العدد 439 - الثلثاء 18 نوفمبر 2003م الموافق 23 رمضان 1424هـ

... بانتظار واشنطن

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

إلى متى يمكن أن ننتظر تغير السياسة الأميركية في العالم ودائرة «الشرق الأوسط»؟ سؤال الانتظار يحتاج إلى حقول اختبار عملية تكشف حقيقة التوجه الاستراتيجي للولايات المتحدة ومدى نجاحه. حتى الآن تبدو كل الخطوات أو القرارات التي اتخذتها إدارة الرئيس جورج بوش غير واقعية ولا تصب في النهاية في سياق متوازن يضمن المصالح الدولية ولا يغيّب عن الصورة مصالح الدول العربية والمسلمة.

لنأخذ العراق أنموذجا عن تلك السياسة المتخبطة. بعد عودة الحاكم الإداري المدني بول بريمر من واشنطن على إثر استدعاء مباشر من الإدارة التقى أعضاء «مجلس الحكم الانتقالي» وتباحث معهم عن خطة جديدة تحدد مراحل الاستراتيجية الأميركية المقبلة قبل اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل. وانتهى اللقاء بإعلان قادة «مجلس الحكم الانتقالي» خطوات عملية تحدد مواعيد واضحة لبرنامج عمل المجلس والخطوات الأميركية التي قررت الإدارة خوض غمارها قبل أن تحين الساعة.

قال قادة مجلس الحكم المعين إنه جرى الاتفاق على تقديم مسودة مشروع دستور إلى الأمم المتحدة قبل 15 ديسمبر/ كانون الأول المقبل بناء على توصية من مجلس الأمن. ردت فرنسا على المشروع بفكرة مضادة تقترح الإسراع في تشكيل حكومة انتقالية متوازنة قبل ذاك الموعد. وجاء الاقتراح الفرنسي ردا على قرار مجلس الحكم بتشكيل حكومة انتقالية قبل يونيو/ حزيران المقبل. فباريس رأت أن موعد يونيو هو تأخير للصفة الانتقالية ومجرد تمديد جديد لقوات الاحتلال.

كذلك اقترح مجلس الحكم أن تعقد انتخابات تشريعية وتشكل حكومة منتخبة في موعد أقصاه نهاية العام 2005 الأمر الذي أثار ريبة روسيا فشككت موسكو في صحة ادعاء الولايات المتحدة أنها تريد الانسحاب من العراق وتسليم مقاليد أمنه وإدارته إلى سلطات محلية شرعية ومنتخبة.

التحفظات الفرنسية والروسية هناك ما يبررها سياسيا وشرعيا. فباريس تريد أن تشكل حكومة في أسرع وقت حتى تضع جدول أعمال يتسم بالوضوح ويحدد بدقة عملية التسلم والتسليم. وموسكو تريد أن ترى خطوات عملية للانسحاب الأميركي من العراق في إطار معالجة دولية تشرف على خطة عمل تعيد لأهل البلاد مقاليد السلطة وإدارة الأمن والمصالح والعلاقات.

شكوك فرنسا وروسيا في محلها والسبب أن الإدارة الأميركية غير واضحة في نصوصها التفسيرية لقرارات مجلس الأمن وما تفرع عنها من اتفاقات ثنائية أو دولية. فواشنطن تعلن أنها تريد الانسحاب ثم تفسر انسحابها بأنه ليس سحبا لجيوشها وإنما إعادة انتشار (موضعة) له. كذلك مفهوم تسليم السلطات إلى العراقيين غير واضح فهل يأتي في سياق استقلال كامل وسيادة مطلقة أم تبقى هناك بعض المناطق (مطارات، منافذ بحرية وجوية، قواعد عسكرية) تحت السيطرة الأميركية؟ المشكلة إذن ليست مفردات ومصطلحات وإنما سياسة مترددة تريد كسب الوقت وشراء سكوت الدول المجاورة للعراق وأيضا إعادة الثقة إلى الناخب الأميركي بعد أن أخذ يشكك في نوايا إدارته التي ورطته في «نظريات» لا تقوى الولايات المتحدة على تحمل نتائج أثقالها.

إلا أن التردد لا يعني عدم وجود غموض متعمد في إرسال الإشارات المتناقضة عن الانسحاب وتسليم زمام الأمور إلى أهل البلاد وتوسيع صلاحيات مجلس الحكم الانتقالي. فالغموض الأميركي هو الشيء الواضح في تلك السياسة حتى حين يتم الحديث عن البحث في تداول السلطة والأمن. فالإدارة تقول إن الانسحاب لا يعني انسحابا وإنما هو إنهاء الاحتلال المباشر ونقله إلى طور الإشراف. وكلمة الإشراف غير دقيقة لأنها لا تعني بالضرورة الانسحاب الشامل من العراق. فهل الإشراف يعني الحضور العسكري عند الحاجة أم هو وجود عسكري دائم في مناطق محددة تختارها الإدارة الأميركية لضمان احتلالها غير المباشر وتأمين السيطرة على النفط ومصادر الطاقة؟

كلمات كثيرة إلا أن الحقيقة هي بداية تحول المذاق من حلو إلى مر. فبعد أن كانت واشنطن تتباهى بانتصاراتها السريعة والسهلة أخذت الآن تتحدث عن صعوبات وحرب طويلة ضد «مجهولين» لا يعرف من هم وماذا يريدون؟

ولا شك أن انقلاب المذاق في السياسة الأميركية من حلو إلى مر يفسر الكثير من العبث في روزنامة المواعيد العراقية وتغييرها وتعطيلها أحيانا أو اختصارها زمنيا أو اختزال مراحلها من سبع إلى اثنتين في أحيان أخرى. إنها مشكلة والأهم من ذلك لابد من الانتظار مجددا حتى تقتنع الإدارة الأميركية أن العالم تغير وأهدافها لم تعد سهلة

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 439 - الثلثاء 18 نوفمبر 2003م الموافق 23 رمضان 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً