العدد 442 - الجمعة 21 نوفمبر 2003م الموافق 26 رمضان 1424هـ

الوساطة الألمانية بين حزب الله و«إسرائيل»

400 أسير عربي ينتظرون الاتفاق

سمير عواد comments [at] alwasatnews.com

لو سعى أبرع مخرجي أفلام الإثارة البوليسية إلى الحصول على سيناريو فيلم جديد ليس أمامه أفضل من السيناريو الجاري في إطار عملية تبادل الأسرى بين حزب الله و«إسرائيل» التي تتوسط فيها الحكومة الألمانية. من جهة هناك الطيار الإسرائيلي رون أراد الذي سقطت طائرته الحربية الأميركية الصنع من طراز «فانتوم» داخل الأجواء اللبنانية، ورجل أعمال إسرائيلي برتبة عسكرية مرموقة يدعى إلحنان تاننباوم، يعتقد أن استخبارات حزب الله نجحت في استدراجه إلى لبنان. ويواجه رئيس الوزراء الإسرائيلي ارييل شارون ضغطا من الداخل منذ زمن بعيد بسبب استمرار احتجاز حرية أراد وتاننباوم. منذ سنوات توصل الاستراتيجيون في حزب الله إلى معرفة نقطة ضعف مهمة عند الإسرائيليين وهي أنهم لا يرتاحون أبدا حتى يحصلوا على أسراهم حتى إن كانوا أمواتا، وعلى كل ما يخصهم، وهم على استعداد لتقديم تنازلات، وهذا ما دلت عليه تجارب سابقة تمت أيضا بوساطة ألمانية.

وبينما يرجع احتجاز الطيار أراد إلى الغطرسة العسكرية الإسرائيلية، فإن وقوع رجل الأعمال تاننباوم في أيدي حزب الله كان نتيجة طمعه في القيام بصفقة تجارية مريبة، لكن هذا سيان عند الرأي العام الإسرائيلي الذي يطالب حكومة شارون بالسعي إلى الإفراج عن الأسيرين وتقديم تنازلات إلى حزب الله. وليس في أوروبا من هو على استعداد للتوسط بين حزب الله و«إسرائيل» أكثر من ألمانيا، لأن لا أحد من الجانبين يريد الحديث إلى الآخر وجها لوجه. وكلف المستشار الألماني غيرهارد شرودر وزير المستشارية لشئون المخابرات إرنست أورلا بمتابعة القضية، وقام الأخير بعدة زيارات لبيروت وتل أبيب، وكاد أن ينجح في الشهر الماضي في تحقيق التسوية المنشودة، لكن شارون أوقف كل شيء في اللحظة الأخيرة وعاد الوسيط الألماني بخفي حنين إلى برلين. لكن من المحتمل أن تتحقق الصفقة المنتظرة بين حزب الله و«إسرائيل» في الأيام القليلة المقبلة، وتشير مصادر ألمانية مطلعة في برلين إلى احتمال نجاح الصفقة. وهكذا قد يكتب سيناريو المشهد الأخير باحتفال حزب الله بعودة أسراه كما سيحتفل الإسرائيليون بعودة تاننباوم، فيما الشكوك تحوم حول نجاح الوساطة الجارية في الإفراج عن أراد نظرا إلى عدم توافر معلومات مؤكدة عما إذا كان الطيار الإسرائيلي ميتا أم انه على قيد الحياة، محتجز في إيران كما أشاعت تقارير صحافية منذ وقت. منذ سنوات تجري فصول الصفقة المثيرة والدامية على المثلث اللبناني الإسرائيلي الإيراني ولم يسبق أن اطلع الرأي العام على فصولها بالتفصيل، ويعتقد أنها على وشك أن تكتمل. وعلى رغم أن خريطة الطريق تعرضت للفشل ووصلت عملية السلام في «الشرق الأوسط» مرة أخرى أمام باب مسدود فإن المفاوضات بشأن تبادل الأسرى بين حزب الله و«إسرائيل» على رغم تصلب مواقف الطرفين فإنها لم تتوقف. قبل أسبوع حصل شارون على تأييد حكومته بعد ثماني ساعات من النقاش، وكانت نتيجة عملية التصويت 12 «مع» و11 «ضد» مواصلة التفاوض مع حزب الله لإبرام الصفقة. وكان الأمين العام لحزب الله الشيخ حسن نصرالله حصل منذ زمن على تأييد حزبه للمضي بهذه المفاوضات على رغم وجود معارضين للصفقة داخل الحزب الذي نجح في طرد «إسرائيل» من جنوب لبنان الذي كانت تحتله. وذكرت معلومات صحافية هنا، أن برلين تنتظر أن تفرج «إسرائيل» عن 400 أسير من اللبنانيين والفلسطينيين مقابل أسير إسرائيلي ورفات ثلاثة جنود إسرائيليين. ويريد حزب الله أن تتم الصفقة قبل نهاية شهر رمضان. وفي بيروت، وخصوصا في أوساط عائلات الأسرى اللبنانيين والفلسطينيين، يسود ترقب قبل انفجار دموع الفرح. لكن في تل أبيب هناك مشاعر مختلفة تجمع بين ما إذا يمكن التفاوض مع حزب الله الذي يريد القضاء على «إسرائيل» بحسب المفهوم الإسرائيلي السائد، وما إذا كانت صفقة عادلة بالإفراج عن أربعة إسرائيليين مقابل 400 أسير عربي، علما بأن «إسرائيل» ستحصل على ثلاثة منهم جثثا هامدة. لكن في النهاية لا ينبغي على الرأي العام الإسرائيلي صرف النظر عن حقيقة دامغة وهي أن «إسرائيل» المسئولة عن نشوء هذا النزاع.

من المنتظر أن يكون الأسير تاننباوم في سن الـ 57 اليوم، وسن الطيار أراد 45، ولكل منهما قصة مختلفة عن الطريق الذي أوصله إلى قبضة حزب الله. رون أراد لم ير أكثر من وهج ضوء حين وجد أجهزة الإنذار في طائرة الفانتوم التي كان يحلق بها في الأجواء اللبنانية تتوهج باللون الأحمر (علامة الخطر) وإنذار الطيار ومساعده بأن أمامهما ثواني لإنقاذ نفسيهما ومغادرة الطائرة. بعد سقوط الطائرة سارع مقاتلو حركة (أمل) إلى مكان سقوط الطائرة أملا في القبض على الطيارين. في هذا الوقت وصلت مروحية إسرائيلية إلى المكان لإنقاذ الطيارين. وبينما نجح مساعد أراد في التمسك في اللحظة الأخيرة بطائرة الإنقاذ، وقع أراد في قبضة (أمل). سرعان ما انتشرت صورة أراد في وسائل الإعلام الإسرائيلية وبدأت زوجته تامي، التي تعمل محررة في راديو الجيش الإسرائيلي، بحملة للضغط على الحكومة الإسرائيلية للعمل من أجل الإفراج عن زوجها. بعد عام على اختفائه بعث أراد إلى زوجته رسالة طلب فيها التدخل لدى كل مسئول إسرائيلي لإعادته إلى «إسرائيل».

لكن السياسة لم تقم بدور كان يأمل به أراد والسبب وجود رجل في «إسرائيل» يدعى أرييل شارون. في منتصف السبعينات غرق لبنان في حرب أهلية لم تكن «إسرائيل» بعيدة عن حوادثها وفي العام 1978 اجتاحت «إسرائيل» جنوب لبنان واحتلت مناطق واسعة منه وفي العام 1982 اجتاحت لبنان واحتلت بيروت وطردت الفصائل الفلسطينية وكان شارون في منصب وزير الدفاع إذ أجبرته لجنة تحقيق إسرائيلية على التخلي عن منصبه بعد تحميله مسئولية مجزرة صبرا وشاتيلا التي نفذها على الأرض مقاتلو الميليشيات المسيحية بتأييد من شارون. وتأسس حزب الله نتيجة احتلال «إسرائيل» مناطق واسعة في جنوب لبنان. وفي العام 1983 نفذ حزب الله عملية مدوية ضد قوات البحرية الأميركية في لبنان، حين انفجر مبنى فيه 241 رجلا من رجال المارينز لقوا حتفهم وانسحبت الولايات المتحدة من لبنان، لكن الإسرائيليين ظلوا في الجنوب واستعانوا بجيش لبنان الحر العميل لحمايتهم من هجمات حزب الله.

وفي العامين 1988 و1989 فشلت مفاوضات سرية في تحقيق صفقة والإفراج عن الطيار الإسرائيلي لأن الحكومة الإسرائيلية رفضت التجاوب مع طلب حزب الله الإفراج عن أسرى فلسطينيين نفذوا عمليات ضد أهداف إسرائيلية. وظلت «إسرائيل» تتدخل لدى ألمانيا على وجه الخصوص بسبب علاقتها الوثيقة بإيران لغرض التأكد من وجود الطيار أراد على قيد الحياة. في هذه الفترة كان وزير شئون المخابرات بيرند شميدباور في مقر المستشار السابق هيلموت كول الذي له صلة وثيقة بقادة حزب الله منذ نهاية الثمانينات، يدير الوساطة الألمانية. وصرح شميدباور مرة بأن ابنة أراد سترى والدها في القريب. وكان شميدباور، الملقب بالعميل الألماني 800، اشرف على صفقة بين الجانبين في العام 1996 وكانت صفقة تمهيدية للصفقة الكبيرة. حصرت المخابرات الألمانية اهتمامها، بعد تصلب المواقف، في البحث عن دليل يثبت أن الطيار الإسرائيلي موجود على قيد الحياة. وزادت الصلة متانة بين ألمانيا وحزب الله وأصبح الشيخ حسن نصرالله بعد تسلمه قيادة الحزب خلفا للأمين العام السابق الذي اغتاله الإسرائيليون، يتحدث باستمرار إلى وسائل الإعلام الألمانية ويوجه رسائل مباشرة إلى الإسرائيليين. وفي العام 1999 تمت صفقة تبادل للأسرى عبر مطار فرانكفورت ومنها استقل خمسة من مقاتلي حزب الله طائرة متجهة إلى بيروت. شعرت الحكومة الإسرائيلية بالغيظ وهي تراقب عودة مقاتلي حزب الله كأبطال إلى بلدهم، وتم نقل خبر الوصول واستعراض حرس الشرف مباشرة على الهواء، وفاز حزب الله بنصر إعلامي. ثم بدأت ترد إلى برلين وتل أبيب روايات مختلفة عن مصير الطيار أراد، فمنهم من قال ان أسرة أحد شهداء حزب الله أجهزت عليه انتقاما لشهيدها وحصلت «إسرائيل» من رجل أعمال إيراني على قطعة عظم قال انها عائدة إلى أراد وتبين من خلال معاينتها مع جينات اسرة أراد أنها لا تخص الطيار المفقود. في العام 2000 صرح رجل أعمال ألماني كان مسجونا في إيران أنه شاهد أحد الأشخاص يرتدي بزة طيار وكان باستمرار يطالع مجلات عن الطيران. لأول مرة خيل للألمان أنهم حصلوا على دليل يؤكد الرواية بأن اللبنانيين سلموا أراد إلى إيران خوفا من نجاح الكوماندوس الإسرائيلي في التوصل إلى مكانه إذا ظل في لبنان وخصوصا أن الحكومة الإسرائيلية أوكلت إلى فرقة خاصة من الموساد متابعة قضية أراد. أما تاننباوم برتبة عقيد احتياطي، فمصيره يختلف، إذ حاول الدخول في صفقة بيع أدوية غير صالحة في لبنان وحصل من قبل وسيط على جواز سفر لبناني مزور سافر به إلى بروكسل وفرانكفورت حيث تحدث عبر الهاتف إلى زوجته لآخر مرة، ومنها إلى أبوظبي ويعتقد أن استخبارات حزب الله نقلته مخدرا في صندوق الموتى إلى لبنان. يعاني تاننباوم من مرض السكري وسيواجه شارون معارضة شديدة في الداخل إذا توفي تاننباوم في الأسر. لهذا تعتقد برلين أن أبواب السجون الإسرائيلية قد تفتح في أية لحظة في الأيام القليلة المقبلة

العدد 442 - الجمعة 21 نوفمبر 2003م الموافق 26 رمضان 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً