العدد 446 - الثلثاء 25 نوفمبر 2003م الموافق 30 رمضان 1424هـ

المقاومة في العراق: كي لا تهدر وتدمر القدرات

فايز سارة comments [at] alwasatnews.com

.

تطرح وقائع العراق بعضا من جوانب المشكل العراقي الراهن في مواجهة الاحتلال الاميركي - البريطاني والذي يستعد لدخول شهره التاسع وسط اعلانات اميركية - بريطانية خلاصتها، ان الاحتلال باق لسنوات، وان تغيرت تسميته.

والحق، فان مواجهة الاحتلال الاميركي - البريطاني اليوم، تبدو قضية الغالبية العراقية، رغم الاختلافات على تفاصيل في مواجهة الاحتلال، تتضمن تنوعها مابين السياسي والعسكري، وتعدد مستوياتها، التي تتراوح ما بين المواجهة الشاملة، والمواجهات الجزئية. ولعل التدقيق في حياة العراقيين تحت الاحتلال في الاشهر الماضية، يبين بوضوح تنوع مضامين وسويات المواجهة العراقية للاحتلال، كما يبين رغبة العراقيين التي تكاد تكون عامة بخروج الاحتلال من العراق، وقيامهم بصوغ كيانهم الجديد استنادا الى دستور ومنطلقات، يتم التوافق عليها بمشاركة جماعات الطيف العراقي كله.

وتوافق اغلب العراقيين على مواجهة الاحتلال ورغبتهم في الخلاص منه، تدفع للوقوف عند ظاهرة المقاومة العراقية المسلحة، والتي لا شك أنها الظاهرة الاهم في العراق تحت الاحتلال بما تعنيه من فعل ايجابي هدفه مواجهة الاحتلال، وفي اطار هذه الظاهرة، شهد العراق بمناطقه المختلفة عمليات مقاومة مهمة ضد قوات الاحتلال الاميركي - البريطاني، وأمتدادا ضد القوات الاجنبية الاخرى التي التحقت بقوات الاحتلال في اطار تدويل احتلال العراق، ولا يغير واقع الاحتلال او تدويله من شرعية مقاومته، طبقا لكل الشرائع التي عرفها البشر خلال تاريخهم الطويل، بما فيها شرعة حقوق الانسان، والمواثيق والقوانين الدولية الاخرى.

غير ان في بعض «عمليات المقاومة» التي شهدها العراق في الاشهر القليلة الماضية، ما يستحق التوقف عنده، وتدقيقه على غرار عمليات التفجير، التي اصابت مدنيين عراقيين، او التي استهدفت مؤسسات دولية مثل مكاتب الامم المتحدة والصليب الاحمر الدولي، او تلك التي اصابت منشآت ومرافق عراقية اقتصادية او خدمية، وقد ادت هذه العمليات الى اضرار، كادت تنحصر نتائجها المدمرة على العراقيين وحدهم، إذ منهم اغلب القتلى والجرحى، والذين تضررت ممتلكاتهم، ولحق الدمار باعمالهم، والذين قطعت عنهم سبل المساعدة السياسية والانسانية المقدمة من الامم المتحدة والمنظمات الدولية للخروج مما آلت اليه أوضاع العراق والعراقيين.

وعودة الى عمليات الحرب الاميركية - البريطانية على العراق، يمكن ملاحظة، ان اول اهداف تلك العمليات في العراق، كان المدنيون العراقيون، وقد قتل منهم الكثير بفعل عمليات القصف والدمار الناتج عنها، كما تعرضت المؤسسات والمرافق العامة والممتلكات الخاصة العراقية للتدمير بفعل تلك العمليات، ولم تسلم المقرات التابعة للامم المتحدة من دمار العدوان الاميركي - البريطاني على نحو مااصاب مستودعاتها الخاصة ببرنامج: النفط مقابل الغذاء.

لقد بدا من غير الطبيعي، حصول توافق بين اهداف بعض عمليات المقاومة العراقية والاهداف التي توجهت اليها قوات التحالف الاميركي - البريطاني في عدوانها على العراق بحكم طبيعة التناقض العميق بين المقاومة والاحتلال، ما يشير الى وجود خلل في بعض عمليات «المقاومة العراقية» من حيث اختيار الاهداف والوسائل، ما ادى الى حدوث اخطاء كبيرة في النتائج، اصابت العراقيين ماديا وسياسيا بصورة مباشرة او غير مباشرة.

سال كثير من الدم، ودمرت ممتلكات، ولحق الضرر بمؤسسات ومرافق عراقية، او دولية في «عمليات مقاومة»، كشفت عن محدودية الافق السياسي للقائمين بها، او الذين يقفون خلفها، او تعمد بعضهم الاساءة الى المقاومة العراقية ولنضال العراقيين ضد الاحتلال، بتوجيه بعض «العمليات» ضد اهداف عراقية او دولية، واتخاذ بعض هذه العمليات طابعا يتناقض مع هدف ضرب قوات الاحتلال، مثل السيارات المفخخة والعبوات المزروعة.

ولاشك، ان مقاومة الاحتلال، ينبغي ان تستند الى رؤية سياسية، تحدد اهداف المقاومة، كما تحدد قوى المقاومة والاساليب والطرائق الممكنة للوصول الى غايات المقاومة واهدافها، وفي مثل حالة العراق، لا تتوافر حتى الآن رؤية سياسية معلنة لمقاومة الاحتلال، كما ان صورة المشاركين في المقاومة العراقية المسلحة من افراد وجماعات ليست واضحة، اذ هناك تحفظ في اوساط عراقية سواء بسبب ما يقال عن حضور قوى لجماعات التطرف الديني، او بسبب مشاركة عناصر وقوى، تنتمي الى النظام السابق في المقاومة العراقية، وكله يضاف الى الالتباسات المتعلقة ببعض العمليات.

ان هذه الوقائع، تدفع اوساط المقاومة، وتدفع الوطنيين العراقيين الراغبين في التخلص من الاحتلال وبناء وطنهم مجددا الى الوقوف عند ظاهرة المقاومة المسلحة والتدقيق في بعض عملياتها واهداف هذه العمليات خصوصا التي ينبغي ان تتجنب العراقيين بشريا وماديا ومؤسساتيا بصورة قطعية، كما يفترض، ان تبتعد بصورة كلية عن التعرض للمؤسسات الدولية العاملة في العراق والعاملين فيها، وبهذا المعنى فان من الحق توجيه كل عمليات المقاومة المسلحة ضد الاحتلال ومؤسساته، ومن شأن اتخاذ هذا المنحى لعمليات المقاومة في العراق، ايجاد قاسم مشترك وطني، يوحد العراقيين في وجه المحتلين، ويحقن دماء العراقيين ان تذهب هدرا، ويوفر طاقاتهم وامكاناتهم، وهو من جهة أخرى، يدعم حضور المؤسسات الدولية وخصوصا الانسانية، ويعزز جهودها لخدمة العراقيين، ويعطي صورة أكثر تحضرا عن العراقيين في سعيهم الى حرية بلادهم، تكسر نمطية الصورة التي يبثها الاحتلال للمقاومين العراقيين باعتبارهم «ارهابيين» و«قتلة» و«عناصر النظام السابق» لاطلاب حرية واستقلال، وهو واقع أكثرية العراقيين، وان تعددت سبلهم للوصول الى ذلك

العدد 446 - الثلثاء 25 نوفمبر 2003م الموافق 30 رمضان 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً