا وانها من الدول الأولى التي وقَّعت طواعية ومبكرا المعاهدة الاصلية لمنع انتشار السلاح النووي NPT ، ارادت منذ البداية ان تشهد العالم على امرين:

اولا: ان مسألة الملف النووي الايراني التي بدأت بتضخيمها الادارة الاميركية بشكل متصاعد منذ الانتهاء الرسمي للحرب على العراق، وكانت «اسرائيل» الليكودية تنفخ في نارها يوميا، ما هي في الواقع سوى معركة سياسية يراد من ورائها اخضاع طهران لارادة الادارة الاميركية الشاملة كما هي معروفة في مشروع القرن الاميركي الجديد الذي اعدته وحدة الدراسات الخاصة بالمحافظين الجدد.

ثانيا: وربما كانت هذه النقطة هي الاهم وهي ان هناك ارادة قوية موجودة لدى الدوائر الاسرائيلية بالعمل على منع ايران من تحقيق انجاز الاستقلال في صناعة التكنولوجيا النووية السلمية لان مجرد حصول ذلك يعني بالنسبة إلى للاسرائيليين امتلاك ايران لقدرات تكنولوجية هائلة و«خطيرة» لا يمكن من بعدها فرض تسويات سياسية على ايران سلما.

هذا ما يقوله الاسرائيليون ويصرحون به علنا وان كانوا يلبسون اللباس العسكري وذلك من خلال اتهام ايران بانها بصدد صناعة السلاح الذري.

لقد كان تصريح رئيس الاستخبارات العسكرية الاسرائيلية اللواء هارون زئيفي فركش فور نجاح المبادرة الاوروبية واضحا وحازما: «ان ايران ستصل بعد عشرة شهور إلى نقطة اللاعودة في تطويرها القنبلة النووية ما يجعل ليس بالامكان وقفها بطرق دبلوماسية. كما جاء في صحيفة «يدعوت احرونوت».

وطبقا لكاتب اسرائيلي مقرب من الحكومة الليكودية في مقال نشرته «الشرق الأوسط» اللندنية يقول بنيت رامبيرغ: «مع الأخذ بعين الاعتبار حقيقة كون «اسرائيل» لا تثق بطموحات ايران، حالما تضع موسكو تاريخا للبدء بتصدير الوقود النووي لايران لن يكون ذلك امرا مدهشا اذا استيقظنا ذات صباح ووجدنا مفاعل بوشهر ومرافق نووية ايرانية مشتعلة بنيران القصف الجوي أو نتيجة لاطلاق صواريخ اسرائيلية عليها».

من هنا كانت الدبلوماسية الإيرانية المعروفة بدبلوماسية «حياكة السجاد» مجازا على موعد مع عرس فك الاشتباك النووي الذي اعدت له بعناية من خلال اشهاد اوروبا ممثلة بفرنسا والمانيا وايضا شاهد بريطاني بديل للأميركي وهو جاك سترو.

وهنا شعر الاميركيون وكأنهم بوغتوا ما اضطرهم بالاعلان عن ارتياح خجول مرفق: «باننا نريد افعالا لا اقوالا من طهران».

يقول الرئيس محمد خاتمي في تصريحات له بعد اول اجتماع حكومي اعقب «الانجاز» التاريخي الاوروبي الايراني:

لقد ارد الاميركيون ادخالنا في سباق داخل حلبة مصارعة يكونون فيها هم الحكم لكننا سحبناهم إلى سباق ماراثون» بمعنى ان الزمن الذي سيفتح امام ايران وتفصيلات التعاون الايراني الأوروبي وآلية التعاون الايراني مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية شفافة لكن متكافئة في الوقت نفسه ستجعل من الصعب على الاميركي الدخول بسهولة على الخط وتفجير اللعبة متى شاء او متى ما شعر بحاجة له في ذلك كأن تتدهور اموره في العراق أو الشرق الاوسط إلى الحضيض مثلا كما كان يخطط من قبل.

حتى الاميركي يمكن ان يدخل في حساباته لعبة العقل والعقلانية السياسية بقوة في تعامله مع طهران اذا ما تأكدلديه بان «الانجاز» الاوروبي سيفيده في المعادلة الكلية.

وحده الاسرائيلي الذي سيظل يلعب على حبال الفتن والحروب واشعال النزاعات لتبرير وجوده اللاشرعي اصلا في المنطقة.

يقول كمال خرازي وزير الخارجية الايرانية بعد اتفاق فك الاشتباك النووي: «الأمر يعود للاميركيين ان كانوا يريدون استثمار هذه الفرصة أم لا؟!» ان حماقة الاسرائيلي قد تدفعه لارتكاب عمل جنوني. لكن الثمن سيكون غاليا جدا كما تؤكد القيادات الايرانية بين الفينة والاخرى

إقرأ أيضا لـ "محمد صادق الحسيني"

العدد 414 - الجمعة 24 أكتوبر 2003م الموافق 27 شعبان 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً