العدد 442 - الجمعة 21 نوفمبر 2003م الموافق 26 رمضان 1424هـ

من كابول إلى اسطنبول

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

مرة أخرى يعود السؤال: ما الفائدة من قتل أطفال ونساء وشباب في مجمع «المحيا» في الرياض وفي معابد دينية ومؤسسات مدنية في شوارع اسطنبول وغيرها من مدن وقرى العالم؟ السؤال ليس موجها لتلك التنظيمات والشبكات المجهولة التي تصدر بيانات موقعة بأسماء غير معروفة ومن مصادر غير معلومة وعناوين مزورة... انه موجه للجهات العسكرية الأميركية والبريطانية التي تصدر الأوامر الواضحة للطائرات والبوارج والصواريخ للانقضاض على قرى وأحياء ومدن ومؤسسات مدنية ومراكز دينية في أفغانستان والعراق وفلسطين.

قتل الأطفال والنساء والشباب والأبرياء فعل إجرامي وليس حربيا وهو إن دل على شيء فإنه يشير إلى نوع من الانحطاط في الرؤية السياسية وقراءة ثأرية وانتقامية تصدر عن جهات غير واعية. وإذا كانت واعية فإنها غير مكترثة بالنتائج السلبية التي تثيرها مثل هذه الأعمال العشوائية التي تضرب من دون تركيز أو من دون تفكير بالخلاصات المترتبة عن مثل هذه الافعال. فالحرب في النهاية سياسة وما فائدة السياسة إذا كان الطرف الذي يديرها لا يهتم بمدى سلبيات القتل العشوائي والضرب من دون تفكير أو تركيز.

الجريمة جريمة وليس هناك ما يبررها حتى لو جاءت في سياق الانفعال والغضب وردة فعل على فعل إجرامي ارتكبته طائرة عسكرية أو صاروخ أو بارجة ضد تجمعات مدنية ضربت بشعارات شتى ومسميات مختلفة كمثل التي تقوم بها قوات الاحتلال في العراق وآخرها كان «المطرقة الحديد».

«المطرقة الحديد» أو غيرها من مطارق عندما تسقط بالضرب عسكريا على أهداف عشوائية بذريعة الرد والانتقام والإيذاء كيفما اتفق وبغض النظر عن الجهة التي تتلقى الضربات ومدى مسئوليتها عن الحوادث الدموية التي تحصل هنا وهناك... يصبح القتال لا معنى له لأنه نقل الحرب من فعل سياسي إلى سياسة إجرامية القصد منها القتل والانتقام وليس العمل من أجل انتصار الإنسان في حاضره ومستقبله.

ما حصل ويحصل من خراب شامل في أفغانستان والعراق وفلسطين وما تفرع ويتفرع عن تلك الحروب المجنونة من امتدادات أخذت تثير الرعب والمخاوف في كل الأمكنة والأزمنة لا معنى سياسيا له. المعنى الوحيد هو القتل المجاني لمكاسب ومنافع المتضرر الرئيسي منها هو الإنسان كقيمة اعتبارية. فالحرب عادة يخوضها الإنسان دفاعا عن مصالحه ووجوده. وما نراه في المشهد الدموي الممتد من كابول إلى اسطنبول هو تدمير الإنسان بآلات الحرب وردا على فعل إجرامي ارتكبته طائرات وصواريخ وبوارج عمياء تنطلق وتضرب من دون تحديد الأهداف وتركيزها.

الحرب العشوائية بغض النظر عن الطرف الذي يخوضها هي نوع من الجنون السياسي الذي لا يكترث بالضحية بقدر ما يفكر أنه أوصل رسالة للانتقام أو التخويف.

حرب توجيه الرسائل هي من أسوأ أنواع الحروب لأنها تستقيل من السياسة وتبدأ بالبحث عن الطرائد بهدف التخويف والانتقام. وهذا يعني أن الضحية (الإنسان) لا قيمة لها بل توصيل الرسالة إلى الجهات المعنية هو الأهم.

هذه كارثة بكل المقاييس السياسية والإنسانية. وهذا يعني أن الأمر وصل إلى حد الانفلات من ضوابط العقل والتحليل العقلاني الذي يدرس كل مسألة على حدة ويفكر بها من دون أن ينسى ربطها بما سبقها من حوادث وحلقات.

الآن وفي ظل المشهد المأسوي الممتد من كابول إلى اسطنبول لم يعد بالإمكان التفكير واستخدام الوسائط العاقلة للبحث والتحليل. فالروابط بين الحوادث مشلولة ولا يمكن استخلاص نتائج مشتركة أو غايات مشتركة. فما يحصل هو من أجل القتل فقط وعندما تتحول السياسة إلى قتل تتخلى آليا عن أهدافها وتستقيل كل الضوابط الإنسانية لأن المقصود هو قتل الإنسان وليس شيئا آخر.

نعود إلى السؤال: ما فائدة قتل أطفال ونساء وشباب في اسطنبول مثلا؟ وهل ما يحصل هنا لمصلحة شيء ما يحصل في مكان آخر؟

كل الأجوبة إلى العكس. فما حصل في اسطنبول يضغط سياسيا وأمنيا ونفسيا على حكومة إسلامية منتخبة شرعيا ويعطل على البرلمان اتخاذ قرارات سياسية كانت في مجملها منذ إعلان الولايات المتحدة الحرب على العراق لمصلحة الجانب العربي والمسلم في القضية. فالحكومة التركية - على كل الملاحظات التي يمكن أن يضعها المراقب المحايد - اتخذت مواقف شريفة في السنة الماضية حين رفضت المشاركة في الحرب، وحين رفضت السماح للقوات الأميركية باستخدام أراضيها، وعندما رفضت ارسال قطاعات من جيشها مقابل إغراءات مالية وصلت إلى ثمانية مليارات... وغيرها من مواقف مالت في معظمها إلى الجانب العربي والمسلم، سواء على مستوى العراق أو دول الجوار من إيران إلى سورية.

إذا لمصلحة من تضرب المعابد والمؤسسات والقنصليات في اسطنبول؟ لمصلحة العراق وأفغانستان أم لمصلحة جهات مجهولة الأسماء وغير معروفة الأهداف والعناوين؟ هل ما يحصل في اسنطبول يدعم التوجه الصحيح عموما في مواقف الحكومة التركية أم يضغط عليها وينتقم منها ويضعها في زاوية حادة لتضطر إلى اتخاذ مواقف ليست في مصلحة العراق وجيرانه؟

إنه سؤال. ولكن ما الفائدة من سؤال حين تتحول السياسة إلى جنون؟

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 442 - الجمعة 21 نوفمبر 2003م الموافق 26 رمضان 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً