قبل حوالي أربعة أشهر ولدت وزارة جديدة في الجمهورية اليمنية تسلمت حقيبتها امرأة تؤمن بأن مبدأي الديمقراطية وإحقاق حقوق الإنسان يتعززان بالإرادة السياسية للقيادة التي تنتهج السبل الناجحة في محاولاتها الهادفة إلى تغيير الواقع. إن الوزارة المعنية هي وزارة حقوق الإنسان، أما المرأة فهي الوزيرة أمة العليم السوسوة التي تؤكد على رغم قيادتها التجربة الوليدة أن إحقاق الحقوق ليس بالأمر الهين في ظل منظومة القيم الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية التي نشأ في تعاريجها الأفراد والجماعات، وترعرعوا في ظلالها أعواما طويلة، ومع ذلك فهي ترى أن المهم وجود إرادة سياسية تنحو تجاه التغيير.
السوسوة التي أكدت في حديثها مع «الوسط» أن الطريق لا يزال طويلا وشاقا أمام مستقبل حقوق الإنسان في المنطقة العربية، بدت متمسكة بالأمل والتفاؤل وقبل ذلك العزيمة لأن تخوض على المستوى المحلي تجربة نضالية في أصعب ميادين الحياة. وكما قالت فان النجاح في حل قضايا حقوق الإنسان مسئولية تضامنية ملقاة على عاتق المنظمات العاملة في مجال حقوق الإنسان، حكومية وغير حكومية، وليست وزارة حقوق الإنسان إلا طرفا مسئولا ضمن أطراف متعددة تقع عليها مهمة المشاركة الحيوية في هذا المجال المهم.
وأضافت «إن إعمال حقوق إنساننا العربي قولا وممارسة هو شرط أساسي لتحقيق العدالة في الحياة اليومية، لكون حقوق الإنسان عبارة عن مبادئ وقيم يمكن للأفراد بموجبها التصرف باستقلالية وحياد وضمير، ويمكن وفقها للدول أن تشرع وتحكم بموضوعية وعدالة، ومن لا يحترم حقوق الإنسان فهو يهين مبدأ المساواة بين البشر، وينكر حرية الآخرين وحقوقهم المشروعة، فتطبيق حقوق الإنسان في الحياة يمنح معنى ساميا للعلاقات بين الأشخاص ولحياتهم الفردية والجماعية».
وبحسب السوسوة فان الوزارة الوليدة تسعى منذ تأسيسها إلى كل ما من شأنه الارتقاء بقواعد حقوق الإنسان واحترام قيمها ومبادئها، وفي سبيل ذلك خطت أولى الخطى من خلال وضع هيكلية للوزارة بعيدة عن النمطية والقوالب التقليدية. وذلك لتأمين مخرجات مؤثرة في مجمل نشاطاتها الحالية والمستقبلية، فضلا عن التقاء كل منظمات المجتمع المدني العاملة في مجال حقوق الإنسان الوطنية والدولية وتفعيل أدوار اللجان والأطر التي تعمل في إطار الوزارة. أما بالنسبة إلى أولويات الخطط والسياسات وأولويات نشاط الوزارة للعام المقبل فأوضحت أن أهمها إنشاء جهاز لتلقي الشكاوى والبلاغات بهدف دراستها واقتراح سبل حلها ومعالجتها، بناء شراكة وثيقة مع منظمات المجتمع المدني العاملة في اليمن، وزيادة مستوى التنسيق معها وخصوصا ما يتعلق بتبادل الخبرات ورفع مستواها.
وتهدف الوزارة إلى إنشاء قاعدة معلومات وإحصاءات متخصصة تعنى بقضايا حقوق الإنسان، وإصدار كتاب نموذجي للتعريف بمبادئ وقيم حقوق الإنسان، وكذلك إصدار مطبوع يعنى بحقوق الإنسان، إضافة إلى عقد الورش والندوات الهادفة إلى التوعية بالحقوق والواجبات. ووفقا للسوسوة فان الوزارة ستولي عناية أكبر بتطوير المهارات الإدارية والاتصالية للعاملين في مجال حقوق الإنسان، وستقوم بدراسة بعض التجارب الإقليمية والدولية الناجحة في هذا المجال بغرض الاستفادة منها و تبادل الخبرات. كما تسعى الوزارة إلى إدماج مفاهيم حقوق الإنسان في الخطط والاستراتيجيات التربوية والتنموية، والإشراف على حسن وسلامة تطبيق المعاهدات والاتفاقات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان.
ووفقا للسوسوة فإن الوزارة ستعمل أيضا على تشجيع منظمات حقوق الإنسان وتعزيز فعالية أدوات عملها، وستعد دراسة عن موقف القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني من حقوق الإنسان في اليمن، وبذلك تفتح حوارا متصلا مع تلك القوى لحثها على تبني قضايا حقوق الإنسان في برامجها قولا وفعلا. كما ستعمل على تعزيز وتفعيل دور السلطة القضائية في حماية تلك الحقوق، وتطوير علاقاتها مع لجنتي الحريات وحقوق الإنسان في مجلسي الشورى والنواب. إضافة إلى ذلك ستولي الوزارة مزيدا من الاهتمام لمعالجة الانتهاكات والتجاوزات التي قد تحدث باتباع الآليات المناسبة، وستعنى أكثر بوضع السجون والسجناء وبمسألة النزول الميداني إلى السجون وإعداد تقارير دورية عنها ومتابعة تنفيذ التوصيات الواردة فيها.
ولدى سؤالها عن القضية الأولى التي ستتصدى لها الوزارة أشارت السوسوة إلى مشكلة الفقر إذ تبنى عليها كما قالت بقية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية. وأكدت في هذا الصدد ضعف الاقتصاد اليمني، الأمر الذي يترتب عليه التخلف الاقتصادي والكثير من المشكلات الاجتماعية. ولذلك فإن الوزارة ستتعاطى مباشرة مع الاستراتيجية الوطنية للتخفيف من الفقر التي أعدتها وزارة التخطيط حديثا وتم البدء في تطبيقها.
من جهة أخرى ذكرت أنه سيتم الاهتمام بقانون الأحوال الشخصية، والعمل بالتنسيق والاتفاق مع الجهات ذات العلاقة على الحد من ظاهرة التمييز ضد المرأة ومختلف الفئات في المجتمع.
وبذلك نرى أن التجربة اليمنية- بغض النظر عما استطاعت أو لم تستطع تحقيقه حتى الآن- تستحق الإشادة والاقتداء بها كتجربة رائدة في المنطقة، وإلقاء المزيد من الضوء عليها وخصوصا عند الأخذ في الاعتبار كونها تدرجت في مجال الاهتمام بقضايا حقوق الإنسان من إنشاء لجنة وطنية في إطار وزارة الخارجية، إلى لجنة عليا في إطار رئاسة الجمهورية، وأخيرا تعيين وزيرة للدولة لحقوق الإنسان ثم إفراد حقيبة وزارية لحقوق الإنسان. فكم جميل أن يشعر الإنسان بأن قضاياه وحقوقه محل اهتمام، وأن حقوقه محقّة كما يكفلها له القانون والدستور، خلافا لأن يرى حقوقه أو بعضها محل تهميش واستنكار وشدٍّ وجذب ليجد نفسه فيما بعد تائها في حلقة مفرغة لا يدري ما له وما عليه. أما الأجمل فهو التدرج في بناء ودعم الجهات التي تحمي وتدافع عن تلك الحقوق، بدلا من محاولات هدمها وتقليصها
العدد 441 - الخميس 20 نوفمبر 2003م الموافق 25 رمضان 1424هـ