العدد 420 - الخميس 30 أكتوبر 2003م الموافق 04 رمضان 1424هـ

الحرب على العراق خارج الشرعية الدولية

العراق والقانون الدولي

مضت ثمانية أشهر على الحرب على العراق، وحتى الآن لايزال البلد يعاني من الفوضى التي تنذر بانهيار شامل.

الآن وبعد مرور تلك الأيام والأسابيع كيف يمكن قراءة الحرب من وجهة القانون الدولي؟ وما النتائج والتوصيات التي يمكن تقديمها في هذا الصدد؟ هنا دراسة قدمها المحامي محمد رضا أبوحسين عن الموضوع... في وقت يشهد العراق المزيد من التداعيات السياسية والأمنية والاقتصادية.

قام مجلس الأمن باصدار القرار رقم (1441) بتاريخ 8 نوفمبر/ تشرين الثاني 2002 الخاص بتفتيش الأسلحة في العراق وهو القرار الذي استندت عليه قوات التحالف لتبرير شرعية ضرب العراق وغزوه وفقا للحال الراهنة.

وقد تضمنت الفقرة (13) من القرار «أن المجلس قد حذر العراق مرارا بأنه سيواجه عواقب وخيمة نتيجة استمرار انتهاك التزاماته».

أولا قرار مجلس الأمن (1441) وشرعية غزو العراق:

لقد اعترى القرار الكثير من الطعون القانونية التي تؤكد عدم شرعيته من جهة وعدم نصه بشكل صريح على استخدام القوة العسكرية في حال مخالفة العراق للقرار فيما عدا الصوغ الذي جاء بالفقرة (13) المذكورة أعلاه. وسنتناول هذه الدفوع على الشكل الآتي:

1- إن الصوغ القانوني للقرار لم يتضمن بشكل صريح أو ضمني التصريح لأية دولة من دول الأعضاء القيام بشكل منفرد أو جماعي بضرب العراق في حال انتهاكه الجسيم أو البسيط أو الفني للقرار. بل أن عبارات القرار تضمنت أن العراق سيواجه «عواقب وخيمة» في حال استمراره انتهاك التزاماته، وجاءت الفقرة (4) من القرار لتؤكد أن اخفاق العراق في الخضوع للقرار سيعتبر «انتهاكا جسيما» وأن هذا الخرق سيتم ابلاغه لمجلس الأمن لتقييمه وفقا للفقرة (11) و(12) من القرار. ان الصوغ المذكور يؤكد أيضا ضرورة قيام رئيس فريق التفتيش بابلاغ مجلس الأمن الذي عليه بشكل فوري أن يقرر ما سيتم اتخاذه وفقا للموقف. والحقيقة ان فرنسا وروسيا والصين قد اعترضوا على ضرب العراق بالاستناد على هذا القرار وصرحوا «ان القرار ,,1441. يستثني استخدام القوة تلقائيا» وأن مجلس الأمن وحده هو القادر على الاستجابة لأخطاء العراق. كما شدد السفير المكسيكي عند عرضه لرأي بلده على أن اللجوء لاستخدام القوة كآخر وسيلة سيكون مشروعا بموافقة وواضحة من مجلس الأمن».

2- مخالفة إصدار القرار لميثاق الأمم المتحدة، لقد صدر عن مجلس الأمن ما يستوجب أن يتوافق استصداره مع حكم الفقرة الثالثة من المادة (27) التي تنص على أن «تصدر قرارات مجلس الأمن في المسائل الأخرى كافة بموافقت أصوات تسعة من أعضائه، يكون من بينها أصوات الأعضاء الدائمين متفقة بشرط أنه في القرارات المتخذة تطبيقا لأحكام الفصل السادس (وهو الذي ينص على أحكام حل المنازعات بالطرق السلمية) والفقرة الثالثة من المادة (52) (وهي التي تحض مجلس الأمن على تشجيع حل المنازعات الدولية بالطرق السلمية عن طريق المنظمات الإقليمية) يمتنع على من كان طرفا في النزاع عن التصويت».

وإن كانت المادة المذكورة لم تحدد متى تكون الدولة طرفا في «النزاع» المعروض على المجلس إلا أن محكمة العدل الدولية عرفت باصطلاح «النزاع» في رأيها الاستشاري الصادر في 1962 بشأن مشكلة جنوب غرب إفريقيا والذي جاء فيه أن المقصود «بالنزاع» هو «كل اختلاف على مسألة تتعلق بالقانون أو الواقع أو تعارض أو تصادم في وجهات النظر القانونية أو في المصالح المتعلقة بشخص أو أكثر...» وهو الأمر المتحقق في موقف العراق من وجود المنازعة بينها وبين الدول دائمة العضوية بشأن التكييف القانوني للقرار (441) وحول تعارض المصالح واختلاف وجهات النظر في مجمل الأزمة العراقية وذلك يجعل الدول دائمة العضوية في نزاع واضح على النحو الذي أكده الرأي الاستشاري للمحكمة الدولية ما يترتب عليه ضرورة امتناع الدول المذكورة عن التصويت على القرار 1441 وفقا لحكم المادة 27/3 من ميثاق الأمم المتحدة.

3- قام الكونغرس الأميركي بمنح الرئيس الأميركي صلاحية شن الحرب على العراق واعتبار ذلك مسألة تتعلق بالأمن القومي الأميركي وكذلك فعل البرلمان البريطاني، وبهذا الإجراء والتصريح تعتبر هاتين الدولتين طرفا مباشرا في النزاع مع العراق. وعليه، فانه يمتنع على هاتين الدولتين عملا بحكم الفقرة (3) من المادة (27) من ميثاق الأمم المتحدة التصويت على القرار 1441.

4- إن القرار رقم (1441) لم يتضمن العبارات الواضحة التي درج على استخدامها في صوغ القرارات التي أجازت استخدام القوة كما جاء في راوندا، البوسنة، الصومال، البلقان وكوريا. أما بخصوص العراق فإن القرار الوحيد الذي أجاز التدخل العسكري هو القرار رقم (678) الصادر في نوفمبر/ تشرين الثاني 1990 في بداية حرب الخليج الثانية والذي أجاز استخدام القوة بالقدر الممكن لإعادة سيادة دولة الكويت.

وعليه فإن حقيقة عدم شرعية وقانونية استمرار الهجوم الذي استمر بعد انسحاب القوات العراقية من الأراضي الكويتية تعتبر أعمال خارجة عن سلطان القانون الدولي والفقرة (4) من المادة (2) التي تمنع الدول الأعضاء جميعهم من التهديد باستخدام القوة بما لا يتفق مع مقاصد الأمم المتحدة التي حددتها المادة (1) وهو حفظ السلم والأمن الدوليين ومنع الأسباب التي يمكن أن تؤدي إليه.

ثانيا: الحرب على العراق وفقا لأحكام

ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي:

إن جميع محاولات الحكومة الأميركية والبريطانية في تشكيل جبهة دولية بقصد غزو العراق والإطاحة بالنظام، منيت بالفشل الذريع بسبب رفض معظم دول الاتحاد الأوروبي وخصوصا فرنسا وألمانيا بالإضافة إلى روسيا من المشاركة في هذا الغزو بسبب عدم وجود قرار صريح وواضح من مجلس الأمن ولعدم استنفاد جميع الوسائل السلمية من أجل اتمام مهمة المفتشين الدوليين للتأكد من خلو العراق من أسلحة الدمار الشامل. وقد أجمع غالبية فقهاء القانون الدولي والجمعيات والمؤسسات المهنية المتخصصة على عدم شرعية قيام دول الحلفاء بضرب العراق عسكريا لمخالفة ذلك لقواعد القانون الدولي الأساسية والقواعد والأحكام الآمرة الواردة في ميثاق الأمم المتحدة التي تنص على «وجوب احترام السيادة الوطنية للدول الأخرى وعدم التدخل في شئونها الداخلية» وكذلك مبدأ «منع استخدام القوة أو التهديد باستخدامها في العلاقات الدولية».

أ- استخدام القوة في ميثاق الأمم المتحدة:

يقدم الميثاق الدولي نظاما لإيجاد أمن شامل... فينزع إلى ما يشبه الحظر الكامل لاستخدام القوة أو التهديد بها على النحو المستفاد من مقدمة الميثاق ومادته الأولى (الخاصة بأهداف منظمة الأمم المتحدة) فأوجد نظام الأمن الجماعي، وهو يعني أن حفظ السلم والأمن الدوليين يعتبران من مسئولية المنظمة الدولية التي تنص في ميثاقها على تفويض تلك المهمة لمجلس الأمن الدولي وتخويله صلاحيات يقوم بها نيابة عن الجماعة الدولية (المواد 42 حتى 47) المتمثلة في مجموع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة. ويؤكد البند (الرابع) من المادة (الثانية) من الميثاق على الحظر الشامل لاستخدام الحكومات للقوة إلا في حالات استثنائية وخاصة. وعليه، فإنه لا يجوز توسيع تفسير هذه الحالات الاستثنائية لأنه «طبقا لأصل دولي ثابت وعام فإنه ينبغي تفسير استثناءات القاعدة الكلية العامة بصورة محددة لا تضر بالقاعدة الأصلية». وهذا يعني أن الحظر العام الوارد في البند (4) من المادة (2) يشمل جميع الحالات التي لم يستثنها الميثاق بصورة واضحة وصريحة ولا تقبل التفسير والتأويل. وقد أيدت الجمعية العمومية بالاجماع بتاريخ 14 ديسمبر/ كانون الأول 1974 في تعريفها للمعتدي بالقرار (3314) «أن الجمعية العامة... ومع تجديد تأييدها لواجب الحكومات في الامتناع عن استخدام القوة بهدف حرمان الشعوب من حقوقها في: تقرير المصير، الحرية، الاستقلال أو بهدف المساس بوحدة الأراضي الوطنية للبلدان وكذلك مع تجديد التأييد لقضية أنه لا ينبغي أن تتعرض أية دولة لأراضي أخرى بالاحتلال العسكري - ولو مؤقتا - أو بالإجراءات الاكراهية بما ينقض الميثاق الدولي... وبذلك فإنها تعلن قبولها للتعريف الآتي لمفهوم العدوان أن:

المادة (1): العدوان عبارة عن استخدام القوات المسلحة من قبل أية دولة ضد السيادة الوطنية ووحدة الأراضي أو الاستقلال السياسي لدولة أخرى، أو استخدامها بأساليب أخرى تغاير ميثاق الأمم المتحدة بالصورة التي وردت في التعريف.

ومفهوم هذا الأصل هو أن احتلال أية أرض لا يؤدي إلى تفويض قانوني لحق السيادة عليها حتى لو اقترن بالاحتلال العملي وفرض السيادة الميدانية المؤثرة في الأرض المحتلة.

إن ميثاق الأمم المتحدة منع أي استخدام للقوة المسلحة مهما كان السبب - إلا في حال الدفاع الشرعي عن النفس على النحو الثابت بالمادة (51) من الميثاق أو أجازه مجلس الأمن باستخدام القوة وفقا لمقتضيات المادة (42) و(48).

ب: الحالات المشروعة لاستخدام القوة بالميثاق:

1- الدفاع عن النفس:

أ: نصت المادة (51) من الميثاق على أنه «إذا وقع هجوم مسلح على احدى الدول الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة، فإن أيا من مقررات هذا الميثاق لا تمس حقها الذاتي المشروع في الدفاع عن النفس بصورة فردية أو جماعية وإلى حين اتخاذ مجلس الأمن الإجراءات اللازمة لحفظ السلام والأمن الدوليين. وعليها أن تطلع مجلس الأمن فورا على الإجراءات التي تتخذها في العمل بحقها في الدفاع عن النفس. ولا تؤثر هذه الإجراءات بأية صورة على الصلاحيات والواجبات التي كلف بها هذا الميثاق مجلس الأمن والتي يقوم بموجبها باتخاذ الإجراء اللازم لحفظ وإعادة السلام والأمن الدوليين في الوقت الذي يراه ضروريا.

أصبحت المادة هي الأصل القانوني الدولي التي أجازت استخدام القوة فقط في حال الدفاع عن النفس لمواجهة العدوان العسكري مشروطا بعدم تدخل مجلس الأمن الدولي وابلاغه بذلك ومراعاة التناسب في دفع العدوان فقط من دون أن يتعداه فلا يحق للطرف المعتدى عليه احتلال أراضي الدولة المعتدية إلا إذا كان ذلك أمرا ضروريا لقمع سلوكه العدواني.

ب- هل تجيز المادة (51) الدافع الوقائي قبل وقوع العدوان؟ أي إذا اطمأنت دولة ما - وبصورة قاطعة - بأن دولة أخرى ستشن ضدها هجوما عسكريا في وقت قريب، فهل يحق لها شن هجوم وقائي رادع ضدها؟ وهي نظرية الدفاع الوقائي الذي لجأت إليها الولايات المتحدة وبريطانيا في تبرير شن العدوان على العراق واحتلاله. الواقع أن عددا من خبراء القانون الدولي رفض هذه النظرية والتفسير لمخالفتها صريح نص المادة (51) التي لم تجز الدفاع الوقائي عن النفس كما تخالف البند الرابع من المادة (2) التي تمنع جميع أعضاء الهيئة في علاقاتهم الدولية من التهديد باستعمال القوة أو استخدامها ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأية دولة أو على أي وجه آخر لا يتفق ومقاصد الأمم المتحدة. إلا أن بعض الدول الكبرى و«إسرائيل» تؤيد الجواب الإيجابي وقد نفذته عمليا: ضد مصر سنة 1967، وضد المخيمات الفلسطينية وجنوب لبنان سنة 1975، وضد العراق سنة 1981 إذ قصفت المفاعل النووي العراقي قرب بغداد. كما نفذته أميركا وبريطانيا في عدوانهما على العراق في الحرب الحالية. وبتطبيق تلك المبادئ على الأزمة العراقية، فالثابت قطعا أن العراق لم يعتدِ على الحلفاء بشكل مباشر باستخدام القوة العسكرية، كما لم يثبت قطعا وبصورة كاملة وفورية بأنه سيهاجم عن قرب هذه الدول بل أن الأسباب الوقائية التي ساقتها هذه الدول لإضفاء الشرعية على حربها لم تتحقق حتى تاريخه.

2- استخدام القوة بقرار الأمم المتحدة:

ان استخدام القوة المسلحة ضد أية دولة من أعضاء الأمم المتحدة لا يمكن أن يتم إلا بقرار صريح ومحدد صادر من مجلس الأمن وفقا لحكم المادة (42) من الميثاق على أن يتم تنفيذ ذلك باشراف ورقابة مجلس الأمن الذي عليه أن يضع الخطط اللازمة لاستخدام القوة المسلحة كما جاء في المادة (46) فقد اتفق غالبية أعضاء مجلس الأمن والدول دائمة العضوية على أن مجلس الأمن وحده هو المختص بشكل كامل عن تقرير كيفية تنفيذ قراراته وليس الدول. وعلى سبيل المثال، في العام 1998م عندما بدأت أزمة التفتيش التي حدثت في العراق فإن غالبية أعضاء مجلس الأمن لم يتفقوا مع الولايات المتحدة وأصروا في مباحثاتهم على أنه لا يوجد قرار في مجلس الأمن يصرح للولايات المتحدة أو بريطانيا أو أية دولة أخرى لتنفيذ التزامات العراق بنزع الأسلحة. فرنسا، الصين، روسيا وعدد من الدول أصروا على ضرورة صدور قرار واضح وجديد يخول استخدام القوة ضد العراق حتى يمكن اعطاء الشرعية القانونية لتصرف الولايات المتحدة وبريطانيا. أما القرار رقم 1441 الصادر في 8 نوفمبر/ تشرين الثاني 2000م فإنه بعد 8 أسابيع من المناقشات والضغط الكبير الذي مارسته الولايات المتحدة على مجلس الأمن، فقد وضع جدول زمني جديد ونظام تفتيش جديد للعراق ولكنه لم يصرح بشكل ضمني أو صريح باستخدام القوة وكل ما تضمنه ذلك القرار هو أن العراق مازال في حال «اخلال جسيم» بقرارات مجلس الأمن السابقة، وأن المجلس يحذر العراق بأنه سيواجه نتائج وخيمة نتيجة استمراره بالاخلال بالتزاماته.

وبذلك خلت عبارات هذا القرار من التصريح الضمني أو الصريح باستخدام القوة ضد العراق سواء بواسطة مجلس الأمن أو أية دولة أخرى. الأمر الذي يجعل العدوان الذي قادته دول الحلفاء مخالفا بشكل واضح لقرارات مجلس الأمن والاجماع الدولي منعدم الشرعية مستوجب المسئولية الدولية وفقا لأحكام القانون الدولي. وأكد كبار المستشارين القانونيين والمدعي العام البريطاني لحكومة بلير ضرورة الحصول على قرار جديد من مجلس الأمن لاستخدام القوة ضد العراق، وأنه من دون ذلك القرار تعتبر الحرب ضد العراق مخالفة للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة ويعرضها للمحاكمة الدولية. أما الولايات المتحدة، فإنها قد أعلنت بأنه في حال عدم موافقة مجلس الأمن لاستخدام القوة ضد العراق، فإنها ستقوم بذلك منفردة أو مع بريطانيا لتؤكد بذلك استعدادها لخرق الميثاق وقواعد القانون الدولي الذي يعرضها للمسئولية الدولية، وإن كان نظريا.

ثالثا: هل القانون الدولي يلزم الأمم المتحدة؟

لقد أعلنت الأمم المتحدة في ديباجة الميثاق على أنها تمثل مجموع شعوب الأمم المتحدة الأمر الذي يفرض عليها أن تعمل بما يتفق على تحقيق مصالح الشعوب وليس المصالح المتعارضة للحكومات! أما صلاحيات وسلطات الأمم المتحدة فإنها من الناحية القانونية تدور وجودا وعدما على الأهداف المحددة بالميثاق ووفقا لإجراءاته وأي خطأ أو تجاوز لهذه الإجراءات والصلاحيات تكون غير قانونية.

وحددت المادة (1) من ميثاق الأمم المتحدة أهداف الأمم المتحدة بالمحافظة على السلم والأمن الدوليين بإجراءات جماعية بالوسائل السلمية وفقا لمبادئ العدل والقانون الدوليين لحل وتسوية المنازعات الدولية التي قد تؤدي إلى الاخلال بالسلم. أما مجلس الأمن الذي تم تشكيله استنادا للفصل الخامس من الميثاق، فقد نصت الفقرة الثانية من المادة (24) على «أن يعمل مجلس الأمن، في أداء هذه الواجبات وفقا لمقاصد الأمم المتحدة ومبادئها والسلطات الخاصة المخولة لمجلس الأمن». وعليه فإن أي فعل يصدر من مجلس الأمن يخالف القانون الدولي وأحكام الميثاق يعتبر خارج السلطة القانونية للأمم المتحدة ومجلس الأمن. لا شيء في تكوين أو تركيبة نصوص الميثاق تقترح بأن الفوضى الدولية جائزة وأن إجراءات السلم والأمن الدوليين يمكن التعامل معها من دون قرار من مجلس الأمن وتحت اشرافه ورقابته خصوصا فيما يتعلق باستخدام القوة التي تتطلب أن يكون هناك قرار صريح بذلك وفقا لما جاء في نص المواد (42، 43، 47) من الميثاق. يضاف إلى ذلك فإن الفقرة الأولى من المادة (48) قد نصت على أن تنفيذ القرارات هو مسئولية الأمم المتحدة وحدها فقط، إذ حددت المادة «أن الأعمال اللازمة لتنفيذ قرارات مجلس الأمن لحفظ السلم والأمن الدولي يقوم بها جميع أعضاء «الأمم المتحدة» أو بعض هؤلاء الأعضاء وذلك بحسب ما يقرره المجلس». وعليه، فإن وجود الأمم المتحدة ذاته وأية صلاحيات أو سلطات تمارسها يجب أن يتوافق مع مبادئ القانون الدولي على النحو الذي صرحت به المادة (1) من الميثاق. وأن مجلس الأمن يلتزم بأداء دوره وتنفيذ قراراته بذاته وفقا للصلاحيات المحددة في المواد (47، 43، 42، 48) وأي تجاوز يمثل خروج عن الشرعية الدولية والقانونية.

النتائج والتوصيات

1- تشكيل هيئة عليا من الخبراء القانونيين تختص بدراسة جميع القرارات الخاصة بالأزمة العراقية الصادرة من مجلس الأمن للوقوف على مدى شرعيتها وانسجامها مع قواعد القانون الدولي ومبادئ العدل التي نصت عليها المادة (1) من الميثاق.

2- الاستعانة برأي محكمة العدل الدولية، واعتبارها محكمة دستورية لفحص قرارات مجلس الأمن واختبار مدى توافقها مع قواعد القانون الدولي، وذلك بالاستناد للمادة (65) من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية والتي تنص «للمحكمة أن تفتي في أية مسألة قانونية بناء على طلب أية هيئة رخص لها ميثاق الأمم المتحدة باستفتائها...». ويمكن تحقيق ذلك من خلال تفعيل نص المادة (96) من الميثاق التي تنص على أنه «لأي من الجمعية العامة أو مجلس الأمن أن يطلب إلى محكمة العدل افتاءه في أية مسألة قانونية...».

3- قيام المنظمات الحكومية وغير الحكومية وشعوب العالم بوضع مجلس الأمن أمام مسئولياته بحفظ السلم والأمن في العالم لمعالجة هذه الأزمة من الناحية السياسية والقانونية بالمستوى نفسه من الأهمية باعتبار أن استمرار «الاحتلال» - الذي اعتبره قرار مجلس الأمن رقم (1483) كذلك - ينبغي حسمه بالسرعة الممكنة بالاستناد لأحكام القانون الدولي الذي يشكل الميثاق جزءا مهما منه.

4- في حال ثبوت مخالفة أحكام الميثاق وقواعد القانون الدولي وعدم شرعية العدوان على العراق، فإن المسئولية الدولية والجنائية يمكن تحريكهما وفقا لما يأتي:

أ- ان مخالفة الميثاق وقواعد القانون الدولي وفقا لما استقرت عليه أحكام محكمة العدل الدولية يؤدي إلى خضوع الدولة المخالفة للمساءلة الدولية، وهو ما يقع تحت اختصاص محكمة العدل الدولية ومحاكم التحكيم الدولية.

ب- إذا ما استقر على حقيقة مخالفة قرارات الأمم المتحدة، فإن العدوان يعتبر من قبل جرائم الحرب والإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية التي تحرك المسئولية الجنائية والتي يمكن أن تقع تحت اختصاص المحكمة الجنائية الدولية وفقا لأحكام المادة (6) من النظام الأساسي للمحكمة. أما الدول التي لم توقع على النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية فإنه عملا بحكم المادة (146) من اتفاق جنيف الرابع الموقع من قبل الولايات المتحدة يعطي للأطراف السامية حق إنشاء محكمة جنائية دولية خاصة للنظر في هذه الجرائم.

5- القيام بنشاطات قانونية وإعلامية دولية لتسليط الضوء على هذه التجاوزات والمخالفات لأحكام الميثاق والقانون الدولي لتدخل المجتمع الدولي والتخفيف من هيمنة القطب الواحد على الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وإعادة النظر في نظام الفيتو (حق النقض) الذي تتمتع به الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، وإهدار أي أثر قانوني له إذا ما تعارض مع أحكام القانون الدولي.

وفي الختام، فإننا نؤكد ضرورة قيام مجلس الأمن بتحمل مسئولياته، بصفته الهيئة الدولية المسئولة أساسا عن حفظ الأمن والسلم الدوليين. وأن الاستقرار، الأمن والسلام العادل والشامل في العالم وفي منطقة الشرق الأوسط خصوصا، سيبقى وهما يداعب الخيال مادام صانعو السياسة الدولية يمارسون ازدواجية المعايير في تطبيق قرارات الأمم المتحدة والقوانين الدولية

العدد 420 - الخميس 30 أكتوبر 2003م الموافق 04 رمضان 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 7:37 ص

      سؤال فقط هل يعتبر استخدام القوة ضد العراف في سنة 2003 شرعيا وفقا لاحكام القانون

    • زائر 1 | 7:32 ص

      المستعمر الكافر

      الامم المتحده و مجلس الامن ماهي الا سلاح لإبقاء هذا المستعمر على بلاد المسلمين وعرقلة عودة الخلافة الاسلامية دولة المسلمين الموحدة بدون حدود سيسبيكو . قال تعالى( يريدون ان يطفؤوا نور الله بافواههم ويابى الله الا ان يتم نوره ولو كره الكافرون) صدق الله العظيم .... باذن الله ووعده ستعود بلاد الاسلام وسيرفع لواء الاسلام عليا وسننتقم من كل كافر لعنهم الله

اقرأ ايضاً