العدد 459 - الإثنين 08 ديسمبر 2003م الموافق 13 شوال 1424هـ

الفكر العربي: من التنظير إلى التنظير

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

اختتمت «مؤسسة الفكر العربي» اعمال ندوتها في بيروت الاسبوع الماضي بحضور عشرات المفكرين والسياسيين ورجال الاعمال والاعلام والدولة.

انتهت الندوة من حيث بدأت، وستبدأ ثانية وثالثة ورابعة وستنتهي من حيث بدأت. وهكذا إلى ان يقضى امرا كان مفعولا.

«مؤسسة الفكر العربي» ليست الوحيدة التي تهتم بشئون الامة ومشكلاتها وهي ليست الاولى ولن تكون الاخيرة. فهناك على مثالها عشرات المؤسسات ومراكز البحوث والدراسات تعمل بالاسلوب نفسه على المستويات المحلية والاقليمية والقومية. فالفكرة ليست جديدة وما حصل في بيروت الاسبوع الماضي يمكن رصد ما يشبهه في معظم العواصم العربية. واحيانا يشارك المفكر نفسه في عشر ندوات سنويا يكرر الكلام الذي قاله سابقا او يعيد انتاح ما سمعه من كلام في ندوة سابقة. وهكذا الى ان يقضي امرا كان مفعولا.

الندوات العربية، وهي مهمة في كل الحالات لأنها على الاقل تجمع ما فرقته الانظمة، هي مجرد اوعية للقول وليست مؤسسات للفعل. وهذا الامر لا يقلل من شأنها إلا ان المسألة باتت تحتاج إلى مراجعة عامة حتى لا تتراكم المحاضرات والبحوث وتتكرر الندوات من دون ان يتوصل فرقاء الفكر الى صيغة تحدد اين هو الخلل وكيف يمكن معالجة الازمات التي تضرب الوطن من مشرقه إلى مغربه ومن محيطه إلى خليجه.

نقد أسلوب الندوات وعناوينها ليس انتقاصا من فعاليتها واهمية استمرارها، ولكنه بات ضرورة حتى لا نقع في دوامة من النظريات يعاد تلاوتها وتلوينها في كل حين ومكان، ويعود المفكر إلى حيث اتى غير مكترث بما حصل، وماذا بعد الندوة؟

ماذا بعد؟ سؤال يجب ان يقال حتى لا تغرق الندوات في تفصيلات مملة وبيانات تطالب بكذا وكذا ولا من قرأ ولا من سمع. واذا حصل وقرأ البعض وسمع ووافق على المطروح والمطلوب يسأل اخيرا: ما هو السبيل الى تحقيق تلك الاهداف المرجوة؟

وحتى لا تتحول الندوات الى «لا حول ولا قوة» لا بد من إعادة النظر في اسلوب تعاطيها مع الواقع العربي والمأزق التاريخي الذي يعيشه منذ اكثر من قرن من الزمان.

الندوات اجمالا وهذا الكلام لا يخص «مؤسسة الفكر العربي» تقتصر انشطتها على التنظير والاستشراف، واحيانا توصيف الواقع العربي. وهناك بعض المفكرين العرب عنده الجرأة على تحليل عناصر الواقع من دون قدرة على تفكيكه وإذا حصل فانه لا يطرح البديل العملي لإعادة تركيب الواقع لتجاوز الازمة.

المشكلة ليست في المؤسسة او غيرها من مؤسسات وانما في الفكر العربي حتى لا نقول إن المفكرين العرب الذين يقضون ايامهم جيئة وذهابا بين العواصم العربية يكررون ما قالوه او سمعوه. مشكلة المفكر العربي لا تقل خطورة عن مشكلات الانظمة العربية فهو يدور على نفسه وحول غيره ويكرر ويعيد انتاج الكلام نفسه من دون توضيح الخطوات العملية او الآليات أو البرامج لتجاوز الازمات من خلال قراءة موضوعية/ واقعية وتاريخية/ وقائعية تلتقط المفارقات انطلاقا من وعي مركب يرى في الازمات عناصر محلية واقليمية ودولية. فهناك الكثير من المشكلات لا يمكن حلها لسبب بسيط وهو ان اساسها ليس محليا بل له صلة بشبكة العلاقات الدولية التي تهيمن عليها مراكز قوى دولية ترسم الخطط على مستوى كوني وتلحق المحلي بمنظومة تسيطر على الاقتصاد والتجارة والمال والاعلام.

مشكلة المفكر العربي (الفكر العربي) انه نظري (بياني) في تصور الاشياء. وبسبب طغيان التنظير والاستشراف على بيانه تغيب عن القراءة الابعاد التاريخية والكونية لمسار التطور (التقدم) وتتقدم الارادة على الفعل والذات على الواقع.

الى المشكلة النظرية (الفكر النظري) هناك غياب شبه كامل للفكر العملي (فقه المعاملات كما يقول الفقهاء). وغياب «فقه المعاملات» عن التفكير العملي يبعد المفكر العربي عن التفكير الملموس ويضعه في زاوية الاستشراف.

والاستشراف من دون تجربة عملية يعني مجرد تلاوة تمنيات «وكان الله يحب المحسنين».

اختتمت «مؤسسة الفكر العربي» اعمالها في بيروت، وغدا ستفتتح اعمال ندوة اخرى في عاصمة ثانية ونعود مجددا الى التنظير وتكرار قضايا سبق بحثها في ندوات سابقة... بينما العالم يسير ونحن ايضا نسير

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 459 - الإثنين 08 ديسمبر 2003م الموافق 13 شوال 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً