العدد 460 - الثلثاء 09 ديسمبر 2003م الموافق 14 شوال 1424هـ

الفكر العربي... وتدوير القضايا

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

مسألة التنظير في «الفكر العربي» المعاصر هي واحدة من المشكلات التي يعاني منها المفكرون العرب.

التنظير عموما ليس مسألة سيئة. فالنظرية ضرورية لفهم تعقيدات الواقع وتفكيك عناصره المركبة واكتشاف قوانينه ووعي أسبابه التاريخية. المشكلة تبدأ بعد التنظير. فهنا تبدأ إعادة انتاج القضايا نفسها وتكرارها وإعادة تكرارها في انساق ايديولوجية مختلفة ولكنها كلها لا تجيب عن سؤال: ما هو الحل؟

الإجابة عن مسألة الخروج من الأزمة تساعد على وضع خطة برنامجية متواضعة تسهم في تطوير الواقع وفق حاجات الناس وقدراتهم ومن دون مواجهة مع تصورات الدولة وطموحاتها. وهذا التفاهم بين الدولة والمجتمع يتطلب إعادة إنتاج العلاقات السياسية وتطوير أسسها القانونية حتى تتجانس طموحات الدولة مع واقع الناس. وحتى الآن لا نرى هذا التكيف بين الدولة والمجتمع أو بين النخبة والأهل. فكل فريق له برنامجه وتصوراته. وهيئات المجتمع تعمل باستقلالية أحيانا عن مؤسسات الدولة من دون التوصل إلى إيقاع مشترك يضع ضوابط للعمل الوطني الذي يخدم الناس وليس فئة واحدة من المجتمع.

نسمع كثيرا في منتديات «الفكر العربي» المعاصر الآراء نفسها التي قيلت قبل سنة في منتديات سابقة وكلها تدور حول مفاتيح (مفاهيم) عامة تدعي قول الكثير ولكنها لا تفعل إلا القليل.

وكلمات مثل «العدالة» و«المساواة» و«الديمقراطية» و«التنمية» تتردد بهذه الصيغ أو صيغ أخرى لاتزال تردد ويعاد تدويرها سنويا منذ أكثر من قرن. وحتى الآن لم يستطع «الفكر العربي» الاتفاق على صيغة عملية (ميدانية) لتحقيق تلك المفاهيم أو تطويرها، والأغرب من ذلك أن هناك بعض الأقلام الشابة تكتب عن تلك المفردات (المصطلحات) وتظن انها مفاهيم تطرح للمرة الأولى وأن الشعوب العربية لم تسمع بها سابقا.

وهذا إن دل على شيء فانه يدل على وجود نوع من الانقطاع بين جيل وآخر. فكل جيل يعيد اكتشاف ما اكتشفه الجيل السابق. وهكذا تبقى الاجيال تراوح مكانها في وقتٍ يتقدم التاريخ ويسير إلى الأمام.

المسألة إذا هي في غياب الفكر العملي أو منهج التعامل مع المشكلات بواقعية انطلاقا من تجارب ذاتية ملموسة. وهنا بالضبط تبدأ أهمية رجال الدولة أو المفكرين الذين خدموا سابقا كوزراء أو نواب أو سفراء أو مستشارين، وانخرطوا في تجارب مريرة وفشلوا في تنفيذ أو تمرير مشروعاتهم على مستوى الخدمات الصحية أو التربوية أو الاقتصادية وغيرها من اقتراحات عملية لم تجد طريقها إلى التنفيذ.

في أدراج جامعة الدول العربية وكل دولة عربية وكل وزارة من الوزارات العربية عشرات الدراسات والخطط والمشروعات التي أنفقت الملايين لإنتاجها لم تستخدم أو تنفذ.

والسؤال: لماذا؟ الاجابة عن هذا السؤال تساعد كثيرا على تعيين الخلل وضبط عناصره، وهي عناصر تتحمل مسئولية فشل أو إفشال كل تلك الاقتراحات والأفكار العملية.

والاجابة عن سؤال: «لماذا فشلت كل تلك البرامج؟» يملكها رجل الدولة الذي سبق له أن خدم في مؤسسة أو هيئة رسمية وخرج منها خائبا.

شارك الكثير من المفكرين (رجال دولة سابقا) في ندوة «الفكر العربي» في بيروت إلا أنهم تحدثوا عن المشكلات نظريا واستشرافيا ولم يتحدثوا عن تجاربهم الشخصية (سيرتهم الذاتية في الحكم) والأسباب التي أدت إلى فشلهم وخروجهم أو إخراجهم من الحكم. وعدم الكلام عن التجربة يعني نظريا عدم الاستفادة منها.

المطلوب إذا نقد الذات انطلاقا من ندوة تجمع كل المفكرين (رجال الدولة) الذين جربوا الحكم وفشلوا. والاجابة عن سؤال: «لماذا كان الفشل؟» تساعد كثيرا على تجاوز أزمة الفكر العربي ونظرياته وتنظيراته... واستشرافاته.

اما معالجة الخلل في الواقع العربي فهذه مسألة لها صلة بالتاريخ لا بالفكر

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 460 - الثلثاء 09 ديسمبر 2003م الموافق 14 شوال 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً