العدد 423 - الأحد 02 نوفمبر 2003م الموافق 07 رمضان 1424هـ

الغرب يفطن لإيران ويتجاهل أسلحة «إسرائيل» النووية

سمير عواد comments [at] alwasatnews.com

من يسخر هذه الأيام من ضعف السياسة الخارجية الأوروبية فإنه يعرض نفسه لهجوم مضاد من وزير الخارجية الألماني يوشكا فيشر. الموقف الأوروبي ضعيف وخصوصا تجاه نزاع الشرق الأوسط، إذ ترفض «إسرائيل» أي دور وساطة يقوم به الاتحاد الأوروبي عملا بمبدأ حزب الليكود الحاكم الذي أكده وزير خارجية «إسرائيل» سيلفان شالوم في تصريح نشرته صحيفة ألمانية ويقول هذا المبدأ: تستطيع «إسرائيل» العيش من دون الاتحاد الأوروبي مثلما يستطيع الاتحاد الأوروبي العيش من دون «إسرائيل». لكن هذا يمثل نصف الحقيقة. ذلك أن نسبة 70 في المئة من المنتجات الزراعية التي تصدرها «إسرائيل»، تباع في أسواق الاتحاد الأوروبي. كما تأتي ألمانيا كأكبر ممول للسلاح للدولة العبرية. لكن لا يقوى أحد في أوروبا، حتى فيشر، أن يهدد «إسرائيل» بفرض عقوبات عليها بسبب ممارساتها الوحشية ضد الفلسطينيين. لكن ما لا ينطبق على «إسرائيل» يطبقه الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة على العرب وإيران. ذلك أنه من المحرمات أن يثير مسئول غربي مسألة امتلاك «إسرائيل» أسلحة للدمار الشامل تهدد أمن البلدان العربية المجاورة كافة كما تهدد أمن أوروبا. غير أن العالم اعتاد على سياسة المعيارين التي يمارسها الغرب وأبرز ضحايا هذه السياسة هم العرب وإيران.

يعتقد فيشر أن أوروبا حققت انتصارا ملفتا للنظر نتيجة التوصل مع إيران إلى اتفاق فريد من نوعه. فقد تعهدت إيران أمام الوفد الوزاري الأوروبي الثلاثي بأن تتعاون مع منظمة الطاقة الدولية وتسمح للمفتشين الدوليين بزيارة منشآتها النووية في كل وقت، وفي الوقت نفسه نفت مسعاها إلى العمل على إنتاج أسلحة نووية. في المقابل، حصلت إيران على عرض قدمه وزراء خارجية فرنسا وبريطانيا وألمانيا بمساعدتها في بناء مفاعل نووي يستخدم لأغراض مدنية. وكانت الزيارة التي قام بها الوفد الوزاري الأوروبي قد تمت بموافقة الإدارة الأميركية. ويرى المراقبون أن واشنطن في ضوء الصعوبات التي تواجهها في العراق، ليست مستعدة في المرحلة الحالية لفتح جبهة جديدة في المنطقة من خلال الدخول في نزاع عسكري مع إيران على رغم أن هذه فكرة محببة عند صقور إدارة الرئيس جورج دبليو بوش الذي أعلن بنفسه ضم إيران إلى ما أسماه «محور الشر». وهناك نقطة مهمة دفعت الأوروبيين إلى التعجيل بعقد مفاوضات مع طهران. فقد تداولت وسائل إعلام غربية أن «إسرائيل» تخطط للقيام بضرب المنشآت النووية الإيرانية وأن رئيس الوزراء الإسرائيلي ارييل شارون أوعز إلى وحدة خاصة تابعة لجهاز «الموساد» كي تضع سيناريوهات من دون الحاجة إلى التفكير بالعواقب السياسية لهذا الهجوم. وأثارت السيناريوهات الإسرائيلية الخوف في نفوس المسئولين الأوروبيين بالذات الذين وجدوا أنه من شأن الهجوم الإسرائيلي أن تسفر عنه نتائج أمنية وخيمة في المنطقة. كما تم الكشف أن «إسرائيل» أعدت لهذا الهجوم طائرات من طراز فانتوم 16 وكذلك غواصات من طراز الدلفين التي حصلت عليها هدية من ألمانيا في عامي 1999 و2000 بعد أن جهزتها «إسرائيل» بفوهات تنطلق منها صواريخ أميركية من طراز هاربون تحمل رؤوسا نووية. إن مجرد استخدام غواصات وأسلحة ألمانية ضد إيران سيشكل مشكلة سياسية خطيرة لألمانيا التي كانت على علم بخطط «إسرائيل» في تجهيز الغواصات الثلاثة لتحمل صواريخ نووية لكن برلين صرفت النظر عن مناقشة القضية مع الإسرائيليين.

في الصيف الماضي أعلن وزير الخارجية الأميركي كولين باول أن إيران ستنجح في إنتاج أسلحة نووية مع نهاية العقد الحالي. الموقف الأميركي حتى الآن ينص على تخلي إيران عن كامل برنامجها النووي في حين يرى الأوروبيون أنه من حق هذا البلد العمل في صناعة نووية لأغراض مدنية.

لهذا الهدف مولت إيران في عهد الشاه الذي أطيح به في العام 1979 ثم بعد إعلانها جمهورية إسلامية، مشروعات بناء مفاعلات نووية في عدد من المناطق، على سبيل المثال في ناتانز التي تبعد خمسمئة كلم عن العاصمة طهران، إذ عثر مفتشو منظمة الطاقة الدولية مطلع الصيف الماضي على أثر يورانيوم عالي التخصيب لكن هذا الأثر ليس كافيا لاستخدامه في إنتاج أسلحة. كما مفاعل بوشهر الذي باشرت شركة سيمنز الألمانية في بنائه لا يشكل خطرا عسكريا على رغم مواصلة شركات روسية تجهيزه ليصبح جاهزا للعمل بحلول العام 2006 على أقصى حد.

وفقا لمعاهدة الحد من انتشار أسلحة الدمار الشامل التي وقعتها إيران، يسمح لإيران بتغطية نسبة 20 في المئة من حاجتها من الطاقة بواسطة مفاعلات نووية. لكن الشكوك حامت حول خططها النووية لأن إيران تملك ثروة طائلة من النفط والغاز غير أن الإيرانيين يقولون إن هذه الثروة الطبيعية على وشك النضوب. ويشيرون إلى العوامل التي تعجل باستهلاك ما يحتويه باطن الأرض من الغاز والذهب الأسود ومنها التكاثر السكاني وزيادة عدد المركبات والنمو الصناعي. في الستينات فكرت إيران في الخيار النووي الذي عرضه عليهم الأميركيون أبرز حلفاء نظام الشاه. وقبل قيام الثورة الإسلامية علن الشاه: سنحصل على أسلحة نووية وفي وقت أسرع مما يفكر به البعض. وفي الربيع الماضي أعلن الرئيس محمد خاتمي أن بلاده ستنجح في المستقبل في بناء مفاعل ينتج اليورانيوم. هذا العنصر الرئيسي الذي تحتاجه صناعة الأسلحة النووية، مثل كثيرين من العرب يتذرع الإيرانيون أيضا بامتلاك «إسرائيل» أسلحة نووية ويقولون: «إسرائيل» تملك أسلحة نووية وكذلك الهند وباكستان وروسيا ولماذا محظور علينا امتلاكها؟ إنه الرأي الذي يصدر عن مقربين من الرئيس الإيراني. لكن حصول إيران على أسلحة نووية مسألة لن يسمح بها الغرب ولا «إسرائيل». منذ العام ونصف العام بدأت أقمار التجسس الإسرائيلية عملية تمحيص مركزة للمنشآت النووية الإيرانية. وحين يتحدث الغرب عن وجود منشآت في ناتانز وبوشهر يقول الإسرائيليون إن هناك منشآت في مناطق أخرى ليس لمنظمة الطاقة الدولية علم بها. ويعتقد المراقبون في أوروبا أنه على رغم النصر السياسي الذي حققه الثلاثي الأوروبي في طهران فإن القضية لم تنته كما يخيل للبعض، بل على العكس، ستظل «إسرائيل» تتحدث عما تصفه بخطر البرنامج النووي الإيراني ومسعى هذا البلد إلى الحصول على القنبلة النووية. وتستخدم «إسرائيل» هذه القضية لتبرير امتلاكها أسلحة نووية بعد ازدياد الإلحاح العربي والإيراني كي توقع الدولة العبرية النووية على المعاهدة الدولية للحد من انتشار أسلحة الدمار الشامل وأن تبذل جهود دولية لإزالة أسلحة الدمار الشامل كافة من منطقة الشرق الأوسط لتصبح منطقة خالية من هذه الأسلحة. ويجد البعض في العرض الأوروبي لإيران بمساعدتها في بناء مفاعل نووي للقيام بأغراض مدنية سلمية، حجة لـ «إسرائيل» كي تواصل العمل بمبدأ تحجيم الأوروبيين ورفض وساطتهم في نزاعها مع الفلسطينيين وكلما تطلب الأمر ستتهم «إسرائيل» الاتحاد الأوروبي بالعمل ضد مصالحها الأمنية بمساعدة إيران في بناء القنبلة النووية الإسلامية

العدد 423 - الأحد 02 نوفمبر 2003م الموافق 07 رمضان 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً